من أغلى صفقة في العالم منذ أقل من 10 سنوات، للاعب مهمش في الدوري الأمريكي لم ينجح في إقناع أيًا من أندية الدوريات الخمسة الكبرى بضمه. أدمن الشعور بالبرود على مقاعد البدلاء وفضّل الغولف على كرة القدم، لم يرغب في تحسين علاقته بزملائه داخل غرفة الملابس، وفضّل البقاء مُهمشًا للحصول على كامل عقده. صفات لا تبدو غريبة على مسامع جمهور كرة القدم وتحديدًا جمهور النادي الأبيض الملكي. نتحدث عن من؟ أعتقد أن الإجابة لا تحتاج لتوضيح: إنه الجناح الويلزي جاريث بيل.
قضى اللاعب المثير للجدل تسع سنوات داخل جدران وحقق الكثير من البطولات وسطّر تاريخًا لن يُنسى، ولكن تشوب تلك الفترة دائمًا الكثير من خيبات الأمل الممزوجة بعلاقة فاترة مع الجماهير وفقدان شغف غير مُبرر وعدم رغبة في تحقيق أي شيء طالما راتبه يصل حسابه البنكي بشكل منتظم.
ماذا حدث لذلك اللاعب الذي كانت تُعول عليه الجماهير كثيرًا في يوم من الأيام، لماذا خرج من الباب الخلفي بدون أي احتفاء أو شكر، ولماذا يُمثّل جاريث بيل دور “اللاعب الموظف” الذي لا يطمح لأي شيء في حياته سوى الراتب فقط.
الويلزي ينضم في صيف 2013 بديلًا لنيمار
بعد خسارة نيمار لصالح برشلونة، جعل ريال مدريد هدفه الأول هو جاريث بيل في ذلك الصيف ودفع 100 مليون يورو لتوتنهام مقابل الرجل المولود في كارديف. وقال الرئيس فلورنتينو بيريز: “لو وصل نيمار، فأنا متأكد من أننا لم نكن لنشتري بيل”.
وفي النهاية تم شراء بيل مقابل مبلغ خيالي في صفقة قياسية تخطت مبلغ الـ 94 مليون يورو الذي دفعه ريال مدريد مقابل الحصول على كريستيانو رونالدو، وهو ما وضع ضغوطاً على كاهل اللاعب وأثار الانتقادات اللاذعة منذ البداية.
بسبب مشاكل تخص لياقته وجاهزيته البدنية في بداية مسيرته مع ريال مدريد، سجل بيل في أول ظهور له في فياريال ولكنه في خلال نصف موسم غاب عن خمس مباريات ونزل في ستٍ منها بديلًا وبدأ في خمس فقط بشكل أساسي، لم تُقنع عروضه جماهير السانتياجو برنابيو ولم يقدم مردودًا جيدًا على أرض الملعب، لدرجة أن الصحفي الإسباني سانتياغو سيجورولا في ماركا كتب: “بيل لا يعرف كيف يلعب كرة القدم. إنه يعرف فقط كيف يركض “.
في نهاية موسم 2013-14، توهج بيل بشكل لافت. أنهى الويلزي الموسم كبطل جماهيري بعد أن سجل هدفًا خالدًا أمام برشلونة في نهائي كأس ملك إسبانيا ورأسية قاتلة في نهائي دوري أبطال أوروبا أمام أتلتيكو عندما تُوّج الريال باللقب الأقرب لمُشجعيه: La Decima.
لم يكن ذلك اللقب الأغلى الأخير في مسيرة جاريث بيل مع ريال مدريد، حيث تُوّج النادي الملكي بأربعة ألقاب لاحقة في ميلانو ضد أتلتيكو في 2016 وأضاف آخر بفوزه في كارديف على يوفنتوس في يونيو الماضي وتبعه فوز مثير أمام ليفربول كان بيل هو بطله وأخيرًا انتصار آخر في الموسم المنصرم أمام نفس الخصم أيضًا.
2017: بداية الانحدار لجاريث بيل
كان رفع الكأس ذات الأذنين في مسقط رأسه كارديف حلمًا آخر لبيل. هذه المرة، كان دوره مجرد دور ثانوي: 13 دقيقة كبديل في المباراة التي كانت محسومة بالفعل.
مع ذلك، كانت نهاية سعيدة لموسم توقف فيه الإصابات، موسم ظهر فيه فقط 27 مباراة وبلغ مجموع الأهداف تسعة فقط – أسوأ مردود له منذ التوقيع مع مدريد في 2013.
جلب الصيف تكهنات حول رحيل محتمل، مع حرص مانشستر يونايتد على التوقيع معه، وللمرة الأولى منذ وصوله، فكرت إدارة النادي الملكي بالفعل في بيع بيل.
بزوغ نجم إيسكو المثير للإعجاب وتصاعد أداء ماركو أسينسيو كان يعني أن غاريث لم يعد يُنظر إليه على أنه لا غنى عنه في سانتياغو برنابيو، ولكن لم تسر الأمور على ما يُرام في ذلك الصدد.
يبدو أن قد اشتاق للمستشفى قليلًا في ذلك الصيف، ولكن هذه المرة بمشكلة في أوتار الركبة فقط عندما بدا أنه مستعد للعودة، كان موسم منطفئ آخر بالنسبة للويلزي.
بعض اللاعبين بالطبع أكثر عرضة من غيرهم ويبدو أن بيل يعاني دائمًا من انتكاسة، سواء كان ذلك في ربلة الساق أو الفخذ أو الكاحل، ويشاء الله أن تحدث قبل أن يعود إلى حالته البدينة الصحيحة التي تلي تعافيه من الإصابة السابقة.
تم طرح العديد من النظريات في إسبانيا فيما يتعلق بمشاكل جاريث بيل الجسدية المستمرة، حيث توقع البعض أنها أصبحت مشكلة عقلية والبعض الآخر اقترح أنه يدّعي الإصابة لأنه يلعب على اليمين وليس في موقعه المفضل على اليسار.
لم يجب بيل الأجواء الإسبانية ولم يتأقلم مع رتم الدوري بشكل كامل
تلقى بيل صيحات الاستهجان في برنابيو في وقت سابق من ذلك الموسم خلال تعادل مدريد 2-2 مع فالنسيا وأصبح هدفًا للجماهير المحبطة عندما لا تسير الأمور على ما يرام. ومع ذلك، فهو لاعب يكون من بين الأخطر في مركزه في العالم عندما يكون هناك مساحة يمكن استغلالها وضد الأطراف التي تدافع بعمق، فهو أقل فاعلية.
ليس من قبيل المصادفة أن أهداف بيل الثلاثة في موسم 2017-2018 قد سُجلّت جميعها في سانتياجو برنابيو: في ديبورتيفو لاكورونيا في افتتاحية الدوري الإسباني، ضد بوروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا، وفي الدوري أمام ريال سوسيداد، في تسديدة مذهلة جاءت بعد انطلاقة رائعة من على الجانب الأيمن.
جعلت شعبية إيسكو بين جماهير ريال ووسائل الإعلام في مدريد الحياة صعبة على بيل وتعرض الويلزي لانتقادات لعدم تحدثه الإسبانية. في فيديو شهير من برنامج الشيرنجيتو الساخر في أواخر شهر أغسطس من ذلك العام، قال مقدم البرنامج المعروف بانتمائه إلى النادي الملكي Josep Pedrerol: “إذا أتى شخص ما بمبلغ 100 مليون يورو، فيجب بيع بيل. قم ببيعه وقل “Thank You”، لأنه لن يفهم “Gracias”.
مثّل وقته الطويل على طاولة العلاج مصدر قلق كبير لجماهير النادي، وعلى الرغم من أن ممثلي بيل يؤكدون أنه لا توجد مشكلة وأن اللاعب سعيد في مدريد، لُوحظ أثناء إجرائه للمقابلات الصحفية عدم تحمسه بشأن العودة، بل كان يريد العودة بسرعة من أجل الانضمام لصفوف منتخب ويلز.
في غضون ذلك، أفادت ماركا في أكتوبر 2018 أن الجناح غاب عن ثلث مباريات مدريد (73 مباراة كاملة) خلال فترة وجوده في النادي، بسبب إصابات في ربلة الساق والكاحل والفخذ والكاحل.
الإعارة لتوتنهام في موسم 20-21
ربما كان على الطرفين أن يفترقا في وقت أبكر من ذلك ولكن بيل كان يتعنت دائمًا ويرفض أي عروض للمغادرة بحجة أنه لن يستطيع الحصول على ذلك الراتب الخيالي البالغ قدره 31 مليون جنيه سترليني خالص الضرائب في أي نادي آخر، ولكنه بشكل ما وافق على الانضمام لناديه السابق توتنهام هوتسبير في إعارة لمدة عام لتغيير الهالة السلبية المُحيطة به.
توهج الويلزي في ذلك الموسم ولمع بشدة ونجح في تسجيل 16 هدفًا في 34 مباراة لم يبدأ في الكثير منها بشكل أساسي ويبدو أن الأجواء الإنجليزية كانت لها المفعول السحري في استعادته لجزء من مستواه وكانت جميع المؤشرات تشير إلى انتقاله بشكل نهائي إلى النادي اللندني ولكن عدم الاتفاق بين الأطراف الثلاثة دفع به بالعودة مجددًا إلى صفوف النادي الملكي.
فشل صفقة الـ 100 مليون يقع على عاتق جميع الأطراف
لطالما كانت العلاقة بين جاريث بيل والنادي وجماهير ريال مدريد معقدة، لكنها تكثفت في الموسمين التاليين. لقد غاب عن عدد لا يحصى من المباريات بسبب الإصابة أثناء تعافيه في الوقت المناسب للعب مع المنتخب الوطني، وكانت هناك مشاكل مع مدربين مختلفين، وبعض الحوادث خارج الملعب التي أحبطت الجماهير والنادي.
وقد أدى هذا إلى أن إطلاق صافرات استهجان باستمرار عليه في كل مرة يخطو فيها إلى أرض الملعب. ومع ذلك، فقد كان دائمًا كبش فداء سهلًا لوسائل الإعلام منذ توقيعه. حتى عندما كان حيويًا لنجاح الفريق، ترصدت له الصحافة الإسبانية وخصوصًا في أوقات إصابته، ولم يندمج في الفريق، بالإضافة إلى عدم رغبته الغير مُبررة في تعلم اللغة. على الرغم من أن سلوكه لم يكن لائقًا، إلا أنه ليس لاعب ريال مدريد الوحيد الذي كان له نفس السلوك أو المشكلات.
- كان سلوك إيسكو “سيئًا” مثل سلوك بيل. كان لديه مشاكل مع مدربين مختلفين ولم يكن اللاعب الذي اعتاد أن يكون عليه. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن افتقاره للياقة البدنية لم يكن بسبب الإصابات، ولكن بسبب عدم الاعتناء بنفسه بشكل صحيح وعدم لياقته البدنية.
- يعاني كارفاخال من العديد من الإصابات التي تعرض لها بيل وأصبح يمثل صداعًا مُؤرقًا.
- ماريانو دياز هو اللاعب المُوظف الجديد في صفوف النادي الملكي، المهاجم البديل يرفض المغادرة إلا بعد نهاية عقده ولا يهتم باللعب أساسيًا طالما أن راتبه يصل بانتظام شهريًا.
بغض النظر، فقد تلقوا جميعًا قدرًا ضئيلاً من النقد (في أحسن الأحوال) ولم يقتربوا من رد الفعل العنيف الذي حصل عليه بيل. تذكرنا وسائل الإعلام باستمرار عندما عرض زملائه العلم “المثير للاهتمام” أثناء اللعب مع ويلز، لكن العديد من المشجعين ينسون أكثر لفتة مثيرة للاشمئزاز على الإطلاق من لاعب في ريال مدريد كانت عندما ارتكب أنخيل دي ماريا فعلًا مُشينًا بعضوه التناسلي ردًا على الجماهير التي كانت تطلق صافرات الاستهجان عليه بعد استبداله.
انتهى الصداع رسميًا في نهاية الموسم الماضي وترك جاريث بيل ريال مدريد بعد انتهاء عقده لينتقل إلى صفوف لوس أنجلوس جالاكسي الأمريكي بعد تسعة أعوام قضاها داخل صفوف النادي. على الرغم من كل هذه الكواليس المثيرة للجدل، ليس هناك شك في أنه كان توقيعًا رائعًا بشكل عام. من تمريرات لا تصدق إلى تسجيل أهداف رائعة في اللحظات الفاصلة، كان له دور أساسي في نجاح النادي وسيصبح أنجح لاعب بريطاني لعب للنادي على الإطلاق. عقليته عطلّته من التوهج والانفجار بصورة أكبر وعدم تأقلمه مع زملائه في غرفة الملابس والأجواء الإسبانية بشكل عام أصابه بالفتور والبرود، ووسائل الإعلام الإسبانية جعلت منه عدو الجماهير الأول في السنوات الأخيرة.