فن

هل خدمات البث تُدمر صناعة السينما؟

أسأل أحد أصدقائك عن آخر الأعمال التي شاهدوها، وسيخبرك معظمهم بأفلام أو مسلسلات من إنتاج شبكات البثوث على الإنترنت مثل Netflix، Disney Plus، وغيرهما. نادرًا ما ستجد صديقًا لك يخبرك أنه قرر الذهاب للسينما ليدفع تذكرة كاملة ويُشاهد فيلم مدته ساعتين، بل معظم مُحبي الأفلام والمسلسلات أصبحوا ينتظرون الأفلام لتصدر رقميًا عبر مواقع الاستوديوهات الرسمية، أو ينتظروا لفترة أطول قصيرًا حتى تتوفر عبر مختلف شبكات البثوث العالمية.

هذا الوضع ظل قائمًا منذ عدة سنوات، ولكنه ازداد بشكل ملحوظ مع انتشار جائحة كورونا في أوائل عام 2020، فهل الأمر من المحتمل أن يؤدي إلى تدمير صناعة السينما، وتتحول كل الاستوديوهات المُنتجة لنشر أفلامها عبر شبكات البثوث؟

العقود بين الاستوديوهات ودور العرض (نافذة العرض في السينمات)

عندما بدأت صناعة الأفلام، كانت الطريقة الوحيدة لمشاهدتها هي التوجه لدور العرض والاستمتاع بالعرض السينمائي مع باقي أفراد الجمهور. ظل الحال كما هو عليه حتى ظهرت التلفزيونات في المنازل ومعها بدأت تظهر شرائط الفيديو ثم أقراص التشغيل.

الشركات المنتجة للأفلام وجدت الفرصة لربح المزيد من الأموال عن طريق نشر أفلامها على شرائط وأقراص الفيديو، ولذلك قرروا إلى عقد اتفاقيات مع دور العرض السينمائية والتي ضمت فكرة (نافذة العرض المسرحي). البنود كانت تنص على أن الأفلام لن يتم نشرها عبر أي وسائل مشاهدة أخرى إلا دور العرض حتى تنتهي نافذة العرض المسرحي!

تلك النافذة بدأت تقل تدريجيا مع مرور الأعوام، ففي أواخر القرن الماضي، كانت الفترة تصل إلى 10 و 11 شهر تقريبا قبل أن يتم نشر تلك الأفلام عبر وسائل الترفيه المنزلية. مرت السنوات وتضاءلت الفترة لتصل إلى ثلاثة أشهر تقريبا قبل اندلاع جائحة كورونا.

في تلك الفترة كانت قد ظهرت مختلف خدمات البث عبر الانترنت، والعديد من الاستوديوهات المنتجة كانت تريد عرض أفلامها عبر تلك الخدمات في نفس الوقت الذي يتم عرضها فيه في السينمات. بالطبع دور العرض رفضت هذا الأمر رفضا باتا لأنها ستخسر العديد من الأموال. وظلت اتفاقية مدة العرض قائمة حتى حدثت الجائحة.

بسبب انتشار الكورونا في 2020، اضطرت دور العرض أن تغلق أبوابها منعا لانتشار المرض، وهذا الأمر جاء في مصلحة استوديوهات الإنتاج والتي استطاعت أخيرًا أن تجرب فكرتها على أرض الواقع وهي نشر أفلامها عبر شبكات البثوث ودور العرض في نفس الوقت. نظرا لأن دور العرض كانت مغلقة، فإن الأفلام توفرت عبر شبكات البثوث وقت الاصدار، وكان الأمر مربحًا لكل استوديوهات الإنتاج!

شركات مثل Disney عرضت معظم أفلامها عبر خدمتها الخاصة Disney Plus في 2021، وشركات أخرى قررت عقد اتفاقيات مع HBO Max لعرض أفلامها على الخدمة في نفس وقت الاصدار مثل فيلم Mortal Kombat و The Matrix: Resurrection.

بعد انتهاء فترة الحجر، عادت دور العرض للعمل مرةً أخرى، وقررت الشركات المُنتجة الأكبر مثل Warner Bros، Disney، و Paramount أن تعقد صفقات جديدة مع دور العرض لجعل (نافذة العرض المسرحي) تكون 45 يوم فقط، وبعدها يتم نشر تلك الأفلام بشكل رقمي عبر شبكات البثوث.

السعر الذي تدفعه في الاشتراكات، مقابل السينمات

من ناحية السعر، فالاشتراكات الرقمية توفر عليك كمية ضخمة من الأموال. متوسط سعر تذكرة السينما في مصر هو 100 جنيه في الوقت الحالي، وإذا قررت الاشتراك في شبكة Netflix لمدة شهر (الاشتراك الذي يُقدم لك جودة فيديوهات 1080p) فستدفع حوالي 150 جنيه في الشهر. الـ 150 جنيه يُقدمون لك مئات الأفلام والمسلسلات، ويتم إضافة المزيد والمزيد بشكل شهري. اشتراك شبكة Disney Plus الذي يتوفر في شهر يونيو المُقبل سيكون بسعر 500 جنيه سنويًا ويقدم لك كل عوالم Marvel، Pixar، Disney، Star Wars وغيرهم.

إذا نظرت إلى الأمر من منظور الأموال التي تصرفها، فبالتأكيد القيمة مقابل السعر تكمن في الاشتراكات الرقمية. أنت ستكون في منزلك مع عائلتك و ستستمتع بكمية ضخمة من الأفلام والمسلسلات مقابل اشتراك شهري بسيط إلى حدٍ ما. أحد أصدقائي قال لي سابقًا أن المتعة بالنسبة له هي الاشتراك مع 3 آخرين مع أصدقائه في Netflix Premium (يُكلفهم 200 جنيه شهريًا) ويمكن للأربعة أفراد أن يستمتعوا بالخدمة في منازلهم.

هذا يعني أن كل فرد منهم يدفع 50 جنيه شهريًا ويحصل على كل هذا الكم من الأفلام والمسلسلات. شبكة Netflix في عام 2021 وحده قدمت لنا أكثر من 120 فيلم!

تلك الفكرة تم نقلها إلى عالم الألعاب أيضًا خلال الفترة الماضية ولاقت نجاحًا عملاقًا حيث قدمت لنا شركة Microsoft خدمة Xbox Game Pass Ultimate بسعر 15 دولار شهريًا وتحصل مقابلها على مئات الألعاب بدلاً من دفع 60 دولار في اللعبة إذا اشتريتها بشكل منفصل.

متعة المشاهدة في السينما مع الجمهور

بالتأكيد مشاهدة الأفلام والمسلسلات مع الأصدقاء والعائلة في المنزل له متعة رائعة ويُقدم تجربة مميزة، ولكن تلك التجربة لن تصل بأي شكل من الأشكال إلى تجربة دور العرض مع عشرات المشاهدين الآخرين.

أقرب مثال على ذلك هو فيلم Spider-Man: No Way Home. بالتأكيد معظم من يقرأ المقالة الآن شاهد الفيلم وقت إصداره في السينمات، وعاش تجربة مشاهدة لن تتكرر في أي وقت قريب. صيحات المشاهدين التي تعالت مع دخول Andrew Garfield و Tobey Maguire، وكل اللقطات الرائعة التي ارتفعت فيها الهتافات والتصفيق الحار. هذه التجربة لن تحصل عليها في المنزل ولا في أي مكان آخر خارج قاعة السينما.

طابع قاعة السينما مميز، الشاشة العملاقة والصوت المحيطي الذي يجعلك تشعر وكأنك مع كل الشخصيات داخل الفيلم، بالإضافة إلى حماس الجمهور وتفاعلهم مع الفيلم خاصةً إذا كان فيلمًا عملاقًا يستحق الضجة التي حوله.

كل تلك المميزات تجعل قاعة السينما فريدة من نوعها لكمية ضخمة من المشاهدين، ومهما كان سعر الاشتراكات الرقمية مُوفر بالنسبة لهم، فكل فرد منهم لا يزال سيقوم بدفع 100 و 150 جنيه لكي يذهب لقاعة السينما ويعيش تلك التجربة مع أصدقائه بين الحين والآخر.

إذًا هل خدمات البث تؤثر بالسلب على صناعة السينما؟

الإجابة واضحة وهي لا. شبكات البثوث أصبحت تُكون جمهورًا خاص بها معظمه من الأجيال الجديدة التي تريد الوصول إلى كل شيء وهي تجلس على أريكتها أمام تلفازها في منزلها. لكن في نفس الوقت يوجد الجمهور التقليدي الذي يريد التوجه إلى قاعة السينما من الحين للآخر لكي يُشاهد أكثر فيلم هو متحمس له خلال العام.

صناعة السينما لن تتأثر بالسلب في الوقت الراهن مع وجود خدمات البثوث، بل ستظل تُحقق عوائد ضخمة لكل الشركات والاستوديوهات المُنتجة، ولن يستطيعوا الاستغناء عنها بشكل أساسي في أي وقتٍ قريب. بالطبع المستقبل من الممكن أن يحمل إجابات أخرى، ولكن حتى الآن، فالوضع سيظل كما هو عليه. السينمات لها جمهورها الخاص، وخدمات البثوث هي الأخرى لها جمهورها الخاص.
أخبرنا رأيك في التعليقات، هل تُفضل مشاهدة الأفلام والمسلسلات عبر شبكات البثوث، أم تحب التوجه إلى السينما مع أصدقائك للتفاعل مع الجمهور أثناء مشاهدة أحد الأفلام المميزة؟

Ahmed Yousry

خبرة تزيد عن 6 سنوات في مجال صحافة الألعاب، وها أنا أعيش تجربة جديدة في الكتابة عن الفن!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى