49 مباراة لـ أرسنال في الدوري بدون هزيمة ليست بالأمر السهل. وعلى الرغم من تطور عالم كرة القدم واختلاف “وصفة النجاح” السحرية التي تتألف من مستويات محددة من الجودة والاتساق اللازمين، للظفر بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز في السنوات الأخيرة، إلا أنه حتى مانشستر سيتي وليفربول الأفضل خلال السنوات الخمس الأخيرة لم يصلوا لذلك الإنجاز بعد.
لكن منذ 18 عامًا، كان آرسنال هو ملك الساحة في مشهد كرة قدم مختلف تمامًا. في الوقت الذي كان فيه تحقيق 100 نقطة في الموسم لم يكن أمرًا مطروحًا من الأساس.
إنجاز لم يتحقق من قبل: أرسنال بدون خسارة في دوري 2003-2004
كان الجانرز هم القوة البارزة في اللعبة الإنجليزية، حيث خاضوا مشوارًا لم يظن أحد من قبل أنه ممكن، على الأقل ليس في العصر الحديث. لقد كانوا The Invincibles، وفازوا بلقب 2003/04 من خلال تخطي موسم الدوري بأكمله دون هزيمة. ليُصبح أول ناد يفعل ذلك منذ بريستون نورث إند في عام 1889 عندما كان هناك 22 مباراة فقط ليخوضها كل فريق.
لقد كان إنجازًا رائعًا، وقد أصبح أكثر بروزًا بسبب الطريقة التي فعلها أرسنال. لقد لعبوا بجمالية كبيرة وإيمان وطلاقة. اعتنقوا مذهب الكرة الممتعة بسرعة وانهالت الأهداف في شباك المنافسين في كل مباراة، ولم تنجح دفاعات الفرق التسعة عشر الأخرى في إيقاف هنري ورفاقه، الأنيق الذي سجل بانتظام أهدافًا رائعة، كان فريق أرسنال التاريخي هذا الموسم بعيد كل البُعد تمامًا عن مفهوم “الممل” الذي ظل مُلازمًا للفريق لفترة طويلة في السابق.
مدعومًا باقتدار من خط وسط متميز يتألف من دينيس بيركامب وروبرت بيريس وفريدي ليونجبرج، كان تييري هنري في أفضل حالاته المدمرة. المهاجم الرائد والجذاب نجح في نثر السحر في الدوري الإنجليزي الممتاز، سجل 39 هدفًا في جميع المسابقات وصنع 11 هدفًا إضافيًا. كان الجميع يعلم عندما كانت الكرة بين قدمي الغزال الفرنسي، أنها ستنتهي داخل الشباك بغض النظر عن الطريقة.
أرسين فينجر صنع فريقًا مُرعبًا تهابه انجلترا
على الرغم من كل اللاعبين الماهرين والحريريين في المراكز الأمامية، اعتمد أرسنال على تطبيق فلسفة اللعب المباشر بدون أي مُهاترات. إذا كان من الممكن اتهام أجنحة أرسين فينجر في حقبته الأخيرة بأنهم يفتقرون إلى الجرأة والمرونة، لم يكن هذا هو الحال في الجزء الأول من عهده. لم يخف فريق Invincibles من المواجهة الجسدية وكان بإمكانهم الصمود في المعركة إذا لم تسير اللعبة كما هو مخطط لها.
كان باتريك فييرا، الذي يقترن عادة بجيلبرتو سيلفا، هو قلب الفريق. كان جنرال خط الوسط المسيطر، مدعومًا بنفوذه من خلال سلسلة تنافسية شرسة. خلفه ، قدم سول كامبل وكولو توري الأسس لدفاع قوي حافظ على نظافة شباكه 15 مرة واستقبل أقل عدد من الأهداف خلال موسم 2003-04 الذي حطم فيه الفريق الكثير من الأرقام القياسية.
لحظات ما قبل الكارثة: اللحظات الوردية تنتهي على يد الشياطين الحُمر
بعد ستة أشهر من الظفر باللقب وحفاظ أرسنال على مسيرته الخالية من الهزيمة. بعد أن فازوا بثماني مباريات من أصل تسع مباريات في الدوري، كان المدفعجية في صدارة جدول الترتيب ويبدو أنهم في وضع جيد للاستمرار في الاحتفاظ بلقبهم. عندما توجهوا إلى أولد ترافورد في أواخر أكتوبر، لم يذقوا طعم الهزيمة في 49 مباراة سابقة وكانوا حريصين على رفع الرقم إلى 50 ضد منافسهم الكبير.
سيطر أرسنال ومانشستر يونايتد على الدوري الإنجليزي الممتاز للسنوات التسع الماضية ولم يكن أي شخص آخر قد وضع يده على اللقب منذ بلاكبيرن روفرز في عام 1995. كان التوتر شديدًا حول الملعب حيث تواجه الفريقان وجهاً لوجه مرة أخرى، مع تزايد الانقسام وتوتر العلاقة بين أليكس فيرجسون وأرسين فينجر اللذان لم يكنا على وفاق بشكل كامل.
يمكن القول إن المباراة الأخيرة في أولد ترافورد كانت الأكثر عُنفًا على الإطلاق في تاريخ الفريقين، حيث شهدت تسع بطاقات صفراء وواحدة حمراء. كان من الممكن أن يكون الأمر أكثر من ذلك لأن العديد من لاعبي أرسنال، أبرزهم مارتن كيون، تصدى بقوة لرود فان نيستلروي بعد ركلة جزاء متأخرة ارتطمت بالعارضة. لقد كانت مباراة صعبة للفريق اللندني وكان فريق فينجر قريبًا من نيل الهزيمة الأولى طوال الموسم وتضييع الدوري الذهبي هباءً.
بعد مرور أكثر من عام، عادوا مرة أخرى لتجديد العداوة بينهما، وتمديد مسيرتهم التي لم يهزموا فيها، والتقدم أكثر في سباق الدوري. وقبل انطلاق المباراة، كان الفريق اللندني يتفوق بنقطتين على تشيلسي صاحب المركز الثاني، بينما كان فريق مانشستر يونايتد الانتقالي في المركز السادس، خلف بولتون واندرارز وميدلسبره.
جانب من كواليس العداوة التاريخية بين الفريقين
كان قائد الفريق روي كين الغائب الوحيد في صفوف الفريق المضيف، لكن لم يكن هناك نقص فيما يخص أبرز اللاعبين في أي من الجانبين. كانت هناك بعض الأخطاء الملحوظة في المراحل الأولى أيضًا. اصطدم أشلي كول بكريستيانو رونالدو في غضون دقيقة وحدثت الشرارة الأولى. قام غاري نيفيل بعرقلة خلفية لخوسيه أنطونيو رييس عندما تخطاه وأمسك فان نيستلروي برقبة كول أثناء كرة هوائية مُشتركة. اشتعلت الأجواء مرة أخرى.
على الرغم من بعض المحاولات الفجة لقطع إيقاعه عن طريق العنف، كان أرسنال مسيطرًا وخلق أفضل الفرص بعد أن تخطى مرحلة الخوف عندما كاد خطأ فييرا أن يُكلف فريقه هدفًا بعد تسديدة وأين روني. خرج روي كارول مرتين ليزود عن مرماه ببسالة ويحرم دينيس بيركامب وتيري هنري من هز الشباك.
كانت القرارات التي اتخذها الحكم مايك رايلي في قلب بعض اللحظات حاسمة في سير المباراة. في الشوط الأول، اختار عدم معاقبة ريو فرديناند لارتكابه خطأ عنيفًا على فريدي ليونجبرج، الذي تم إبعاده عن الكرة أثناء انفراده بالمرمى. ثم في لحظة خاطفة جاءت نقطة تحول أكثر أهمية. تم منح ركلة جزاء مثيرة للجدل للشياطين الحمر عندما سقط واين روني في منطقة الجزاء تحت ضغط من سول كامبل، تاركًا المهاجم الذهبي للفريق في فرصة سانحة لهز الشباك.
لم تظهر الإعادة أي احتكاك حيث تمدد روني على ساقه الممدودة. تقدم المهاجم الهولندي رود فان نيستلروي لتسديد الكرة، واستغلال الفرصة للانتقام عندما أضاع ركلة جزاء أيضًا أمام أرسنال أيضًا في العام السابق. لم يرتكب أي خطأ هذه المرة، حيث أرسل ينس ليمان إلى الجهة الخاطئة ليجعل النتيجة 1-0 قبل 17 دقيقة من النهاية. وضغط آرسنال من أجل التعادل لكن تم الإجهاز عليه في الأنفاس الأخيرة من المباراة، ونجح الجولدن بوي واين روني في هز الشباك من مسافة قريبة ليحكم عليهم بالهزيمة.
عندما تم إطلاق صافرة النهاية في مواجهة عاصفة – كلاسيكية من الأحداث والمكائد بدلاً من الجودة الفنية على المستطيل الأخضر – كانت الدراما قد بدأت للتو. على أرض الملعب، حاصر لاعبو أرسنال الحكم ومُساعديه للتهاون في بعض الأخطاء العنيفة التي ارتكبت ضدهم والتي ساهمت في النهاية في سقوطهم، ولاحتسابه ركلة جزاء مثيرة للجدل. في النفق المؤدي إلى غُرف الملابس، ألقى سيسك فابريجاس بيتزا بشكل سيء على فيرغسون وبعدها اندلعت معركة بين الفريقين والتي أطلق عليها فيما بعد معركة البوفيه.
النجاح أعمى أرسين فينجر عن عيوب أرسنال الحقيقية والنتيجة هي الهبوط إلى الهاوية!
أرسنال لم يتعافى من الهزيمة. على الرغم من أنهم كانوا من المؤسف أن يخسروا، فقد وقع ضرر لما هو أبعد من ذلك. لقد فازوا بواحدة فقط من مبارياتهم الخمس التالية في الدوري، بما في ذلك خسارة أخرى واستسلامهم لفقدان الصدارة في تلك المرحلة. لم يتمكن آرسنال من استعادة تاجه الذهبي، حيث أنهى الدوري ثانيًا خلف تشيلسي بـ 12 نقطة تحت قيادة جوزيه مورينيو، الذي أعطى الأولوية للكفاءة على الإثارة والمُتعة الكروية لتحقيق نجاح باهر.
كانت كرة القدم النخبة تتجه في اتجاه مختلف وأكثر واقعية ولم يلتزم أرسين فينجر بالتحذير. أصبح مهوسًا بالمثالية، وأصبح أكثر تعلقًا برؤيته وتمسكًا بأفكاره. سيترك النجوم والشخصيات القوية في غرف الملابس الفريق ولن يتم استبدالهم بشكل مناسب. أصبح فريقه بعد ذلك أكثر هدوءً ولكن أقل قوة. يُعاب على أرسنال أنهم ضعفاء عقليًا ومن السهل تشتتيتهم بالصراعات والمشادات، وهو ما ألقى بظلاله على الفريق حتى وقت كتابة تلك السطور، حيث لم ينجح الفريق في الفوز بأي لقب دوري بعد ذلك الحين.
ساهم الضغط الناتج عن الانتقال إلى ملعب جديد في فترة السُبات العميق هذه. أدى الافتقار إلى الاستثمار في اللاعبين إلى تراجع آرسنال في الوقت الذي مكّن فيه تدفق الثروة المالية لتشيلسي، ومن ثمّ مانشستر سيتي، من تجاوزهم للفريق اللندني. لقد ترك فينجر زمام الأمور منذ سنوات، لكن الوضع لا يزال كما هو. يُعاب عليه تذمته واتخاذه لبعض القرارات المثيرة للجدل في آخر خطوات مشواره، والبعض يُبرر له ويعتبره كضحية للظروف والواقع الاقتصادي الوحشي إلى حد كبير الذي عصف بالفريق، ولكن الخاسر الأكبر في تلك المعادلة في النهاية هم الجماهير لا محالة، التي كانت آخر لحظاتهم المضيئة على منصات التتويج منذ أعوام طويلة.