- الزمان: 31 يناير 2013
- المكان: فندق سيسيل القابع في مدينة لوس أنجلوس
- الحدث: وفاة لنزيلة تبلغ من العمر 21 عامًا تُدعى إليسا لام
معلومات عادية قد ترد في خبر تقرأه في صحيفة أو في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن التفاصيل التي تكتنف وفاة Elisa Lam الغامضة في فندق سيسيل المثير للجدل جعلت منها من أكثر الحوادث غموضًا على مر التاريخ ومن أكثر القضايا الجدلية تعقيدًا والعالقة في ذهن الكثير نظرًا لأنه لم تتم الإجابة على الكثير من الأسئلة حتى وقتنا هذا.
حتى وقت كتابة تلك السطور، لا يعرف أحد كيف ماتت Elisa Lam، لقد شُوهدت الطالبة الكندية للمرة الأخيرة في رُدهة المصعد الخاصة بفندق سيسيل في لوس أنجلوس في مساء 31 يناير 2013. ولكن للأسف فيديو كاميرات المراقبة الذي التقط لها لا يُوضح أي شيء عن التفاصيل الأخيرة قبل اختفائها نظرًا لجودته السيئة – ناهيك عن التفاصيل المثيرة التي اكتشفها المحققون منذ بداية التحقيق وحتى عثورهم على جُثتها في خزان مياه تابع للفندق في 19 فبراير – والتي لم تُزد القضية سوى تعقيدًا وغموضًا أكثر.
على الرغم من أن الطب الشرعي أرجع سبب الوفاة على أنه “غرق”، ألا أن التفاصيل الغريبة المُحيطة بالقضية أثارت جدلًا كبيرًا حول ما يُمكن أن يكون قد حدث بالفعل للفتاة الشابة. نجح المحققون في صياغة سيناريوهات عديدة تتعلق بكيفية حدوث الجريمة، بداية من خطط للقتل وصولًا إلى الماورائيات والأرواح الشريرة، شارك المهتمون بالقضية على وسائل التواصل العديد من النظريات المثيرة كذلك التي قد تبدو منطقية، ولكن لا أحد في النهاية يعلم “قطعًا” كيف ماتت Elisa Lam؟
اختفاء Elisa Lam الغامض
قادمةً من مدينة سان دييغو ومرورًا بالعديد من المدن على الساحل الغربي للبلاد، حطت أقدام إليسا لام مدينة لوس أنجلوس في 26 يناير 2013 كجزء من رحلتها الفردية التي بدأتها للتنفيس عن الضغوطات الدراسية التي تعيشها في جامعة كولومبيا البريطانية في مدينة فانكوفر الكندية وهي موطنها الأم.
متجاهلة جميع التحذيرات الصادرة من والديها والنابعة من قلقهم على رحلتها الفردية، قطعت Elisa وعدًا بالتواصل معهم يوميًا والسماح للأسرة بتفقد حالها لتبديد أي مخاوف محتملة.
سارت الأمور على ما يرام طوال الأربع أيام القادمة قبل أن يتغير ذلك في يوم 31 عندما لم يسمع منها والديها على غير العادة وهو أمر مفاجئ نظرًا لأن الفتاة كانت في طريقها لمغادرة الفندق والذهاب لوجهتها التالية وبالتالي من المنطقي للغاية التواصل مع العائلة لمشاركة كل تلك التفاصيل معهم.
- مقالات ذات صلة: لغز جريمة فيلادلفيا الغامضة
لم يقف أفراد الأسرة ساكنين وقرروا في النهاية التواصل مع الشرطة وإبلاغها نظرًا لأن الشك بدأ في التسلل إلى قلوبهم. الشرطة بدورها استجابت للبلاغ وتوجهت بالفعل إلى الفندق وقامت بتفتيش الغرفة وكامل أرجاء المكان ولكنها لم تجد شيء!
بدأت القصة في أن تأخذ منحنى غريب عندما نشرت الشرطة فيديو مأخوذ من كاميرا المراقبة لرُدهة المصعد وهو المكان الأخير الذي تظهر فيه Elisa Lam قبل اختفائها، والذي لا يُعد مجرد فيديو عادي للأسف حيث يحتوي على العديد من الظواهر الغريبة والملاحظات المثيرة للجدل.
تظهر الشابة إليسا في الفيديو الظاهر أعلاه، يمكننا أن نرى بوضوح كم تتصرف بغرابة شديدة في أحد المصاعد الخاصة بالفندق، لا تنفك عن الدخول والخروج من المصعد وتكرار نفس الأمر مجددًا والضغط على كل الأزرار الموجودة، ومن ثمّ نلاحظ خروجها برأسها من فتحة المصعد لمراقبة ما يدور يمينًا ويسارًا في الرُدهة.
استمر حال خروجها ودخولها المصعد مرارًا وتكرارا قبل أن تخرج لتقف على باب المصعد وتُومئ بإشارات غريبة بيديها وهذه كانت اللحظات الأخيرة لها قبل أن تذهب بعيدًا عن المصعد. هل تُعد هذه التصرفات طبيعية لنزيلة في فندق؟!
أثار الفيديو الكثير من الجدل وحصد عشرات ملايين المشاهدات وتخطت القضية حدود مدينة لوس أنجلوس وانتشرت في جميع أنحاء العالم، وهنا حيث تأخذ مجريات القضية منحنى آخر.
اكتشاف الجثة عن طريق الصدفة
بعد أن قامت الشرطة بنشر الفيديو الغامض بأسبوعين، نجح عامل الصيانة في الفندق سانتياجو لوبيز في العثور على جثة Elisa Lam، لم يجدها في غرفة أو ردهة أو قبو ولكنه وجدها في أحد خزانات المياه التابعة للفندق! الصدفة البحتة قادت إلى ذلك الاكتشاف، لولا شكوى قاطني الفندق حول لون المياه الغريب ورائحتها الكريهة المنبعثة، لما قام عامل الصيانة بفحص الخزانات واكتشاف الجثة.
المثير للدهشة أن رئيس هيئة الإطفاء التي أشرفت على استخراج الجثة أفاد بأنه كان عليهم طرد أي مياه بداخل الخزان وتجفيفه تمامًا ومن ثمّ إحداث فتحة جانبية من أجل انتشال الجثة، وأجزم أيضًا في نفس السياق أن الخزان مرتفع للغاية ولا يُمكنهما عمليًا تسلقه وحتى لو نجحت في ذلك، فلن تتمكن من رمي نفسها بداخله لأن فتحة الخزان العلوية لا تتسع لها. إذًا كيف وصلت الجثة إلى داخل الخزان؟!
الحقيقة أن هذا لغز فرعي يتشعب من القضية المثيرة للجدل بأكملها، لا أحد يعرف كيف وصلت جثة إليسا لام واستقرت داخل الخزان ولا يوجد أي أساس علمي يمكننا الاستناد عليه والتوصل لمعرفة الطريقة التي حدث بها الأمر وهو ما يُزيد من ملابسات القضية غموضًا.
الخطوة التالية كانت تتمثل في إجراء تشريح للجثة من أجل محاولة الوصول إلى شيء ما قد يساعد المحققين في معرفة ماذا حدث في الساعات الأخيرة قبل اختفاءها. لم يجدي التقرير نفعًا سوى إثارة المزيد من الشكوك والتساؤلات حيث اكتشف خبراء السموم أنه توجد بقايا للعديد من الأدوية والوصفات الطبية في جسدها والتي من المُحتمل أن تكون علاجًا لمرض نفسي وهو اضطراب ثنائي القطب، ولكن في المقابل لم يتم اكتشاف أي آثار على تناولها مواد كحولية أو مُخدرة في جسدها وهو ما يُمثل تساؤلًا في المقابل لأنه من المنطقي للغاية تناولها تلك الأشياء وخصوصًا أنه يبدو جليًا مرورها بحالة عدم اتزان نفسي قبل اختفائها وهو ما يظهر بوضوح في فيديو المراقبة.
غموض الأحداث يُغذي النظريات الجامحة حول وفاة Elisa Lam
أفسحت الألغاز التي تحيط بجوانب القضية والأسئلة التي تظل بدون إجابة، مجالًا للهواة على الإنترنت بالفيض بنظرياتهم حول ما حدث وأراءهم حول مُجريات الأمور وبالفعل تم صياغة العديد من النظريات المثيرة للجدل والسيناريوهات التخيلية من العديد من المهتمين والتي تتلخص في الآتي:
- بعد الاطلاع على تقرير السموم الخاص بتشريح جثة Elisa Lam، لاحظ أحد المستخدمين الضليعين بالطب على Reddit أن الضحية تناولت على الأقل مُضاد اكتئاب واحد في اليوم الذي حدث فيه الاختفاء.
- لم تتناول لام في يوم الواقعة الدواء الثاني المضاد الاكتئاب بالإضافة إلى مُثبت الحالة المزاجية.
- لم تتناول لام أي مُضادات للذهان في الفترة الأخيرة التي تسبق الحادثة إطلاقًا وهو ما يعد مؤشرًا خطيرًا.
الاستنتاج: Lam لم تكن تتناول أدويتها بانتظام أثناء فترة إقامتها في الفندق، ونحن لا نتحدث هنا عن أدوية للصداع أو للتخسيس، بل نتحدث عن علاج لأمراض نفسية خطيرة.
ثبت علميًا كذلك أن تناول الأدوية مضادة الاكتئاب لعلاج اضطراب ثنائي القطب بدون اتباع التعليمات الموصوفة من الطبيب المُعالج قد يُصاحبه أعراض جانبية خطيرة وجنونية. هذا بالتحديد ما ارتكز عليه المحققون في تفسيرهم المحتمل لسلوك Elisa Lam المُضطرب في المصعد.
ما يدعم تلك النظرية هو شهادة مُديرة الفندق وقت الحادثة Amy Price في المحكمة حيث أكدت أنه كان من المفترض أن تقيم إليسا في غرفة مشتركة مع شباب آخرين، ولكن لم تستقر الأمور لأنهم قاموا بتقديم شكاوى مرارًا وتكرارًا لإدارة الفندق تتعلق بسلوك الفتاة “الغريب والغير طبيعي” وهو ما أجبر الإدارة على نقلها إلى غرفة منفصلة.
لكن حتى لو كانت Elisa Lam مُضطربة نفسيًا حينها ولا تتناول أدويتها بانتظام، فكيف انتهى بها المطاف بالوفاة؟ بالإضافة إلى، كيف وصلت جثتها إلى خزان المياه التابع للفندق؟
للأسف لم يستطع الخبراء الشرعيون التعمق في إجراء فحوصات بصورة أكبر نظرًا لأن الجثة بالفعل كانت في مرحلة متقدمة من التحلل الكامل. يا لها من فرصة ضائعة!
من يتحمل مسئولية وفاة إليسا لام؟
تحرك الوالدان بعد عدة أشهر لرفع دعوى قضائية على إدارة فندق سيسيل بالإهمال المتعمد والمتمثل في عدم البحث بجدية عن الجثة بعد الاختفاء بالإضافة إلى عدم الاكتراث بتأمين النزلاء من المخاطر المتواجدة بالفندق ومنعهم من الوصول للأماكن المحظور تواجدهم فيها.
قدم مُحاميو الفندق دعوة مضادة وطالبوا برفض تلك القضية مُبررين بأن إدارة الفندق لم تفترض من الأساس إمكانية دخول أي نزيل لأحد تلك الخزانات نظرًا لأنه على الورق لا يستطيع أي شخص القيام بذلك على الإطلاق.
تم طلب شهادة من استطاع اكشاف الجثة وهو عامل الفندق سانتياجو لوبيز الذي أدلى بالعديد من الحقائق التي تُزيد من تعقيد وغموض القضية حيث أفاد أنه من أجل الوصول إلى السطح كان عليه استقلال المصعد للطابق الخامس العشر ومن ثم استخدام السلم للوصول إلى سطح المبني، لم ينتهي الأمر على ذلك حيث يجب عليه تعطيل الإنذار الموجود على السطح من أجل فتح الباب وبعدها الوصول إلى خزانات المياه الأربع.
بعد ذلك كان عليه تسلق سلم آخر من أجل الوصول إلى فتحة الخزان العلوية التي كانت غير موصدة على غير العادة. أكدت شهادة لوبيز أنه من المستحيل تمامًا أن تصعد Elisa Lam بمفردها إلى سطح الفندق بدون أن يراها طاقم الفندق.
هناك جزئية أخرى مهمة للغاية وهي جرس الإنذار، أكيد رئيس المهندسين في الفندق أنه لا يستطيع أي شخص الوصول إلى خزانات المياه بدون أن ينطلق جهاز الإنذار والذي لا يُمكن إلغاء تنشيطه سوى عن طريق طاقم الفندق فقط وحتى لو تم تجاوز تلك الخطوة فسينطلق الجرس في مكتب الاستقبال والطابقين العلويين الأخيرين من الفندق.
هذه الحقائق للأسف تدحض أي إمكانية لإهمال إدارة الفندق في حماية Elisa Lam ويؤكد أن الوفاة حدثت في ظروف غامضة لا تنطوي على قصور أداء الفندق في أي شيء.
ليست الحادثة الأولى: تاريخ مثير للجدل لفندق سيسيل
لم يكن اختفاء Elisa Lam الغامض في فندق سيسيل أول ما حدث في ذلك الفندق. في الواقع اكتسب الفندق سمعة سيئة تتعلق بحوادث اختفاء غامضة وذلك منذ بداية انشائه.
منذ أن تم تشييده وافتتاحه في عام 1927، حدث 16 حالة وفاة غير طبيعية في فندق Cecil والتي تنطوي على أحداث وخوارق غير طبيعية ولم يستطع أحد تفسيرها على الإطلاق.
- لقت الفنانة Elizabeth Short حتفها في عام 1947 في جريمة بشعة حيث تم تشويه جثتها بطريقة وحشية وقُطعّت لنصفين وعثر عليها في حديقة عامة بلوس أنجلوس، يُصادف أنها شُوهدت قبل الحادثة بأيام في حانة فندق سيسيل.
- استضاف الفندق بعضًا من أشهر القتلة في البلاد. في عام 1985، عاش Richard Ramirez، المعروف أيضًا باسم “المُترصد الليلي”، في الطابق العلوي من الفندق خلال فورة قتله الوحشية. بعد كل جريمة قتل يرتكبها، كان راميريز يقوم بتغيير ملابسه الملطخة بالدماء خارج الفندق ويعود إليه نصف عارٍ. في ذلك الوقت، كان الفندق في حالة من الفوضى لدرجة أن تصرفات راميريز المريبة بالكاد لفتت الأنظار إليه.
- بعد ست سنوات، عاش القاتل المتسلسل النمساوي Jack Unterweger في الفندق لفترة من الوقت كذلك وهناك شكوك حول أنه قد ارتكب بعض جرائمه داخل الفندق.
كل تلك الحوادث والجرائم لم تدفع إدارة المدينة لهدم ذلك الفندق وطي تلك الصفحة السوداء، لم يتم المساس بالمبنى إطلاقًا بل تم إغلاقه لفترة مؤقتة من أجل القيام بعمليات تجديد وأعيد افتتاحه في ديسمبر الماضي كـ مُجمع سكني ميسور التكلفة.
بينما لا توجد إجابة واضحة حول كيفية اختفاء Elisa Lam وكيف انتهى المطاف بجثتها في خزان مياه، ألا أنه لا زال هناك هوس رهيب بذلك اللغز منذ ذلك الحين وترقب شديد أملًا في اكتشاف دليلًا ما في المستقبل قد ينجح في الإجابة على التساؤلات العديدة والملابسات الغامضة للقضية وهو ما دفع شبكة Netflix لإنتاج مسلسل وثائقي مُكون من أربع حلقات ويُدعى Crime Scene: The Vanishing at the Cecil Hotel والذي لاقى نجاحًا كبيرًا وأعاد إحياء القضية مجددًا