يقولون أن الأمل حلم من أحلام اليقظة، وأن الأمنيات لألئ تلمع في قلوب الحالمين، حتى ولو كانت دولة أفريقية فقيرة في مواجهة منتخب لاتيني مُتمرس بقيادة لويس سواريز ودييجو فورلان وإدينسون كافاني في محفل كروي لم يعترف أبدًا بأحقية القارة السمراء في معانقة الذهب أو حتى الاقتراب منه في المراحل الإقصائية النهائية.
الثاني من يوليو 2010، تاريخ لن يُمحى من تاريخ الكرة مهما حدث. لطالما كان الأبطال الأشرار (villians) جزء لا يتجزأ من أي فيلم أو مسلسل درامي، ولكن أن يتجسد ذلك الشيطان في هيئة لاعب كرة قدم، هو أمر غريب وجديد على عالم الرياضة، قد يكون لدى غانا قائمة بالمطلوبين أمنيًا أو المجرمين الدوليين التي تسعى بالتعاون مع الإنتربول للقبض عليهم، ولكن بالحديث عن الشخص الأكثر كُرهًا في العاصمة أكرا وباقي المدن الغانية، فلا يبدو أن هناك أحدًا بخلاف لويس سواريز.
قصة المباراة المونديالية الأشهر في تاريخ أفريقيا
لقد كانت المباراة الأكثر بروزًا في البطولة بسبب توترها والشعور بالتاريخ الذي قد يكون على وشك أن يصنع لأول مرة. وضع سولي مونتاري غانا في المقدمة بتصويبة من مسافة 35 ياردة قبل نهاية الشوط الأول بقليل، فرناندو موسليرا لم يقوى على صد كرة جابولاني التي لم يكن من الممكن التنبؤ بها.
سُرعان ما أدرك دييجو فورلان التعادل بركلة حرة في الشوط الثاني، والذي كان يدين بالكثير هذه المرة للجابولاني لتغيير الكرة مسارها بشكل غير متوقع. لكن مع دخول المباراة إلى الوقت الإضافي، بدت غانا وكأنها الجانب الأقوى. صارت الأحلام الوردية قابلة إلى أن تتحقق، هل يمكن أن يصل منتخب أفريقي بكأس العالم إلى نصف النهائي لأول مرة في التاريخ؟
مع دخول المباراة في الدقيقة 120 والأخيرة من الوقت الإضافي الثاني، فازت غانا بركلة حرة على جهة اليمين. كانت هذه هي الفرصة الأخيرة في المباراة بشكل شبه مؤكد. علقها جون بينسيل على الحائط ، وبعد ذلك حدثت الكثير من الأشياء بسرعة كبيرة. ضغط كيفن برينس بواتينج على الكرة. جاء موسليرا وصدم الكرة بقبضته قبل أن تصل إلى جون منساه، ومن ثمّ سقطت على قدم ستيفن أبياه، الذي ارتطمت تسديدته على الخط بساقي لويس سواريز. ارتدت الكرة وأطلق دومينيك أدييه ضربة رأس قوية. لقد تجاوزت لمح بصر دييجو فورلان الذي لم يستطع عرقلتها لكن سواريز تدخل مرة أخرى.
لقد كانت كرة مُركزة ودقيقة، صُوبت لتسكن الشباك وألا يعترضها أحد لكن تدخل سواريز أنقذ مرمى منتخب بلاده من تلقي الهدف القاتل في اللحظات الأخيرة ولكن بأي ثمن؟ بعد لحظات لا تتخطى أجزاء من الثانية من الإحباط للاعبي البلاك ستارز، اهتزت راية الحكم المساعد وانطلقت صافرة حكم الساحة. كان الاعتقاد السائد أمام اللاعبين والطاقم الفني والجماهير والمشاهدين في المنازل أنه هناك تسللًا أو خطأ تم ارتكابه، على الرغم من أنه كان هناك نصف يعتقد أن الكرة ربما عبرت خط المرمى. لكن عندما سار الحكم البرتغالي أوليجاريو بينكيرينكا عبر منطقة الجزاء، اتضح أنه أخرج بطاقة حمراء من جيبه. هذا التصرف، بشكل واضح، يمكن أن يعني شيئين فقط: لمسة يد وركلة جزاء.
أكدت الإعادة التلفيزيونية ما حدث في تلك اللحظات. حاول المدافع فوسيلي الارتقاء وتشتيت الكرة ولكنه أخطأ، لكن سواريز قفز إلى يمينه ودفع الكرة بعيدًا ومد يده عن قصد لتشتيت الكرة بعيدًا عن المرمى. على مضض، غادر سواريز الملعب مطرودًا. حاول البقاء على خط المرمى، لكن مسؤولًا في الفيفا، قبض على ذراعه، وقاده خارجًا. وأظهرت لقطات من داخل النفق فيما بعد أنه يمشي، ورأسه تكاد تلمس الأرض من كثرة الحزن والإحباط، ومن ثمّ يسمع زئير الجماهير بينما ضرب أسامواه جيان ركلة الجزاء في العارضة ليستدير البيستوليرو ويحتفل في لحظة أكاد أجزم أنه شعر بجرعة أدرينالين لم يشعر بها طوال حياته.
نجح سواريز فيما كان يسعى له من البداية وهو فعل كل ما يتوجب لصعود منتخب بلاده إلى المُربع الذهبي، وهو ما تحقق بالفعل بعدما تغلبت أورغواي على غانا بركلات الترجيح وحرمتها من كتابة تاريخ لم ينجح أي منتخب أفريقي في تسطيره من قبل.
بالنسبة لسواريز، الذي كان لا يزال لاعبًا في أياكس وكان يبلغ من العمر 23 عامًا فقط في ذلك الوقت، كان هذا أول جدل عالمي كبير له، والذي سيتبعه عددًا منهم في السنوات التالية. في وقت لاحق من ذلك العام قام بعض لاعب أيندهوفن عثمان بكال من ايندهوفن. وقعت حالتان قاسيتان أخريان في السنوات اللاحقة: في عام 2013، عض برانيسلاف إيفانوفيتش لاعب تشيلسي أثناء لعبه مع ليفربول. في كأس العالم 2014، ارتكب نفس الفعل الإيطالي جورجيو كيليني. في عام 2011، تم إيقافه بسبب الإساءة العنصرية إلى باتريس إيفرا، وستتسم مسيرته بشكل عام بالعدوانية والاستفزاز العام على أرض الملعب.
أما بالنسبة لأسامواه جيان، فالحياة انتهت في ملعب جوهانسبرغ وعقارب الساعة لم تتحرك البتة منذ ركلة الجزاء الضائعة، لقد كانت غانا على شفا الوصول إلى المُربع الذهبي للمرة الأولى في تاريخ القارة السمراء الفقيرة بعد أن فشل ميلا وأوكوشا ورابح ماجر ومجدي عبد الغني وكل أساطير القارة في تحقيق ذلك، ولكن الحظ والتوفيق منع ذلك الجيل الذهبي من إبراز نفسه للعالم.
لمسة يد سواريز: ما بين التنديد والإشادة
بالنظر إلى التاريخ الغير سار للويس سواريز، سيكون من السهل تصنيف ما قام به ضد غانا مع أفعاله الشريرة الأخرى. لكن ما مدى سوء ذلك حقًا؟ هل كانت التضحية والتصدي للكرة باليد أي شيء بخلاف رد الفعل الغريزي لأي لاعب يلعب مع منتخب بلاده أو فريقه ويرى مرماه مُهددًا بأن يتلقى هدفًا قاتلًا من شأنه أن يكتب لهم الخسارة المحتومة – هل يمكن توجيه اللوم له على الإطلاق؟ أليس هذا مبررًا أكثر لأنه جاء من تصميمه على الانتصار واعتقادًا بأن أي عمل لتحقيق النصر يستحق العناء؟
نادرًا ما يُذكر أن جاك تشارلتون فعل الشيء نفسه في نصف نهائي كأس العالم 1966 بين إنجلترا والبرتغال. سجل أوزيبيو ركلة الجزاء وبقي تشارلتون على أرضية الميدان، لأنه لم يكن هناك طرد تلقائي بسبب لمسات اليد في تلك الأيام. كان تشارلتون معروفًا بأنه مدافع قوي وعدواني، لكن لا أحد يعتبره غشاشًا. على العكس من ذلك، أولئك الذين سجلوا بأيديهم يميلون إلى أن يحظوا بكل الشهرة والثناء، وأبرزهم دييجو مارادونا وتيري هنري الذي حرم إيرلندا من التواجد في المونديال بهدف غير شرعي.
وبالطبع، في حالة سواريز، فإن لمسة اليد ضد غانا تناسب نمطًا أوسع من السلوك. لكن من بين كل مواقفه المثيرة للجدل، ربما يكون هذا هو الأكثر قابلية للفهم والأكثر تسامحًا. الجانب المؤسف هو أن هذا الخطأ قد أنهى حلم نصف نهائي كان من الممكن أن تتواجد به دولة أفريقية للمرة الأولى. ولكن يبدو أن السيناريوهات الخُزعبلية دائمًا ما ستكون حاضرة في عالم كرة القدم، كما حدث مع صربيا في دور المجموعات، إذا كانت قد نجحت في تسجيل ركلة الجزاء التي حصلت عليها قبل خمس دقائق من نهاية مباراتها مع أستراليا – لم تكن غانا قد وصلت لتلك المرحلة ولكانت قد خرجت من الدور الأول.