بالنسبة لمُدرب لم يُخفِ أبدًا رغبته في فرض السيطرة على لاعبيه، ولاعب مشهور محب لذاته، ناجح داخل وخارج المستطيل الأخضر ويتصدر عناوين الصحف يوميًا. كانت علاقة السير أليكس فيرجسون بديفيد بيكهام – أشهر وأفضل لاعب في العالم في بداية الألفية الثانية – عُرضة للتوتر دائمًا.
بحلول الوقت الذي غادر فيه الـ Golden Balls ليُصبح جزءً من فريق الجلاكتيكوس في ريال مدريد في عام 2003، لم يكن مانشستر يونايتد كبيرًا بما يكفي لكليهما.
تم إطلاق هذا اللقب المثير للذكريات من قبل زوجته فيكتوريا في عام 2001. الفتاة الجميلة والجامحة، عضوة فرقة Spice Girls الغنائية الشهيرة، والتي لعبت دورًا كبيرًا لا يُمكن تجاهله في انهيار العلاقة بين السير أليكس فيرجسون وديفيد بيكهام، لكنها لم تكن العامل الوحيد بالتأكيد.
شهرة ومال وحب: هذا ما وجده بيكهام أمامه في بداية مسيرته
كان بيكهام شخصية عامة في ذلك الوقت وليس مجرد لاعب مشهور، نجح في تأسيس علامته التجارية الخاصة وبرز في مجال ريادة الأعمال واستطاع جذب انتباه الصحف والإعلام اللذان كان يتبعانه أينما ارتحل. نمت شعبية بيكهام بشكل كبير في ذلك الوقت وأضافت كل تلك النجاحات وزنًا كبيرًا له داخل غرفة الملابس، وبالتالي أي مدير فني كان سيُكافح للتعامل مع تلك الأمور التي تُغري لاعبه وفرض السيطرة مهما كلفه الأمر.
كان مستوى شهرة بيكهام العالمي في بداياته فريدًا من نوعه في الدوري الإنجليزي. عندما كان يقوم بجولة بمفرده في أي مكان، كان الآلاف يحزمون أمتعتهم لمشاهدته في موكب وهو يقود سيارته في ظاهرة كادت أن تجعله يحل محل الأميرة ديانا كرمز وطني.
على الجانب الآخر، ولد فيرجسون ونشأ في غلاسكو الأسكتلندية حيث كانت كرة القدم هي الهوس الوحيد في المدينة، وكره في المقابل الشهرة الإعلامية وجميع الصيحات العصرية الأخرى في ذلك الوقت.
عندما غاب بيكهام ذات مرة عن التدريب لرعاية طفله الصغير، لم يخجل فيرجسون بمطالبة معرفة سبب عدم وجود أمه للقيام بذلك. تصادف حينها أن فيكتوريا كانت خارج البلاد، ولديها طريق شهرة مفروش بالورود مثله تمامًا، لم يترك السير ذلك الأمر يمر مرور الكرام وقام باستبعاد بيكهام في المباراة التالية ضد ليدز يونايتد على أي حال.
واقعة الحذاء مهدّت الطريق للنهاية
القشة التي قصمت ظهر البعير كانت حادثة الحذاء الشهيرة في فبراير 2003. اتهم فيرجسون بيكهام بارتكاب خطأ في مباراة كأس الاتحاد الإنجليزي ضد أرسنال في ملعب أولد ترافورد وركل حذاءً طائشًا من الغضب الذي انتفض وضرب بيكهام عن طريق الخطأ فوق العين.
لم يتناسى النجم الإنجليزي الواقعة وقرر طي الصفحة بل شن هجومًا ضاريًا عن طريق وكيله الذي سرّب الخير إلى كافة الصحف وصرّح أن هناك جرحًا بالفعل قد تم تقطيبه وأن الحادثة مقصودة. أدرك فيرجسون بعدها أنه لم يعد مسيطرًا بالشكل المطلوب على لاعبه، وكشف لاحقًا: “أخبرت مجلس الإدارة أن ديفيد يجب أن يرحل فورًا”.
لقد كان تلك الحادثة تتويجًا للعديد من المناوشات التي كانت تتعلق بفرض السلطة والهيمنة. نشأ بيكهام كمشجع لليونايتد في شرق لندن كما كان جزءًا من أكاديمية يونايتد منذ سن 11 عامًا إلى جانب جاري نيفيل وبول سكولز ونيكي بات – الذين أصبحوا فيما بعد معروفين بشكل جماعي باسم فريق 92 الشهير.
ومع ذلك، كان هناك شيء مختلف في بيكهام بالتحديد. ليس فقط المظهر الوسيم الذي جذب المعلنين أو المهارات التي جعلته يسجل من قبل منتصف الملعب ضد فريق ويمبلدون في عام 1996. كان لديه عقله الخاص وكان قادرًا على تحدي سلطة فيرجسون منذ صغره، قبل أن يقابل فيكتوريا التي قلبت مسيرته مع مانشستر يونايتد رأسًا على عقب.
في سيرته الذاتية، يتذكر بيكهام التوقيع مع وكيل اللاعبين الشهير توني ستيفنز، الذي كان عميله النجم الآخر هو آلان شيرر. لم تكن العلاقة بين ستيفنز وفيرجسون في أفضل حالاتها ولم يكن مدرب اليونايتد ليتصافح معه حتى، لكن ذلك لم يمنع بيكهام من التوقيع معه مُتجاهلًا التوتر بينه وبين مُدربه.
هذا فُراق بيني وبينك: انتهاء العلاقة بين فيرجسون وبيكهام
عندما تزوج بيكهام، ترك الأمر لستيفنز ليطلب الإذن عما إذا كان يمكن للزوجين الحصول على يومين إضافيين في شهر العسل بعد الأسبوع الذي خططوا له بالفعل. تخطى ستيفنز سلطة فيرجسون وذهب مباشرة إلى رئيس مجلس الإدارة مارتن إدواردز لتقديم الطلب، وهو ما مثّل جرس إنذار للمدرب الذي شعر بأن القوة التجارية كانت تهدد بالاستيلاء على سيطرته في غرفة الملابس.
نشأ فيرجسون في غلاسكو حيث كانت كرة القدم هاجسًا. لقد أكسبته هذه القيم نجاحًا غير مسبوق في أبردين ويونايتد ولم يستطع أن يفهم بشكل صحيح سبب تعريض لاعب بموهبة بيكهام مسيرته للخطر لأنه وقع في حب مغنية بوب جميلة وأراد أن يكون مشهورًا أكثر من الفوز بالألقاب والبطولات.
لقد خسر فرصة أن يُسطّر اسمه في صفحات أفضل اللاعبين عبر التاريخ. أراد التخلي عن كل شيء من أجل مهنة جديدة، ونمط حياة جديد، من أجل النجومية. لقد وقع في حب فيكتوريا وهذا غير كل شيء.
من منظور كرة القدم، يشير التاريخ إلى أن فيرجسون كان على حق في الأغلب. كان بيكهام يبلغ من العمر 28 عامًا فقط عندما غادر يونايتد إلى ريال مدريد، لكنه لم يكن أبدًا نفس اللاعب بعد ذلك.
بيكهام سمح للإغراءات بإنهاء مسيرة لامعة قبل الأوان
استمر نجاحاته الترويجية في الازدهار – مئة مباراة دولية، التتويج بالدوري المحلي مع لوس أنجلوس جلاكسي، نفس الأمر مع إيه سي ميلان وباريس سان جيرمان – لكنه لم يُطلق عليه لقب “عالمي” مرة أخرى. جاءت فرصته الذهبية لتصحيح الأمور مع المنتخب نهائيات كأس العالم 2006 وتحقيق مجد دولي، ولكنه لم يغتنم الفرصة ووجّهت أسهم الانتقادات اللاذعة إليه وفي ذلك الوقت بدأت حملات لسحب شارة القيادة منه لعدم تحليه بالمسئولية اللازمة.
كان الجميع في اليونايتد على علم بمدى توتر العلاقة بين الطرفين، أدرك رايان جيجز حتى الذي ظل وفيًا لقميص الشياطين الحُمر طوال مسيرته، أن العلاقة بين فيرجسون وبيكهام لا يمكن إصلاحها وقال:
“لقد كان الأمر يزداد أكثر من اللازم، حيث كانت تحدث مشكلة بينهما تقريبًا كل أسبوعين، وقد حان الوقت لكلا الطرفين للمُضي قُدمًا”.
عندما سيطرت حادثة الحذاء على عناوين الأخبار، شعر المدرب بفرصة ذهبية لانتقاد لاعبه علنًا. بعد أيام سيطرت فيها صورة وجه بيكهام المُصاب على الصحف والتي تُسلط الضوء على الجرح، كان هناك توتر في الهواء عندما كسر فيرجسون صمته في مؤتمر صحفي في اليوم السابق لمباراة في دوري أبطال أوروبا ضد يوفنتوس.
توقع معظم الموجودين في المؤتمر في أولد ترافورد أن يضطر فيرجسون إلى الاعتذار عن إصابة قائد إنجلترا، الذي جعله أداؤه ضد اليونان قبل أكثر من عام بقليل كنزًا وطنيًا.
بدلاً من ذلك، انتقد مدرب مانشستر يونايتد المصورين قبل أن يقول بغضب: “غرفة الملابس مُقدسة. الأمر يتمحور حول الولاء بنسبة 100 في المائة”.
كانت الرسالة واضحة – بيكهام كسر الثقة بينهما. كانت هذه هي النهاية، افترق طريق الاثنين مع ذهاب بيكهام إلى البرنابيو في نهاية الموسم، ومُباركة فيرجسون للتوقيع مع الناشئ الواعد كريستيانو رونالدو كخليفة له على المدى الطويل.
هدوء بعد عاصفة طويلة من التوتر بين الطرفين
لحسن الحظ، هدأت العلاقة بين فيرجسون وبيكهام في السنوات الفاصلة، بطريقة لم تحدث مع روي كين حتى. لا يزال ديفيد حتى وقتنا يكن له كل الاحترام ويتمنى لو أنه كان أكثر حكمة قليلًا مما كان عليه في بداية العشرينات، كما أنه اعترف أكثر من مرة بأنه اتخذ العديد من القرارات الخاطئة في تلك الفترة.
كما يتحدث بحرارة بشكل خاص عن كيفية حماية فيرجسون له بعد نهائيات كأس العالم 1998 بعد أن حولته البطاقة الحمراء ضد الأرجنتين إلى شخصية مكروهة داخل البلاد.
أما بالنسبة لفيرجسون، الذي يقترب الآن من عيد ميلاده الواحد والثمانين، فلم يعد هناك أي ضغينة مع بيكهام. الجدير بالذكر أنه واجه موقفًا مشابهًا بعد سنوات عديدة مع واين روني حيث شعر أن اللاعب لم يعد مهتمًا بشكل كافي بدوره في الفريق.
ليست الموهبة أو المهارة بل العقلية!
في الحقيقة، من الصعب عدم تقدير حجم شهرة بيكهام في ذلك الوقت. أيقونة تجارية في عالم الموضة والإعلانات، شهرة واسعة في جميع أنحاء العالم، لقاءات صحفية وتليفزيونية بدون انقطاع، دعم شعبي جارف في المملكة، زوجة حسناء تشق طريقها نحو العالمية بسرعة الصاروخ.
لا يوجد لاعب آخر في ذلك الوقت حصل على صفقات رعاية له تصل إلى 17 مليون جنيه إسترليني، بما في ذلك 4 ملايين جنيه إسترليني من شركة أديداس وحدها – وهي أرقام هائلة في ذلك الوقت.
كل تلك الملذّات كان مُقدرًا لها أن تُغيّر عقلية بيكهام وتُشتت تركيزه بعيدًا عن الملعب وأن تسمح للغرور بتملكه داخل غرفة الملابس، وبالتالي كان الصدام مع السير أليكس فيرجسون أمرًا محتومًا. من المؤكد أن ديفيد بيكهام كان يُمكن أن يُحقق المزيد من النجاحات إذا ابتعد عن كل تلك المُغريات واستثمر موهبته الفذّة بالشكل الصحيح، ولكن إنها العقلية يا صديقي! آفة لاعبي كرة القدم أجمع.