فيلم The Outfit: ما بين المافيا والأزياء

يمكنني القول بأن فيلم The Outfit يعيد إلينا بعض من “روح السينما الأمريكية” التي افتقدتها في السنوات الأخيرة، فهو واحد من الأفلام التي تدور أحداثه بالكامل في مكان واحد على غرار 12 Angry Men و The Hateful 8، وهي أفلام لا ننتظر منها سوى وجبة درامية دسمة، وشخصيات معقدة تشبع تطلعاتنا نحو السينما “الكلاسيكية”. The Outfit هو مخرجك للعودة بالزمن إلى وقت كانت السينما فيه قوية معافاة، تقدم فن حقيقي، فهيا بنا لنناقش تفاصيل الفيلم (بلا حرق)

ما علاقة الأزياء بالمافيا؟ عبقرية السيناريو هي أولى نقاط الجذب

يعُرف رجال المافيا باهتمامهم بأزياءهم، وتعيينهم لخياطين متخصصين على أعلى مستوى لتفصيل بدلاتهم الفخمة، كذلك كان الوضع في شيكاغو في الخمسينات حيث تدور أحداث فيلمنا، ويكون بطلها ذلك الخياط العجوز (Leonard) ويلعب دوره Mark Rylance، ورجال المافيا المختلفين، حيث يقوم بمساعدتهم ليكونوا في أفضل مظهر لهم دومًا، ويثقون فيه لدرجة أنهم يضعون صندوقًا أسود اللون (والمعنى) في غرفة متجره الخلفية يتبادلون فيها المراسلات فيما بينهم.

هو رجل إنجليزي جاء لشيكاغو ليعيش في سلام، ويكسب المال عن طريق مهنته البعيدة كل البعد عن العنف، بالتالي هو يحتاج لحمايتهم، ولا يمتلك أسبابًا ليخونهم أو يضع نفسه في ورطة، خصوصًا مع وجود الفتاة Mable والتي تلعب دورها Zoey Deutch كعاملة استقبال بالمتجر، يعاملها مثل بنته التي فقدها سابقًا، ويخاف عليها كثيرًا.

كل الأمور مهيئة ليكون ذلك المتجر وذلك الرجل ملاذًا أمنًا لرجال المافيا، ولكن هل فكر أحدهم في رأيي ذلك الرجل المسكين حول استغلاله في تسيير أمور إجرامية؟

سرعان ما تتخذ الأمور منحنىً سيء، ويجبر رجال المافيا على الضلوع في أعمال عنف على أرض ذلك المتجر التي كانت أرض سلمية، ويعرض من خلالها الفيلم حياة الإجرام من وجهة نظر خياط لا حول له ولا قوة. مقدمة الفيلم قوية لأنها تجعلك تهتم كثيرًا لأمر البطل، وتألفه لدرجة تجعلك تشعر بخوفه من خلال نظرات عينه فقط، ثم تشعر بأنه يخفي أشياءًا كثيرة تتكشف مع مرور الوقت (لحسن الحظ).

الحوار ثم الحوار: كيف تصنع فيلم مافيا ناجح ببضع حوارات ؟

هناك العديد من الأفلام التي أخرج منها وأنا أعتقد بأن حواراتها مكتوبة بشكل ممتاز، ولكن هناك أفلام أخرى معدودة أشعر معها بأن كل كلمة تقال هي كلمات ذات أهمية، وبأن كل شيء مرتبطًا ببعضه. سيناريو الفيلم يتم تقديمه في هيئة لغز يجعلك تتساءل عن الحل طوال الأحداث، يذكرني الأمر بلعبة Clue المعروفة، والتي تجعلك تدرس كل شخصية من خلال تصرفاتها وكلامها التي تنطق به، وذلك الذي لا تنطق به وإنما يعتلي محياها.

تتبع الشخصيات واحدةً تلو الأخرى، والشك في الجميع ومطاردة كلماتهم القليلة بحثًا عن أدلة جعلني أشعر بأن فيلم The Outfit يدفعنا للتفاعل معه، وأن نتخلى عن مركز المشاهد السلبي الذي جاء فقط ليستمتع، آملًا في أن يدفعنا نحو التفكير معه في حل اللغز المحير.

حوارات الفيلم كات شيقة لدرجة أن مدة الفيلم ستمر عليك وكأنها نصف ساعة من الزمن، على الرغم من احتواء الفيلم على لحظات هادئة ذات بناء درامي متوتر.

الاداءات التمثيلية: السهل الممتنع، والمعتاد من Mark Rylance

في الحقيقة لا أمتلك الكثير لأقوله حول الأداءات التمثيلية سوى أنها مقنعة بشكل لا يصدق، خصوصًا أداء Mar Rylance الذي ذكرني كثيرًا بأداءه في فيلم Bridge of spies، والذي يتمتع بالبساطة والعمق في الوقت نفسه. بساطه الإلقاء، وعظمة وعمق الأداء. تعبيرات وجهه دائمًا ماكانت تعكس مشاعره، وكلامه يجعلك تفكر فيما يقصد فعلًا، بعيدًا عما يحاول إظهاره.

في بعض مشاهد الفيلم يصمت Leonard، وتظهر على وجهه علامات الاضطراب والخوف معًا، ثم يقول شيئًا ليعكس هذا الشعور بشكل كامل، فتتساءل أنت (كمشاهد) هل يحاول إخفاء شيئًا عن المافيا أم عننا كمشاهدين؟

عشت مع Mark Rylance لحظات لا تنسى في هذا الفيلم وكانت نتيجة تلك الرحلة على قدر التطلعات، كما أن الأداءات التمثيلية الأخرى كانت مقنعة للغاية أيضًا، وبما أن عدد الشخصيات كان معدودًا، فقد سمح الوقت (ساعة و 40 دقيقة تقريبًا) للشخصيات بأن تلمع.

يقول (بويل) ويلعب دوره Simon Russell Beale زعيم المافيا الأيرلندية في الفيلم بأنه يرى الخياط ورجل المافيا وجهان لعملة واحدة، كلاهما يمتلك أدواته (يشير وقتها إلى سلاحه ومقص الخياط) وكلاهما يكون عليه الإلقاء ببعض “الخردة” التي لم تعد ذات منفعة للوصول للمنتج النهائي. يرفض بويل نعته بالهدام، وإنما يرى بأنه هو الآخر صاحب حرفه، أن رجال المافيا -أو على الأقل رجاله- هم منا بناة الحضارة، فقط لأنهم يصنعون مجتمعًا متجانسًا يلتزم بقواعد وقوانين.

أثارت هذه التشبيهات اهتمامي نحو قصة الفيلم أكثر لما فيها من اجتهاد لتبرير الفظائع التي ترتكبها تلك العصابات، فقط لأنهم يحاولون إقناع أنفسهم بأن ذلك للصالح العالم، أو لصالح “العائلة” هناك ما لم أنتبه له شخصيًا من قبل -وأنا متاكد أن الكثيرين معي في ذلك- بأن تلك القوانين التي تتعامل بها المافيا مهما كانت صارمة تصبح هشة مع الوقت، لأنها تعتمد على لعب الجميع حسب قواعد اللعبة نفسها، لكن ماذا لو رفض أحدهم ذلك؟ كذلك هو الانتماء لأي جماعة.

أعتبر هذه النظرة الفلسفية خير ختام للمقال الذي يجب أن ينتهي أيضًا بترشيح ذلك الفيلم لكل محبي السينما والأداءآت التمثيلية القوية، وأفلام المافيا.

ترشيحات أفلام أخرى:

Exit mobile version