ماذا بين الإنجليز وكرة القدم ليستمروا لمدة 56 عامًا عجاف بدون أي تتويج منذ كأس العالم 1966 الذي احتضنوه، سنوات طويلة من الفشل تخللتها نهائيات غير موفقة ولحظات حزينة وتاريخ كاد أن يُسطّر بحروف من ذهب. يُطلقون على الساحرة المُستديرة ابنتهم الضالة ويستمرون في دعوتها It’s Coming Home للعودة لأحضان لندن ولكن الواقع يقول عكس ذلك. صحيح أنهم يمتلكون الدوري الأقوى في العالم رياضيًا واقتصاديًا ولكن ذلك لم يشفع لهم للنجاح في المحافل العالمية، لقد تبقى أقل من شهرين على كأس العالم 2022 في قطر مما يعني أنها على وشك خوض النقاش الموسمي، ما الذي ينقص منتخب إنجلترا للفوز بكأس العالم؟
الوضع ليس سهلًا بالتأكيد، فا الفوز بلقب كأس العالم يحتاج لما هو أكثر من وصفة نجاح نسردها في مقالتنا. ألا أن هناك مُسلمات تبدو واضحة للأعمى وأساسيات قد يبني عليها غاريت ساوثجايت لقيادة منتخب الأسود الثلاثة للتتويج باللقب الغائب منذ ستينيات القرن الماضي، وجميعها في النهاية عوامل لن تحسم الفوز بالبطولة نظريًا ولكنها بالتأكيد ستُمهّد الطريق لذلك.
فصل الرياضة عن السياسة

ربما يُعد مصطلح مجموعة الموت شائعًا في قرعة البطولات الرياضية، حيث يُشير إلى مدى قوة الأندية أو المنتخبات الموجودة داخل تلك المجموعة، ولكن هذه المرة لدينا مجموعة الموت الحقيقية حيث الصراعات السياسية والحروب وكل ما هو مثير.
ستلعب إنجلترا في المجموعة الثانية رفقة ويلز التي لطالما كانت شوكة في حلق المملكة البريطانية وتسعى وتُطالب دائمًا بالإستقلال، الولايات المتحدة التي تُعتبر الأخت الغير شقيقة لإنجلترا، بجانب إيران الدولة التي لا يُحبها أحد على الإطلاق وخصوصًا في الفترة الأخيرة بسبب الملف النووي الخاص بها والعنف ضد المرأة.
كل تلك المباريات تُنبئ بمجموعة ساخنة، قد يتأثر اللاعبون داخل المستطيل الأخضر بخلفياتها لأنهم في النهاية بشر. إذا أرادت إنجلترا المرور بسلام في المرتبة الأولى، فعلى هاري كين ورفاقه التركيز على الكرة فقط والابتعاد عن أي شيء آخر وخصوصًا في مباراة ويلز التي ستكثر فيها المناوشات وخصوصًا بين جماهير البلدين.
التخلص من الحرس القديم وضخ دماء جديدة

هل تتذكر ما فعلته ألمانيا بعد توديع مونديال روسيا مُبكرًا من دور المجموعات وتوجيه الشكر للعناصر القديمة في الفريق مثل بواتنج وسامي وخضيرة ومسعود أوزيل؟ يجب على إنجلترا تكرار نفس الأمر.
أثبت ذلك الإجراء الألماني مدى فعاليته في الحقيقة حيث سمح بإفساح المجال لضم عناصر شابة للمنتخب وإعطائها فرصة للتألق وهو ما نطالب به جاريت ساوثجايت لفعله، فبصراحة لا أرى أي فائدة لجوردان هندرسون وكايل ووكر والأسطورة هاري ماجواير.
بعيدًا عن كِبر السن، تزخر إنجلترا بالعديد من المواهب في مراكزهم ولا يحتاجون فقط سوى للفرصة الكاملة والدعم الكامل من أجل أن تنفجر موهبتهم، وبقاء هؤلاء اللاعبين ضمن صفوف المنتخب سيحول دون ذلك وسيدفع المدرب للاعتماد عليهم وهو ما سيتزامن مع عدم تقديمهم الإضافة اللازمة، سيناريو رأيناه جميعًا مع جوردان هندرسون بالتحديد الذي لم يُقدم أي إضافة تذكر أثناء مشاركته في بطولة اليورو الأخيرة.
استبعاد أرنولد من القائمة ليحرث الأراضي الزراعية التي يتركها خلفه

يبدو أن حظ إنجلترا الكروي جاء جميعه في مركز الظهير الأيمن، حيث يزخر المنتخب بأفضل اللاعبين على مستوى العالم في ذلك المركز وليس على مستوى البلاد فقط، لدينا كايل ووكر، ريس جيمس، ترينت ألكسندر أرنولد، أرون وان بيساكا، كيران تريبييه. نصف فريق كامل في مركز واحد فقط والمثير للإعجاب هو أنهم جميعًا رائعون لذلك الاختيار سيكون صعبًا للغاية على غاريت ساوثجايت.
يجب على المدرب انتقاء لاعبين فقط بحد أقصى من هؤلاء المرشحين والاختيار صعب بكل صدق فا أي لاعب من الخمسة يستحق المشاركة أساسيًا ضمن منتخب الصفوف الثلاثة ولكن حينما يأتي الأمر لاختيار قائمة كأس العالم فلا حبيب ولا صديق!
نعلم جميعنا كم يُعاني ليفربول منذ بداية الموسم، فمن بعد التتويج بالدرع الخيرية على حساب مانشستر سيتي، تذبذب مستوى الفريق في الدوري ودوري الأبطال وأحد أسباب ذلك الانهيار المُبرر هو الظهير الأيمن الشاب ألكسندر أرنولد. ما الذي يُفيد الفريق إذا تقدم الظهير لصناعة أو تسجيل هدف وترك مركزه شاغرًا وسانحًا أمام لاعبي الفريق الخصم لاستغلاله وهز الشباك؟
مُعضلة أرنولد تتمثل في تفضيله للجانب الهجومي على الدفاعي، التقدم باستمرار وعدم تقديم الدعم الخلفي المطلوب وهي نقطة تجعل أسهمه في تناقص شديد وخصوصًا أمام لاعبين آخرين متميزين في ذلك الجانب تحديدًا أمثال ريس جيمس الذي أعتبره الظهير الأيمن الأكثر تكاملًا في العالم حاليًا، بالإضافة إلى كيران تريبيه عُنصر الخبرة.
سيتعين على المدرب اتخاذ القرار الأصعب والمنطقي في نفس الوقت حاليًا، وهو استبعاد ترينت ألكسندر أرنولد من التشكيلة الذاهبة إلى قطر، قرارًا قد يبدو صادمًا للكثير ولكنه يصب في مصلحة منتخب إنجلترا بكل تأكيد ويضمن على الأقل عدم ترك مساحات فارغة أثناء التواجد في خط الهجوم.
مواكبة تكتيكات اللعبة الحديثة

يُعرف على الإنجليز دائمًا بأنهم مُحافظين نوعًا ما فيما يخص طريقة لعبهم، اعتمادهم الواضح على الكرات الطولية والصراعات البدنية من أهم السمات التكتيكية كذلك، لدرجة أن هناك فرق تتبع ذلك الأسلوب لدرجة وصلت للاشمئزاز الكروي مثل بيرنلي وويست بروميتش.
تطورت كرة القدم كثيرًا، فمنذ مدرسة أريجو ساكي مع الميلان، ظهر منابر كروية عديدة بفكر عصري ومتحضر مثل بيب جوارديولا والتيكي تاكا ويورجن كلوب ومدرسة الضغط العالي، وهناك مدربين عديدين حتى إنجليز يُقدمون كرة قدم رائعة مثل غراهام بوتر مع تشيلسي وبرايتون وإيدي هاو مع نيوكاسل وبورنموث.
ينبغي على ساوثجيت عدم التمسك بطريقة لعبه التي أثبتت مرارًا وتكرارًا أنها ليست الأفضل ولا الأمتع على الميدان ومباراة الدنمارك في نصف نهائي أمم أوروبا، عندما كان الفريق على وشك توديع البطولة في قلب ويمبلي أمام قوة ناشئة في عالم كرة القدم تفتقد لنجمها الأهم.
البطولة القادمة في قطر مليئة بالأساتذة في عالم التدريب، لويس إنريكي، هانز فليك، لويس فان خال، تيتي، ديديه ديشامب. لُكلًا منهم فلسفة تدريبية خاصة ومرونة قادرة على التعامل مع أي مُعطيات تحدث أثناء المباراة. ينبغي على ساوثجيت تحديث السوفت وير الخاص بعقليته التدريبية لمواكبة هؤلاء الفطاحل، ويمتلك الأدوات بالفعل لإحداث فارق وتقديم كرة قدم جميلة لا تعتمد على النتائج فقط بل على الإمتاع كذلك.
فتح باب منتخب إنجلترا أمام كل اللاعبين والأندية

من المعروف أن عناصر المنتخبات تكون مُقتصرة على أبرز وأقوى الأندية في الدوري المحلي، فمثلًا لدينا برشلونة والريال في منتخب إسبانيا، بايرن ودورتموند في ألمانيا، وكذلك في إنجلترا حيث يرتكز قوام المنتخب الأساسي على الأندية الكُبرى مثل ليفربول، مانشستر يونايتد وسيتي وتشيلسي وأرسنال وقلمّا ما يتم إعطاء الفرصة للأندية الصغيرة لضم أحد لاعبيها.
هناك استثناءات بالتأكيد مثل الحارس جوردان بيكفورد لاعب إيفرتون، ولكن يجب على ساوثجيت توسيع رُقعة اختياراته لتشمل أندية الدوري العشرين وليس فقط الاكتفاء بأندية التوب سيكس. إنجلترا بلد ملئ بالمواهب وفي كل المراكز، هناك مدربين قد يعتمدون على الأسماء الكبيرة ومدى ثقلها لضمها إلى القائمة المشاركة في كأس العالم، ولكن من يريد النجاح الحقيقي عليه أن يعدل في اختياراته وأن يستدعي من يستحق المشاركة مع منتخب إنجلترا بغض النظر عن حجم أو اسم النادي الذي يرتدي قميصه، إن حدث ذلك ربما نرى القائد هاري كين يرفع الذهب في ستاد لوسيل في ديسمبر.