وصلت سفن الفايكنج للمرة الأولى إلى سواحل جرينلاند في عام 980، وسرعان ما أعجبوا بمراعيها الخضراء الشاسعة، فأطلقوا عليها اللقب الذي لا زالت تحمله إلى اليوم؛ جرينلاند. أقام الفايكينجز في هذه الجزيرة الواسعة التي يغطي الجليد أكثر من 80% من أراضيها قرابة 450 عاماً، وشيّدوا فيها منازلهم وكنائسهم، لكنّهم في لحظة معينة من الزمن وفي غضون عامين، اختفوا بشكل كامل من الجزيرة، رغم أنّ عددهم بالأساس كان يفوق 2000 مستوطن. شكّل هذا الموضوع منذ القديم لغزاً حيّر علماء الآثار، وجعلهم يتهافتون على تقديم النظريات التي تسعى لتفسير هذا الغياب المفاجئ. في مقالنا لليوم سنستعرض أبرز النظريات التي تفسّر اختفاء سكان جرينلاند من الفايكينج وفقاً لعلماء التاريخ.
النظرية القديمة: التغيّر المناخي
ضرب الأرض في الفترة الواقعة ما بين العام 1300 وعام 1850 ما يعرف اليوم بالعصر الجليدي المصغّر، حيث انخفضت درجات الحرارة بشكل كبير، ما صعّب على البشر القاطنين في المناطق الشمالية تحديداً من الكرة الأرضية القيام بمهامهم اليومية التي تعينهم على النجاة والاستمرار، ودفع بالكثير منهم للهجرة صوب الجنوب حيث الجوّ الأدفأ والأرض الأخصب. اعتبر العلماء لفترة طويلة أنّ هذا العصر الجليدي المصغّر صعّب على الفايكينج في جرينلاند الحياة بشكل كبير، وشكل عائقاً أمام معارفهم الزراعية المحدودة بالأساس، الأمر الذي دفعهم للهجرة من جرينلاند والعودة إلى آيسلندا وأوروبا عموماً.
النظرية الحديثة: الجفاف كان سبب كل شيء
أعاد العلماء تقييم النظرية السابقة، فوجدوا فيها عدّة ثغرات، أولاها وأهمّها أنّ العينة التي تمّت دراستها من التربة، والتي ساعدت العلماء على معرفة مقدار التغير في في الحرارة الذي أصاب المنقطة، تم أخذها من منطقة تقع 800 كيلومتراً نحو الشمال من المستوطنة الأساسية للفايكينج في غرينلاند، كما أنّها تزيد عليها بالارتفاع قرابة 2500 قدماً!
اعتمد العلماء في نظريتهم الجديدة على عينات حديثة أخذت من موقع المستوطنة الخاصة بـ الفايكينج، فوجدوا أنّ الحرارة لم تنخفض بالفعل إلى حدّ جعل زراعة المحاصيل التي اعتمد عليها الفايكينجز أمراً مستحيلاً، بل إنّ المشكلة الأساسية كانت تتمثل في الجفاف الذي ضرب المنطقة في تلك الفترة، والذي سبب مشاكل جدية في زراعة المحاصيل القابلة للتخزين خلال فصل الشتاء، الأمر الذي أضرّ كثيراً بالمستوطنين ودفعهم للرحيل عن جرينلاند للأبد.
عوامل أخرى ساعدت في ترك الفايكينجز لجرينلاند
في الواقع لم يكن الجفاف وحده هو المسؤول عن ترك الفايكينج لأراضيهم في جرينلاند، بل إنّ عدداً من العوامل الأخرى تعاضد معها، إحداها نقص قيمة البضائع التي كان يملكها الفايكينجز للتجارة مع بلادهم الأمّ في آيسلندا، إذ كان سكان جرينلاند يحملون معهم العاج الذي كانوا يحصلون عليه من أنياب الفظّ ليقايدوه بالطعام المجفف الذي استعانوا به على برد الشتاء القارص في جرينلاند، ولكنّ انتشار تجارة العاج المستخرج من أنياب الفيلة في إفريقيا أضرّ بتجارتهم هذه بشكل كبير.
عامل من العوامل الأخرى الهامة التي أثرت على حياة الفايكينج في جرينلاند كان الطاعون الدبلي، والذي ضرب آيسلندا ما بين العامين 1402 و1404، وتسبب في وفاة أكثر من نصف سكانها، الأمر الذي أوجد فرصة ممتازة لسكان جرينلاند للعودة إلى أرضهم الأمّ، والاستقرار فيها بعد موجة الجفاف القاسية التي أصابتهم في مستوطناتهم.