أوشكت أيام الملل على الانتهاء يا صديقي حيث الفراغ القاتل الممزوج بحرارة الصيف الملتهبة ومباريات الإيجيبشن ليج التي تفتقر إلى أساسيات كرة القدم وبطولة كوبا ليبرتادوريس التي تُلعب ونحن غارقون في النوم والوديات التحضيرية التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ستعود ليالي السبت والأحد الممتازة من جديد وسنجتمع جميعًا أمام الشاشات مُجددًا لمشاهدة الدوري الإنجليزي الممتاز الأفضل والأقوى في العالم والأكثر إمتاعًا لجماهيره وعشاقه.
البداية ستكون غدًا حيث المقبلات الخفيفة ومباراة كريستال بالاس وأرسنال الافتتاحية من أجل تهيئة عقل المشجع لما هو مُقبل عليه من عظمة كروية ستمتد حتى مايو من العام المقبل. خُلق الإنسان عجولًا بطبيعته تقوده غريزة الفضول وتسمح له بالبحث في مواضيع كثيرة والتكهن بشأن ما هو في عِلم الغيب وهذا بالتأكيد ينطبق على قطاع كبير من مُشجعي كرة القدم الذين لو كان القرار بيدهم، لتخطوا كامل الموسم وقفزوا إلى النهاية أملًا في مُعرفة من هو بطل الرواية الأخيرة في أي بطولة أو مُنافسة.
نفس التفكير قد يُراود حتى بيب جوارديولا أو يورجن كلوب اللذان قد يرغبان في لحظة يأس في منتصف الدوري الإنجليزي بمعرفة من هو البُطل المُتوّج في النهاية لتوفير عناء اللاعبين والتركيز على دوري الأبطال. كذب المُنجمون ولو صدقوا، أنا لست هنا لأخبرك اليوم بتوقعات بطل الدوري الإنجليزي ومن قد يحسم مقاعد الأبطال ومن هم مُتشحي السواد الهابطون إلى الدرجة الأولى.
كرة القدم هي علم بالتأكيد، يضم عديد الفروع ويُثري دارسه ولا يخضع لأي عوامل تتعلق بالتنجيم أو التوقع أو النجاح العشوائي المُعتمد كُليًا على التوفيق، قد يظهر الحظ في بعض اللحظات ولكنه بالتأكيد ليس وليد الصدفة بل يأتي كمكافأة إلهية على العمل الجاد والمُثابرة داخل الملعب. لا يستوي أصحاب التخطيط الرياضي المدروس بمُعتنقي مذهب رضا عبد العال الفكري!
من المدربين إلى لاعبي الدوري الإنجليزي: اجمعوا ما تستطيعوا من النقاط
الفوز ببطولة دوري بدون روت لا يحتاج لمعجزة إلهية ولا فريق بحثي مُتخصص أو تدخل من قوات حفظ السلام، فقط اجمع أكبر قدر ممكن من النقاط وستكون سعيد الحظ الذي يبتسم أخيرًا! قد تتناسى العديد من الأندية ذلك المبدأ وتُضحّي به إيمانًا بضرورة تقديم الكرة الجميلة أولًا قبل كل شيء أو حتى نتيجة لاتخاذ بعض القرارات المحورية التي تُغير من مسار الفريق في الموسم (أنا لا أتحدث عنك يا بيب في دوري الأبطال).
قد يبدو مانشستر سيتي وليفربول مُرشحين فوق العادة دائمًا للوصول للأمتار الأخيرة من سباق المنافسة ولكن قد يتسلل تشيلسي وأرسنال من ورائهما شيئًا فشيئًا وفجأة قد يقتحمان منصة التتويج، هالاند وصلاح لن ينفعاك في ليلة باردة في ملعب الفيلا بارك إذا قررت أن تُهاجم بكل خطوطك أمام خصم مُنتشي بجماهيره وميدانه.
ليالي مثل هذه قد تحسمها فرق ليست مُرشحة من الأساس في الوصول للمربع الذهبي حتى وأندية صغيرة قد تُغير وجهة الدوري من مانشستر إلى لندن أو حتى إلى ليفربول وتحديدًا النصف الأزرق من المدينة لما لا!؟
أرى أن جمع أكبر عدد ممكن من النقاط من مواجهات فرق منتصف جدول الدوري الإنجليزي هو العامل الحاسم في تحديد مسار اللقب لأي فريق من الستة الكِبار، لا ننسى جميعًا سقوط الليفر بسُباعية أمام أستون فيلا والسيتي بنصف دستة أهداف من جيمي فاردي ورفاقه، محطات كانت كفيلة بتعطيل ضحاياها وتكليفهم اللقب.
لتذهب الكرة الجميلة إلى الجحيم ومُحبيها إلى السيرك
يتجادل الجميع حول ما إذا كانت الأرض كروية أو مُسطحة، البيضة أو الدجاجة أولًا وعديد المواضيع المثيرة للجدل الأخرى التي تستهلك قدر لا بأس به من البنزين الفكري منذ عشرات السنين، ولكن مُشجعي كرة القدم لديهم مساحتهم الخاصة من النقاش ومعارك الرأي السنوية بشأن الأداء أم البطولات؟ هل تقبل أن يُقدم فريقك “أجلي فوتبول” في سبيل ملامسة منصات التتويج أم أنك عاطفي وحماسي ولا مانع لديك بشأن فوز فريقك بمليون هدف مقابل مليون إلا هدف ولا ضير في خسارة اللقب طالما حضرت المتعة؟
ربما لا توجد إجابة قاطعة وحاسمة في ذلك الصدد ولكن إذا خضنا رحلة بداخل عقول مُدربي الدوري الإنجليزي فربما نكتشف العديد من وجهات النظر المثيرة. لا يبدو جوارديولا وكلوب من حزب الكرة الرتيبة وقد يؤيدهم في ذلك ميكيل أرتيتا وتوماس توخيل، ولكن على النقيض يؤمن أنتونيو كونتي وفريق توتنهام بمبدأ الدفاع أفضل وسيلة للهجوم، ناهيك عن إريك تين هاغ الوافد من بلاد كرويف صاحب فلسفة التيكي تاكا الشهيرة، الذي سيصطدم بديفيد مويز مُدرب ويستهام الذي لا يعشق شيء أكثر من التقهقر في الخلف وشنّ غارات هجومية على استحياء.
“اللي بيشيل قِربة مخرومة بتخر على دماغه” – مَثَل مصري رائع يُجسد حرب الحزبين باقتدار، على كل فريق أن يتحمل عواقب أسلوب لعبه ويجب على كل مُدرب فعل ما يتطلب الأمر للتتويج بالدوري وعدم التمسك بأي مبادئ أو فلسفة. ندم جوارديولا كثيرًا على عدم إظهار “الشخصية التدريبية السيميونية” في بعض الأحيان عندما احتاج فريقه لذلك، وما زال شون دايش يبكي على أطلال هبوط بيرنلي لدوري الدرجة الأولى نتيجة لتفضيله البقاء تحت رحمة الخصم والكرة فضلًا عن الهجوم ومحاولة هز الشباك.
الأموال لن تجلب المجد
لا يخفى على أصغر مشجع لكرة القدم أن الأموال جزء لا يتجزأ من المنظومة، بدونها لن تدفع رواتب اللاعب والمُدربين ولن تستقطب أبرز الصفقات كل موسم ولن تكون قادرًا على مواكبة التدفق المالي للمنافسين. ولكن مهلًا! كرة القدم الحقيقية في النهاية ليست “كارير مود”، لا يُمكن لأي رئيس نادي أن يستيقظ صباحًا ويُقرر فجأة التسوق وضم أفضل لاعبي العالم وانتظار حصد جميع البطولات الممكنة في نهاية الموسم، لو كان الأمر بالأموال لأصبحت الأندية الخليجية الأقوى على الإطلاق ولربما غازل جميع مشجعي كرة القدم إيلون ماسك أملًا في إقناعه بالاستثمار في ناديهم المُفضل!
السيولة المالية هي عامل مهم بالتأكيد هذه الأيام لأي نادي ولكنها ليست كل شيء، أوجه إنفاق هذه الأموال بالتحديد وكيفية تنفيذ ذلك هي عامل النجاح الحقيقي لأي فريق يطمح في المنافسة بجدية على لقب الدوري الإنجليزي، كالعادة أنفقت أندية القمة مئات الملايين وجلبت أبرز اللاعبين في كل المراكز، هالاند وكوليبالي ونونيز والقائمة تطول وما زالت نافذة الانتقالات قائمة حتى نهاية الشهر الحالي مما يعني أننا بصدد أيام أخرى مجنونة من الميركاتو.
لا تنجرف مع موجة ترشيح السيتي أو ليفربول للتتويج باللقب بناء على مقدار صرفهم في سوق الانتقالات ولا تقف لهم بالمرصاد إن حدث ذلك بالفعل في النهاية، لأنه لا يُمكن إرجاع سبب التفوق وحصره على الأموال فقط وتجاهل عوامل أخرى مثل الاستقرار الفني والإداري والتخطيط الرياضي المدروس وسيطرة المُدرب على غُرفة الملابس ورغبة اللاعبين وتعطشهم لتحقيق الفوز.
في المقابل كذلك لا يُمكن حصر الفرق المُرشحة للهبوط في خانة الأقل إبرامًا للصفقات لأن الدوري الإنجليزي يعج طوال تاريخه بالأندية الصاعدة التي تفاوتت نسب إنفاقها في الموسم الأول ولم يضمن الأكثر ضخًا للأموال بشراء الصفقات البقاء تحت الأضواء في الكثير من المناسبات والموسم الماضي خير دليل حيث نجح برينتفورد في تقديم عام رائع وكالعادة استقل نورويتش المصعد هبوطًا للشامبيونشيب على أمل أن يعود مجددًا الموسم القادم كما جرت العادة خلال السنوات الأخيرة.
هل لا زلت لم تعرف بطل الدوري بعد؟
لا تنتظر مني الإجابة على ذلك السؤال لأني صدقًا لا أعرف من هو بطل الدوري الإنجليزي وأرى أن الاعتماد على الاحصائيات وتوقعات الكمبيوتر وبرامج المُحاكاة لن يُعطي نتائج تقريبية دقيقة تتكهن بهوية من سيرفع الكأس. انتظر معي حتى نهاية أكتوبر حيث ستكون قد مرت ثمان جولات على الأقل وحينها يُمكنها تكوين انطباع لا بأس به عن الفِرق العشرون ومن ثمّ توقع كيف سيكون شكل جدول الدوري، وقد نُصيب وقد نُخطئ نظرًا لأن هناك العديد من العوامل قد تقلب جميع الأمور رأسًا على عقب وعلى رأسها كأس العالم وكمّ الإرهاق الذي سيقع على عاتق اللاعبين المُشاركين في ذلك المحفل العالمي.
مُتابع الدوري الإنجليزي يختلف عن الآخرين دائمًا، المُشجع الذي كان شاهدًا على هدف أجويرو الشهير الذي حول دفة الدوري للنصف الأزرق من مدينة مانشستر في الدقيقة الأخيرة من المباراة الختامية للموسم، والذي كان حاضرًا كذلك عندما حقق ليستر سيتي المعجزة الأكبر في القرن الحالي واقتنص لقب الدوري الإنجليزي من براثن فم الأسود المنافسين – لا يُمكنه إبداء آراء مُتسرعة وتوقعات خزعبلية حول هوية البطل.
سيناريوهات كهذه تعطينا نظرة عن مدى التنافسية في الدوري الأقوى في العالم، وكم من الصعب توقع بطل الدوري والهابطين والمُتأهلين للمُسابقات الأوروبية، هدف واحد قد يحسم مقعد مؤهل لدوري الأبطال ومباراة باردة في أحد ملاعب فرق المنتصف قد تُغير وجهة اللقب كُليًا وهدف قاتل في الثواني الأخيرة قد يهبط بأحد الفرق أو يضمن بقاءها، لذلك نعشق الدوري الإنجليزي أليس كذلك؟!