إلى متى ستستعصي وسترفضي أن تأبي؟ هل ستتمنعين مُجددًا أم سيلين قلبك وتعودي؟ أعوام طويلة من الغياب والاشتياق أيتها الذهبية ألم تكتفي بعد؟ – هذه ليست أبيات شعر للمتنبي ولا رسالة رومانسية من عاشق لحبيبته، بل هو لسان حال جميع مُشجعي منتخب الأرجنتين الذين يدخلون في حالة رثاء جماعي كل أربع سنوات حسرةً على سنوات الفرص الضائعة وبطولات كأس العالم التي خسرها الفريق وأملًا في فرصة جديدة قد يصحبها تتويج غائب منذ عشرات السنوات.
خيبات سابقة تركت جرحًا غائرًا في قلوب المشجعين، ولحظات قليلة كانت تفصل ميسي ورفاقه على التتويج بالمونديال ولكنها انتهت في النهاية بكابوس لن يُفارق أذهانهم أبدًا، قد يكون مُصطلح “النحس” مُرتبطًا بأمور حياتية ولكن لا يوجد مُرادف له في الرياضة وعالم كرة القدم تحديدًا سوى منتخب الأرجنتين.
مع تبقي أقل من شهرين فقط على انطلاق البطولة المُقامة في قطر، ترتفع الآمال مُجددًا وتعود أحلام تتويج التانغو باللقب الغائب منذ أن سجّل مارادونا “هدف يد الرب” في عام 1986.
لماذا يُعد تتويج الأرجنتين بكأس العالم مطلبًا جماهيريًا؟
عندما تكون واحدًا من بين الأفضل في التاريخ، يبدو أن هناك دائمًا شيء يُخبرك به المعجبون ووسائل الإعلام والنقاد أنك بحاجة إلى تحقيقه من أجل تعزيز الإرث وترسيخ التفوق. يحدث ذلك لمعظم الرياضيين العُظماء.
حسنًا، كانت آخر نقطة نقاش مستمرة لسنوات، تحيط بالأسطورة ليونيل ميسي وما إذا كان بحاجة إلى الفوز بكأس العالم حتى يُنظر إليه حقًا على أنه أعظم لاعب كرة قدم على الإطلاق.
مع اقتراب بداية نهائيات كأس العالم 2022 المقرر عقدها في نوفمبر في قطر، سيستمر طرح هذا السؤال. لا مفر من ذلك النقاش بالنسبة للاعتراف بأحقية ميسي. بالنسبة للكثيرين، فإن قيادته لتتويج الأرجنتين بكأس العالم هو شرط أساسي لكي يُنظر إليه على أنه الأعظم وخصوصًا أنه يُوضع في مقارنة مستمرة بمارادونا الذي يُرجّح الكثيرين كفته لأنه قاد التانغو بالفعل نحو التتويج بذلك اللقب الغالي.
بالنسبة للبعض، يُطلق على ميسي لقب “أفضل لاعب كرة قدم في تاريخ الأندية على الإطلاق” ولكنه لن يحسم جدال “الأفضل على الإطلاق” حتى يحمل هذا الكأس الذهبية الجميلة بين يديه. حقيقة تتويج ميسي بجميع الألقاب الممكنة وتحطيمه لأغلب الأرقام القياسية لا تنفي أنه مُطالب بالتتويج بالمونديال لأنه حقًا الكأس المقدسة لجميع لاعبي كرة القدم.
وبالتالي يرغب الكثير من مجتمع كرة القدم في تتويج منتخب الأرجنتين وميسي بكأس العالم، لأنه بخلاف مارادونا، تُوّج بيليه أيضًا باللقب وحقق كريستيانو رونالدو لقب أمم أوروبا المرموق، وبالتالي إذا أراد “البرغوثي” حسم الجدل والنقاش حول الأفضل عبر العصور، فيجب أن يكون الطرف الفائز في المباراة النهائية التي ستُقام على ملعب لوسيل في الثامن عشر من شهر ديسمبر.
قد يكون تواجد ميسي – الذي سيُشارك للمرة الأخيرة في أعرق بطولات كرة القدم – في التشكيل الأساسي ليس كافيًا بدوره أو ضمانة على التتويج باللقب، حيث تحتاج الأرجنتين إلى 5 أمور بالتحديد من أجل فكّ النحس والظفر بالذهب النفيس، نسردها لكم تاليًا في السطور القادمة.
1. لا بديل عن تصدر المجموعة
لكي نكون مُنصفين، لم تظلم القرعة منتخب التانغو على الإطلاق، على الأقل تبدو مجموعتها أسهل بكثير من منتخبات أخرى، فالمنتخب السعودي مع كامل الاحترام غير قادر على مُجابهة ميسي ورفاقه، المكسيك تبدو أشبه بالكتاب المفتوح للأرجنتين نظرًا للصبغة اللاتينية المُشتركة، بولندا ترتكز على ليفاندوفسكي فقط ولن تُمثل عائقًا كبيرًا، وبالتالي تصدر المجموعة يبدو أمرًا في المتناول لتجنب سيناريوهات عديدة لا تبدو سارة إن حدث العكس.
تقبع الأرجنتين في المجموعة الثالثة، والتي تتصادم في مسار القرعة مع المجموعة الرابعة التي تضم حامل اللقب منتخب فرنسا جنبًا إلى جنب مع الدنمارك وتونس وأستراليا، هذا يعني أن المتصدر في المجموعة الثالثة سيُواجه ثاني الرابعة وسيصطدم أول الرابعة بثاني الثالثة، هذا يعني أنه إذا تعثرت الأرجنتين بطريقة ما وصعدت في المركز الثاني، فستصطدم بالمتصدر والذي من المُرجح أن يكون المنتخب الفرنسي، في لقاء ناري سيكون تكرارًا لمباراة الدور الثُمن النهائي للبطولة الماضية التي أقيمت في روسيا.
2. إلى حراس المرمى: أرجوكم لا تخذلونا!
لا يُمكن تجاهل أن حراسة المرمى هي واحدة من أبرز نقاط الضعف في صفوف المنتخب الأرجنتيني في السنوات الأخيرة، وأبرز المراكز التي تُعاني شُحًا شديدًا وتذبذبًا في مستوى اللاعبين الذين يشغلونه، فا التانغو لم ينعم بحارس مرمى قوي سيرخيو روميرو، وبالتأكيد يُمثل هذا المركز صداعًا مُقلقًا لجميع المشجعين.
كانت بطولة كأس العالم 2018 مهزلة حقيقية، حيث لاحظ الجميع بوضوح مدى تردي حُراس المرمى في تلك النسخة وتحملهم لمسئولية الأهداف التي تسكن الشباك وبالتأكيد لا ننسى جميعًا هدف أنتي ريبيتش الشهير في دور المجموعات الذي أطاح بويللي كاباييرو من التشكيلة الأساسية وحل بدلًا منه فرانكو أرماني حارس ريفر بليت ليستمر حتى تُودعّ الأرجنتين البطولة.
تحسن الوضع كثيرًا خلال العامين الماضيين وبدأت بعض الأسماء في الظهور على الساحة وجذب الأضواء وأبرزهم بالتأكيد إيمليانو مارتينيز الحارس الذي خرج من ظل أرسنال ليُساهم في تتويج ميسي والأرجنتين بلقب كوبا أمريكا العام الماضي بعد أداء لافت طمأن به جماهير التانجو وبثّ الطمأنينة في قلوبهم.
ليس ذلك فحسب بل تعج الأرجنتين في الوقت الحالي بحراس مرمى على مستوى جيد مثل جييرمي روللي حارس فياريال والذي يُقدم مستويات جيدة مع كتيبة أوناي إيمري، بالإضافة إلى خوان موسو حارس أتالانتا الإيطالي، وبالتالي نعتقد أن مركز حراسة المرمى ستكون في أمان، وأن الصداع المؤرق لن يكون موجودًا في كأس العالم قطر 2022.
3. استغلال الحشد الجماهيري الساحق
لا شك أن الجماهير هي اللاعب رقم 12 ضمن صفوف أي فريق، تُعطي الدافع المعنوي للاعبين على أرضية الميدان وتُلهمهم عقلية الإنتصار، من حسن الحظ أن الجماهير الأرجنتينية قد حجزت مقاعدها بالفعل في قطر منذ أشهر، كما يظهر أدناه في مباراة الوكرة وقطر في الدوري المحلي حيث لُوحظ تواجد المئات من الجماهير القادمة من بوينس آيريس في المدرجات دعمًا لفريق الوكرة بسبب تشابه قميصه مع قميص التانجو.
وسط جدل قائم حول مُقاطعة بعض الجماهير وتحديدًا الأوروبية للبطولة بسبب عدم رغبتهم في التقيد بالضوابط الأخلاقة والمُجتمعية للوطن العربي والشرق الأوسط، ينبغي على الأرجنتين الاستفادة من الدعم الجماهيري المُنتظر حيث نتوقع أن نرى المدرجات باللونين الأبيض والأزرق في مباريات المجموعة الثالثة، وبالتأكيد سيمنح هذا الدعم أفضلية للمنتخب الأرجنتيني وسيُساهم في ترجيح كفتها أمام المنافسين.
4. إيجاد التوليفة الصحيحة لخط الهجوم
إذا نظرنا لباقي المنتخبات المُرشحة للبطولة فسنجد أنها تظفر بالنجوم وتحديدًا في خط الهجوم: نيمار ورافينيا، جوتا ورونالدو، هاري كين ورحيم ستيرلنج، مبابي وبنزيما وجريزمان، وحتى منتخبات متوسطة مثل صربيا وسويسرا تمتلك عناصر هجومية لا بأس بها.
بالنسبة لمنتخب الأرجنتين، فيبدو الأمر مُعقدًا نوعًا ما، لم نعد في عصر تواجد هيجوايين وأجويرو وإيكاردي، بل صارت التشكيلة فقيرة نوعًا ما هجوميًا حيث لا يوجد سوى ميسي فقط هو النجم الأبرز، مع تواجد لاوتارو مارتينيز المتذبذب وأنخيل دي ماريا وأليخاندرو جوميز الثنائي العجوز بدنيًا وديبالا الذي لا يحظى بثقة سكالوني بجانب جوليان ألفاريز الذي ما زال شابًا لم يعتد على تلك الضغوطات.
هذا الهجوم بالتأكيد ليس الأفضل في البطولة ولا حتى من بين الثلاثة الأقوى، ولكن التوليفة الصحيحة هي التي ستجعل منه مرعبًا لمرمى الخصوم. أرى أن تواجد باولو ديبالا في مركز الجناح الأيسر سيكون أفضل من أليخاندرو جوميز صاحب الأربعة وثلاثين عامًا، دي ماريا كذلك سيكون حلًا جيدًا سواء كان أساسيًا أو بديلًا، ولا يوجد خيار آخر سوى البدء بـ لاوتارو مارتينيز مع الأمل أن يكون جوليان ألفاريز خير مُعوض له على دكة البدلاء.
5. لا صوت يعلو فوق صوت التانغو حال جاهزية ليونيل ميسي
العامل الخامس والحاسم في احتمالية تتويج الأرجنتين بكأس العالم من عدمها هو جاهزية “صاحب الكورة”. في اليوم الذي يكون فيه البرغوثي في أفضل حالاته، لا يوجد لاعب كرة قدم على وجه الأرض يُمكنه مضاهاة تأثيرة، هذه من بين الحقائق والمُسلمات الرياضية الغير قابلة للنقاش.
يُمكن لميسي حسم المباراة بأسيست إعجازي، ركلة حرة تتحدى القوانين الفيزيائية، تصويبة من خارج المنطقة لا تُرى بعين حارس المرمى المُجردة، مراوغة تضرب صفوف المدافعين وتُبعثر تمركزهم، إنها مهارات ميسي الخاصة وما لا يُمكن أن يُقدمه أي لاعب آخر بخلافه، وبالتالي يُمكن التعويل عليه لجلب البطولة إلى بوينس آيريس إذا كان في حالته الفضائية المُعتادة.