لطالما نجحت هوليوود منذ ستينيات القرن الماضي تحديداً (في ذروة أيام الحرب الباردة) بإضفاء صفة جذّابة للجواسيس، وذلك من خلال تقديمهم كرجال وسيمين تقتضي مهامهم التنقل بين بلدان العالم بشكل مستمرّ، وحمل أدوات جاسوسية رائعة متعددة المهام، مع الكثير من مشاهد المشروبات الكحولية والنساء، لكنّ هذا بكل تأكيد لم يكن الوجه الحقيقي لحياة الجواسيس القاسية، والذي يقدّمه لنا صنّاع مسلسل Spycraft الوثائقي من إنتاج نتفليكس، حيث يعرض في حلقاته ذات الثلاثين دقيقة جوانب مختلفة من العمل في مجال الجاسوسية عبر السنوات الثمانين الأخيرة.
تجربة وثائقية متقنة، بأداء إنتاجي مميّز:
على مسير حلقات العرض، يظهر Spycraft الآليات المستخدمة في العالم الجاسوسي الحقيقي، وذلك من خلال مقابلات مباشرة مع خبراء في عالم الجاسوسية، بالإضافة إلى مقابلات مع جواسيس سابقين، يستعرضون خلالها تجاربهم. يكثر صانعو المسلسل من المقاطع المعاد تمثيلها لوقائع حقيقية في عالم التجسس، مازجين بينها وبين صور ومقاطع فيديو قديمة حقيقية للأحداث المطروحة، ما يضفي طابعاً جميلاً من الإثارة والمصداقية في الآن ذاته.
يستعرض مسلسل Spycraft أيضاً الأدوات المذهلة المستخدمة في عالم الجاسوسية، والتي تتعدد الأغراض منها، بداية بالرصاصات التي تحوي بداخلها أجهزة تنصّت، وليس انتهاء بالأدوات التي كان الجواسيس يستخدمونها لتنفيذ عمليات الاغتيال كالغازات والسموم وغيرها.
من الحرب الباردة إلى يومنا الحالي:
إذا بحثت في جذور عالم التجسس، فستصل إلى حضارة مصر القديمة والهند القديمة والإغريق، ولكنّ صنّاع مسلسل Spycraft فضّلوا عدم الغوص بهذا العمق في تاريخ المجال، والاكتفاء بالعصر الذهبي للجاسوسية، والذي بدأ مع نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والمعكسر الغربي بقيادة الولايات المتحدة من جهة أخرى. يستعرض المسلسل الوثائقي أحداث هذه المرحلة من منظور الأمريكيين بشكل أساسي، لينتقل من تلك المرحلة شيئاً فشيئاً إلى الجاسوسية في عالمنا اليوم، والتقنيات المرعبة التي أضحت تستخدم في الوصول إلى أهداف الجواسيس، مع التركيز على التطور المتسارع للمجال خصوصاً في السنوات العشرة أو العشرين الأخيرة، والتي شهدت انفجار ثورة الإنترنت والمعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي.
سلبيات العمل:
يأخذ Spycraft -كحال معظم الأعمال الأمريكية- الجانب الأمريكي من القصّة، ويشيطن الأطراف الأخرى، كما أن المسلسل يفتقر في كثير من جوانبه إلى التعمّق في المعلومات المطروحة بشكل كافٍ، ما يجعل من التوجّه إلى الإنترنت في كثير من الأحيان للبحث عن تفاصيل إضافية أمراً لا مفرّ منه للوصول إلى القصّة الكاملة.
الخلاصة:
Spycraft هو عمل وثائقي ممتع لمحبي أجواء التشويق والجواسيس، يعرض صورة واقعية بشكل كبير، وبعيدة عن الصورة النمطية التي تظهرها هوليوود في وصف جيمس بوند ورفاقه، مجزأةً إلى حلقات قصيرة لا تتجاوز الواحدة منها 30 دقيقة، ما يجعله مدخلاً خفيفاً وممتازاً لعالم التجسس تستطيع من خلاله البدأ بالبحث والتعمّق أكثر فيه.