رغم أنّ التاريخ الكندي يتّسم بالهدوء النسبي، فهو لا يزخر بالكثير من القصص الغامضة والمثيرة للانتباه على النقيض من جاره الأمريكي، إلّا أنّ قصّة كندية تعود أحداثها لقرن مضى من الزمان قادرة على إيقاد الإثارة في قلب قارئها إلى يومنا هذا، إنّها قصة الاختفاء الأشهر في التاريخ الكندي؛ قصة اختفاء المليونير العصامي آمبروز سمول، والتي أحدثت حين وقوعها عام 1919 ضجّة في الأوساط الكندية والأمريكية، واستدعت حتى الاستعانة بكاتب قصص الألغاز المشهور السير آرثر كونان دويل (مؤلف شخصية شارلوك هولمز). في مقالنا لليوم سنروي تفاصيل حادث اختفاء آمبروز سمول الغامض، ومجريات التحقيقات في القضية على مرّ السنوات اللاحقة.
المليونير العصامي: آمبروز سمول
ولد آمبروز جوزيف سمول في أونتاريو الكندية، لوالدين يملكان نزلاً صغيراً، وعرف عنه منذ سنوات شبابه الأولى الولع بالمسارح وفنّ التمثيل، ولذا فقد بدأ منذ طفولته بالعمل فيها، وبدأ يستثمر أمواله فيها شيئاً فشيئاً، حتى أصبح في عام 1919 أكبر مالك للمسارح في كندا.
صفقة العمر، والتقاعد المبكر
دخل آمبروز سمول عام 1919 في محادثات مع شركة “Trans-Canada Theatres Limited”؛ والتي كانت إحدى أكبر الشركات العاملة في مجال المسارح الكندية، ومقرّها مونتريال، الغاية منها بيع كامل ممتلكاته المتعلّقة بالمسارح للشركة. بدأت المحاثات في شهر سبتمبر من عام 1919، وتوصّل الطرفان إلى اتفاق نهائي يقضي ببيع سمول لكافة ممتلكاته مقابل 1.6 مليون دولار. كان من المفترض التوقيع على عقد الاتفاق في الخامس عشر من ديسمبر من العام ذاته، قبل أن يصرّ سمول على جعل الموعد قبل 15 يوماً من الموعد الأصلي، أي في اليوم الأول من شهر ديسمبر، ليتمّ الأمر في النهاية كما أراد آمبروز تقريباً، حيث تمّ توقيع الاتفاق النهائي صباح يوم الثاني من ديسمبر من ذلك العام، والذي صادف ليلة اختفاء سمول.
اختفاء آمبروز سمول
كان محامي آمبروز سمول؛ المحامي أف.فلوك هو آخر من رأى سمول بشكل رسمي، حيث كان في اجتماع مع سمول في مكتبه، انتهى الاجتماع وخرج فلوك من المكتب في الخامسة والنصف من مساء ذلك اليوم. لم يكن الاجتماع –وفقاً لفلوك- يحوي أي أحداث غريبة، بل كان اجتماعاً عادياً بينهما لمناقشة الصفقة التي عقدها. ادّعى بائع الصحف في الدكان المجاور لمكتب سمول أنّه رآه بعد ذلك الوقت، وزعم أنّ جدالاً دار بينهما بخصوص تأخر البائع في استلام الصحف اليومية، ولكنّ الشرطة لم تعر كلامه انتباهاً في التحقيق، معتبرة إيّاه مجرّد رجل باحث عن الشهرة.
كانت المشكلة الأساسية في اختفاء آمبروز سمول أنّ الحادثة لم يتمّ تبليغ الشرطة عنها سوى بعد مضيّ شهر كامل على الحادثة، والسبب في ذلك وفقاً لزوجة سمول؛ تيريزا سمول، هو أن زوجها “كان قد اعتاد على الاختفاء لفترات طويلة في بعض الأحيان، فقد عرف عنه ولعه بالقمار، بالإضافة إلى أنّه كان زيراً للنساء”. هذا التأخر في تبيلغ الشرطة تسبب في تعقيد عملية البحث بشكل كبير.
طريق مسدود يواجه التحقيقات
لم تتمكن شرطة أونتاريو من تحديد سبب اختفاء آمبروز سمول، أو حتى إيجاد جثّته، ليتمّ إعلان وفاة رجل الأعمال رسمياً من قبل السلطات في أونتاريو عام 1924، ويغلق التحقيق بشكل نهائي عام 1960.
صادف اختفاء آمبروز سمول، وعمليات التحقيق الحثيثة للبحث عنه زيارة السير آرثر كونان دويل إلى نيويورك، فلم تتوانى الشرطة في أونتاريو حينها عن طلب مشورته في حلّ القضية، لكنّ الأخير رفض بشكل مؤدّب الاشتراك فيها.
بطلب من النيابة في أونتاريو، تمّ فتح التحقيق مجددا عام 1936، حيث تمّت إعادة استجواب الشهود، والبحث في بيانات القضية مرة أخرى، ليتوصل التحقيق في النهاية إلى اعتبار اختفاء آمبروز سمول ناتجاً عن عملية قتل مدبرة كانت زوجة سمول “المحرّك الأساسي فيها”. للأسف لم يتح للزوجة تيريزا الدفاع عن نفسها، وذلك بسبب وفاتها قبل إعادة فتح التحقيق بعام واحد، بعد أن تركت كامل أملاكها وقفاً للكنيسة الكاثوليكية.