كرة القدم رياضة بالتأكيد ولكنها تعترف بالصراعات التاريخية والجغرافية بين عديد الأندية المختلفة. بنفيكا وبورتو، برشلونة وإسبانيول، أياكس وايندهوفن، ليفربول وإيفرتون، أو دورتموند وشالكه هي أمثلة واضحة بالديربيات الساخنة بين العديد من الأندية التي يعود أساسها إلى الكثير من الأسباب المختلفة. ومع ذلك، هناك صراعات وُلدت من لحظة معينة.
أدى توقيع ريال مدريد مع مياتوفيتش إلى وصول العلاقة بين فالنسيا ولوس بلانكوس إلى طريق مسدود. تسببت مأساة هيسل في كراهية مشجعي ليفربول ويوفنتوس لبعضهم البعض. وفي عام 1920، شهدت البرازيل والأرجنتين واحدة من أعظم المواجهات في كرة القدم بسبب مقال عنصري في إحدى صحف بوينس آيرس وصف لاعبي البرازيل بالقرود الصغيرة.
تشترك جميع الحالات المذكورة في قاسم مشترك: التنافس بين المشجعين. هذا هو السبب في أن الحرب الباردة التي تدور رحاها بين برشلونة وباريس سان جيرمان تنتمي إلى فئة أخرى. إنه توتر لا يمكن اكتشافه في الشوارع ولكنه أكثر حيوية من أي وقت مضى في المكاتب. ظل جوزيب ماريا بارتوميو وناصر الخليفي يحملان السيوف عالياً منذ عدة سنوات، دون لفتة تصالحية واحدة. خرج السرطان بارتوميو وأتى لابورتا مجددًا لرئاسة النادي ومع ذلك لم تنتهي المعركة بل زادت حدتها ويُعد ليفاندوفسكي أبرز فصول تلك القصة المثيرة.
الشرارة الأولى
بدأت العداوة مع تياجو سيلفا. بحثًا عن قلب دفاع، أصبح البرازيلي الهدف الرئيسي للمدير الرياضي لبرشلونة آنذاك، أندوني زوبيزاريتا. حاول برشلونة إقناع المدافع بكل طريقة ممكنة، لكن هذا انتهى دائمًا بالإجابة نفسها: أولاً يجب أن يكون هناك اتفاق مع النادي. المهمة المستحيلة.
كان ديفيد لويز هو الاسم التالي على قائمة النادي الكتالوني. كان برشلونة مهتمًا به عندما كان البرازيلي لا يزال يلعب في تشيلسي، ولكن في النهاية كان باريس سان جيرمان هو من نجح في التوقيع معه. ربما كان ذلك مُفيدًا بالنسبة لبرشلونة في النهاية لأن تقاريرهم لم تُوصي بالتعاقد مع لاعب مجنون جدًا – من منظور كرة القدم – للعب في دفاعهم.
من برازيلي إلى آخر، كان ماركينيوس هدفًا لبرشلونة في وقت من الأوقات. لقد كانت خطوة ذكية بالتأكيد لأن المسئولين أدركوا أن قلب الدفاع الشاب كان بديلاً في باريس سان جيرمان ومن السهل إقناعه بالرحيل، ضغط النادي الكتالوني وأراد ماركينيوس الانتقال. لكن نتيجة المؤامرة لم تكن كما هو متوقع: قام النادي الفرنسي بتحسين عقد اللاعب الذي أصبح لاعباً مهماً للنادي بعد ذلك وحجرًا أساسيًا في صفوف الفريق.
قلّص إصرار برشلونة على ضم لاعبي باريس سان جيرمان من تعاطف رئيس النادي الفرنسي الخليفي مع مكالمات برشلونة. إذا كان الكتلان مع تياجو سيلفا دائمًا صادقين وواضحين بشأن رغبتهم في ضمه، فإن الإستراتيجية مع ماركينيوس كانت مختلفة. عمل برشلونة في الظل ليكون لديه المزيد من القوة في مفاوضات لن تحدث أبدًا. ضغط برشلونة، نعم، أجبر الشيخ على وضع يده في جيبه وهو ما أزعج الملياردير القطري كثيرًا.
ماركو فيراتي يُشعل فتيل الحرب بين برشلونة وباريس سان جيرمان
لكن الصراع بين برشلونة وباريس سان جيرمان تم تمييزه بوحشية بمحاولة ماركو فيراتي. كان برشلونة جادًا بضمه ورغب الإيطالي في المقابل في الانضمام إلى العملاق الكتالوني الذي يعُد أفضل على جميع الأصعدة. أعلن فيراتي رغبته للإعلام وطلب من الخليفي شخصيًا تسهيل انتقاله وأنه لم يعد يرغب في البقاء بصفوف النادي الباريسي.
بعد ترك فتات الخبز طوال الصيف لبرشلونة، انتهى الأمر بلاعب خط الوسط بالتجديد والحصول على تحسين جيد في الراتب. كما حدث مع ماركينيوس، أثر اهتمام برشلونة على الخليفي الذي فسر محاولة برشلونة لضم لاعب خط الوسط على أنه إعلان حرب. وكان سلاحه الكبير الذي سيقلب الأمور رأسًا على عقب قاب قوسين أو أدنى من الإطلاق …
ضاق الخليفي ذرعًا من برشلونة، وتآمر على الانتقام لسمعته هو وفريقه على نار هادئة. على عكس ما يعتقده الرومانسيون، كان الخليفي مقتنعًا بأن ماله يمكن أن يشتري كل شيء. بما في ذلك توقيع نيمار الذي بدا معقدًا للغاية في تلك الفترة.
الخليفي يرد الصفعة بالتوقيع مع نيمار أغلى صفقة في التاريخ!
في غضون أيام، دون أن يتوقع أي شخص ذلك، خان الجناح البرازيلي برشلونة ووجه باريس سان جيرمان ضربة كبيرة للنادي الكتالوني لم يشفي جراحه منها حتى يومنا هذا بدفع الشراط الجزائي في عقده والبالغ 222 مليون يورو. أعمى المال أعين أحد أضلاع هجوم الـ MSN الشهير وانتهي به الحال في ملعب حديقة الأمراء إيمانًا منه بأنه سيخرج من عباءة ميسي وسيقود مشروع النادي الباريسي ويومًا ما سيحصل على الكرة الذهبية. تمر السنوات والمواسم وما زال الطرفان لم يُحققا أي شيء سويًا لسخرية القدر.
حتى أن الشبكات الاجتماعية للنادي الباريسي تهكمت على برشلونة من خلال السخرية من العبارة الشهيرة “Se queda” لجيرارد بيكيه. مع اندلاع الحرب بالفعل، دعا برشلونة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إلى تكثيف ضوابط قانون اللعب المالي النظيف على باريس سان جيرمان لأن المنافسة تخطت حدود المستطيل الأخضر والبروتوكولات المُتبعة في التفاوض وعقد الصفقات.
في ذلك الوقت، نظر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في الاتجاه الآخر، على الرغم من أن التسريبات التي انتشرت في ذلك الوقت كان يجب أن تؤدي إلى طرد باريس سان جيرمان من دوري أبطال أوروبا بسبب المبالغة في قيمة عقود الرعاية في موسمي 2013-14 و2014-15، وهي خطوة سهلّت كثيرًا بالمناسبة وصول نيمار ومبابي.
برشلونة لم يستسلم أمام الطوفان المالي للخليفي ورفاقه
كما قال نابليون، فكر بارتوميو: “سأخسر معركة، لكن ليس الحرب”. لقول الحقيقة، بدأ اهتمام برشلونة بأدريان رابيو قبل توقيع نيمار من قبل باريس سان جيرمان، وقد عمل الفريق الكتالوني بجد لإقناع الفرنسي بعدم تجديد عقده الذي كان ينتهي في نهاية الموسم والأمل الكبير للكتالونيين كان يتمثل في صد جميع محاولات PSG لإقناعه بالتجديد وبالفعل نجح في ذلك ولكنى أتى على حساب مشاركته مع الفريق حيث تم تجميده وشاهد معظم مباريات فريقه في موسمه الأخير مع على مقاعد البدلاء أو المُدرجات. ذهب كل ذلك أرجاء الرياح عندما لم يتفق برشلونة ورابيو على بنود التعاقد وذهب الأخير في النهاية إلى يوفنتوس.
وبدون أي هدنة، عاد الخليفي للمعركة في صيف 2018. نشر الشيخ شباكه وحاول الإمساك بإيفان راكيتيتش، مما جعل الكرواتي يشك في نفسه … وكذلك برشلونة. 90 مليون دولار التي كان باريس سان جيرمان على استعداد لوضعها على الطاولة، جعلت مجلس الإدارة يدرس رحيل لاعب يبلغ من العمر 30 عامًا بشكل واضح بالفعل – لقد تكلف مجيئه 20 مليونًا فقط – لكن إرنستو فالفيردي رفض خسارة إحدى قطعه الرئيسية. ثقة المستر في إيفان وسعادته في برشلونة أوقفت العملية. كان المال كافيًا مع نيمار ولكن ليس مع راكيتيتش لحسن الحظ.
ساحة المعركة التالية كان تدور حول: فرينكي دي يونغ. نجح برشلونة في 2019 في اقتناص لاعب أياكس الشاب، تنافس النادي الكتالوني مع مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان في المزايدة على اللاعب. حدد الباريسيون بالفعل العرض الافتتاحي عند 80 مليون يورو، وهو أمر كان صعبًا بالفعل بالنسبة لبرشلونة. أولاً وقبل كل شيء لأسباب نقدية بسيطة، وثانيًا لأنه إذا كان عليهم القيام بمثل هذا الاستثمار الضخم، فإن النادي كان يُساوم في إعطاء الأولوية لوصول دي ليخت في ذلك الوقت.
في النهاية لم يستسلم برشلونة في معركة دي يونج. إريك أبيدال كان واثقًا من أن رغبة اللاعب هي ارتداء قميص برشلونة، ليحذو حذو الأساطير الهولندية مثل كرويف، كومان، نيسكينز، كلويفرت وكوكو، من بين آخرين، نجح برشلونة في التفوق على باريس سان جيرمان في ذلك الفصل من الحرب. بالإضافة إلى ذلك، فإن العلاقة الجيدة بين أياكس وبرشلونة وحقيقة أن مارك أوفرمارس هو المدير الرياضي للنادي الهولندي سمحت للكيان الكاتالوني بالتمتع بنهاية سعيدة للمفاوضات.
تاريخ المواجهات بين الفريقين: ريمونتادا شهيرة ومباريات مثيرة في دوري الأبطال
هدأت حرب المكاتب منذ تلك الصفقة حتى وقتنا هذا. على الرغم من انضمام ليونيل ميسي للفريق الباريسي في بداية الموسم الحالي ألا أن تلك الصفقة في منأى عن باقي أطوار الحرب الباردة لأن ميسي كان لاعب حر في السوق ومن كان ليُفوّت فرصة التعاقد مع أفضل لاعب في التاريخ!؟ ولكن بالنسبة لناصر الخليفي، هذا انتصار شخصي له وللإدارة القطرية التي نجحت في جلب جوهرة برشلونة وبطلها الأزلي لارتداء القميص البترولي.
لم تقتصر العلاقات المتوترة على الإدارات فقط بل امتد الشد والجذب إلى داخل المستطيل الأخضر حيث رأينا العديد من المباريات خلال السنوات القليلة الماضية ستبقى عالقة في مشجعي كرة القدم أجمع إلى الأبد.
التقى الناديان للمرة الأولى بعد تولي الحكومة القطرية لمقاليد النادي في موسم 2013/2014 وتعادلا في دور المجموعات. ثم واصل برشلونة الفوز على أرضه وخارجها في ربع نهائي موسم 2014/15 ليتأهل إلى نصف النهائي ويُتوج باللقب في النهاية.
من سينسى موسم 2016/17 ورد فعل ناصر الخليفي الشهير في مدرجات ملعب الكامب نو عندما حقق برشلونة الريمونتادا الأعظم في تاريخ المسابقة. ميسي ونيمار وسواريز أرهبوا أوناي إيمري ولاعبيه. أذل برشلونة باريس سان جيرمان 6-1 بعد أن كان مُتأخرًا في الذهاب برباعية نظيفة. وكان آخر لقاء بين العملاقين هو الدور 16 في الموسم الماضي، وفاز باريس سان جيرمان 5-2 في مجموع المباراتين وهي نتيجة كانت متوقعة بسبب حالة الترنح التي كان يمر بها الفريق الكتالوني تحت قيادة رونالد كومان.
لا فائز في حرب الاستنزاف بين الفريقين
هذا ما يحدث عندما يترأس شخص لا يفقه شيء في كرة القدم، نادي بحجم باريس سان جيرمان. لقد تخطت العداوة بين برشلونة وباريس سان جيرمان المستطيل الأخضر ووصلت إلى أروقة المكاتب ومواقع التواصل الاجتماعي. لم يكن ليحدث هذا لو لم ينظر ناصر الخليفي بـ دونية وتعالي إلى برشلونة وباقي الفرق الأوروبية العريقة.
لا يُمكن تجاهل أن المال ضلع مهم من أضلاع كرة القدم ولكنه ليس كل شيء! قد يجلب لك أفضل المدربين وأمهر اللاعبين، ولكنه لن يبني لك مشروع، لن يخلق رغبة جامحة للفوز لدى أفراد المنظومة، لن يشتري الجماهير والشعبية، وبالتأكيد لن يُسطّر تاريخًا من ذهب في صفحات تاريخ كرة القدم.
ما حدث مع مبابي يكشف الكثير عن شخصية الخليفي والإدارة القطرية لباريس سان جيرمان، ويُفسر عدم تتويج الفريق العاصمي باللقب الوحيد الذي ينقص خزائنه أو بأي إنجاز يُبرر صرف جميع تلك الأموال الطائلة في كل سوق انتقالات.
برشلونة أو أي فريق أوروبي عريق آخر لن يخسر معركته أبدًا مع النادي الباريسي في ظل الإدارة الحالية. قد يكون الخليفي احتفظ بفيراتي وخطف نيمار وأقنع مبابي بالبقاء مقابل إغوائه بمئات الملايين، ولكنه في المقابل انتقص من قيمة النادي كثيرًا وبنى حاجز نفسي بينه وبين باقي جماهير الكرة. سيجف صنبور الأموال يومًا ما ولن يبقى للنادي الباريسي وإدارته سوى بطولات من ورق بدون أي إنجاز حقيقي يذكره التاريخ.