يعتبر البعوض الكائن الحي الأكثر فتكاً بالإنسان، فبغض النظر عن أثره المزعج المتعلّق بالحكة التي تلي لسعاته، ينقل البعوض العديد من الأمراض الخطيرة كالملاريا، فيروس زيكا، فيروس غرب النيل، وأمراض كثيرة أخرى، حيث تخزّن هذه الحشرات البغيضة غالباً الفيروسات والجراثيم في لعابها فتكون وسيط نقل مباشر إلى الإنسان عند لسعه. لا بدّ أنّ فكرة القضاء على كل البعوض قد خطرت لنا مراراً من قبل، لكن ماذا سيقول العلم في ذلك؟ هل من الممكن فعلاً القضاء على كلّ البعوض، وماذا سيحدث إذا ما فعلنا ذلك؟ هذا ما سنجيب عليه في مقالنا لليوم.
لنقتل كلّ البعوض الموجود في الأرض علينا أن نعرف عدده أولاً
ينتشر البعوض بشكل هائل في معظم أنحاء الكوكب، يكفينا أن نعلم أن عدد البعوض يفوق 7 تريليون بعوضة في ألاسكا وحدها! أصبحت مناطق كألاسكا وأشباهها (وهي مناطق شديدة البرودة بحكم قربها من القطب الشمالي للأرض) موطناً لأعداد هائلة من البعوض، وذلك بعد التغيرات المناخية الهائلة التي طرأت على مناخ كوكبنا في العقود الأخيرة. بالتالي فنحن نتحدث عن أعداد هائلة من البعوض يجب التعامل معها في كامل أنحاء العالم، أعداد تصل إلى مرتبة مئات التريليونات! حتى نقرّب لكم الأرقام قليلاً، عدد سكان الأرض كاملاً لم يصل بعد إلى حاجز 8 مليار نسمة.
ما الذي سيحدث إذا ما قتلنا كل البعوض في العالم؟
لنقدّم لكم الإجابة المختصرة، لن يحدث شيء! ستكون التأثيرات الناجمة عن قتل كل البعوض إيجابية أكثر من أن تكون سلبية، إذ سنتخلص من العامل المساهم في وفاة أكثر من مليون إنسان سنوياً، كما سنكون قادرين على الخروج في رحلات إلى الطبيعة دون أن نخشى من إزعاج هذه الحشرات الصغيرة.
ولكن، ألا يملك البعوض أيّ تاثير مفيد يجعل من قتله سبباً في اختلال النظام البيئي؟ يسهم البعوض بشكل بسيط في تلقيح النباتات، لكنّ أثره في هذه العملية قابل للإهمال وفقاً للعلماء. أمّا من ناحية اختلال السلاسل الغذائية الطبيعية في حال إبادة كل البعوض، فالبعوض أساساً يدخل في السلسلة الغذائية لعدد من الحيوانات كالوطاويط والطيور والضفادع، لكنّ حذفه من نظامهم الغذائي لن يكون له أثر كبير، كون هذه الحيوانات سابقة الذكر لا تعتمد بشكل كليّ على البعوض في نظامها الغذائي، بل تمتلك فيه العديد من البدائل الأخرى التي ستكون قادرة على تعويض هذا الكائن الضئيل.
في الواقع، الأثر الإيجابي الأكبر للبعوض هو أنّه يحمي غابات الأمازون! في الواقع، الأعداد الهائلة من البعوض المتواجدة في غابات الأمازون، والناقلة للعديد من الأمراض، أبطأت بشكل كبير من عملية قطع الأشجار في محيط الغابة الأكبر في العالم، وأعاقت عمليات قطع الأشجار المستمرّة فيه منذ عشرات السنوات.
كيف من الممكن أن نتخلّص من كل البعوض في العالم؟
هناك عدّة خيارات ستتبادر إلى ذهننا بخصوص هذا الموضوع، الخيارالأول هو استخدام مفترس طبيعي للبعوض ليحلّ لنا هذه المشكلة العويصة، فالوطاويط على سبيل المثال قادرة على التغذي على أكثر من 600 بعوضة في اليوم، ولكنّ أعداد البعوض الهائلة التي ذكرناها سابقاً تجعل من هذه الفكرة مستحيلة التطبيق، بل وتترك مشكلة أكبر من التي تحلّها في حال نجح تطبيقها -افتراضياً-، ألا وهو أعداد الوطاويط الهائلة التي سنواجهها.
الحل الوحيد القابل للتطبيق فعلياً هو إنتاج ذكور معدّلة جينياً من البعوض، تتصّف بأنّها لا تلسع الإنسان، وتنتج سلالات من البعوض العقيم، الأمر الذي قد يحل المشكلة بشكل جذري بعد عدد من العقود.