تعرف على قصة الطفل في الصندوق…لغز جريمة فيلادلفيا الغامضة

في 25 فبراير 1957 بفيلادلفيا، تلقى مركز الطوارئ الأمريكي 911 اتصالا من طالب شاب كان في نزهة لتفحص أفخاخ الأرانب، وبينما كان يمر من منطقة قريبة خصصت لمكب النفايات حيث تتناثر القمامة والأجهزة القديمة، لاحظ وجود صندوق غريب. في البداية، اعتقد الطالب الجامعي أنها دمية تخرج من الحاوية، فاتصل بالشرطة، وتوجه الضابط في جو ممطر وداكن للتحقق من الأمر. لكن ما وجده لم يكن متوقعا ! تابع معنا القراءة لتتعرف على التفاصيل.

الطفل المجهول في الصندوق

ما تم العثور عليه من قبل الضابط لم يكن دمية، بل جثة طفل، حيث كان جسد الصبي ملفوفًا في بطانية ورأسه وكتفيه يخرجان من الصندوق، بحلول الوقت الذي تم اكتشافه فيه، كان قد مات بالفعل لعدة أيام أو حتى أسبوعين، لكن الطقس البارد ساعد في الحفاظ على الجثة.

قدر عمر الصبي ذو العينين الزرقاوتين بين الرابعة والسادسة، وقد وجد في حالة مزرية حيث كان عاريا، باستثناء البطانية. وما اكتشفته الشرطة كان أقسى وأصعب، فبعد إجراء التحقيقات الأولية نشرت إدارة شرطة فيلادلفيا تقريرا تم فيه وضع وصف حالة الصبي بتفاصيل تقشعر لها الأبدان. حيث يقول التقرير أن سبب الوفاة كان صدمة ناتجة عن ضربات في الرأس، وكان جسد الصبي مغطى بالكدمات وظهرت عليه علامات سوء التغذية الحاد. إلى جانب ندبة على شكل حرف L تحت ذقنه وندوب جراحية على الكاحل والفخذ. كما أن شعره قد تم اقتصاصه بدون خبرة، وربما بعد الوفاة حيث كانت بعض من أجزاء الشعر لا تزال ملتصقة بجسده.

قال باس وهو أحد خبراء الطب الشرعي: “ظللت أتساءل كيف يمكن لشخص ما أن يفعل هذا لإنسان آخر، لمثل هذا الطفل الصغير، لايمكن تصور هذا ” وعلى الرغم من أن باس رأى أكثر من 2500 حالة في حياته المهنية التي استمرت أكثر من خمسين عامًا، إلا أنه أخبر الصحافة أنه لا يزال يواجه مشكلة في ذكرى الصبي المجهول في الصندوق.

غموض يلف القضية

عثرت الشرطة على الجثة يوم الثلاثاء 26 فبراير عام 1957، وافترضوا أن القضية ستحل في الأسبوع التالي، قال “كيلي” لصحيفة City Paper وهو خبير بصمات: “في البداية اعتقدنا أن عائلة الصبي ستتقدم وتقول إن وفاته كانت حادثًا وتقدم نوعًا من التفسير، لكن هذا لم يحدث، مرت الأيام والأسابيع ولم يتم التعرف عليه بعد “.

استمرت القضية مع عدم وجود مشتبه بهم ولا إجابات، فقام 270 مجندًا من أكاديمية الشرطة بتمشيط الغابة بالقرب من مكان العثور على الجثة، وتم طبع وتوزيع 400000 إعلان يتضمن صورة الصبي وتفاصيل مسرح الجريمة، وتم تعليقها في جميع أنحاء المنطقة. لكن دون جدوى.

إلى غاية عام 1965، حيث لاحظ المحققون عدم وجود ندوب التطعيم الذي يتخذه الرضع على جسم الطفل، وافترضوا أن والدي الصبي ربما كانا متجولين من نوع ما، أو مهاجرين حديثين إلى البلاد، وعثروا لاحقا على مقال صحفي عن اللاجئين المجريين، ومعه صورة ظنوا أنها قد تكون للصبي المجهول الهوية. وبمساعدة دائرة الهجرة والجنسية، مروا بأكثر من 11000 صورة جواز سفر قبل العثور على صورة مطابقة، فقاموا بتتبع الأسرة إلى نورث كارولينا، حيث وجد جنود الولاية الصبي الذي في الصورة وهو يلعب في الفناء، فرجعوا خائبين بعد ظنهم أنهم قد اقتربوا من حل لغز الجريمة الغامض.

بصيص أمل

كان ريمنجتون بريستو موظفًا في مكتب الفاحص الطبي في فيلادلفيا عندما تم إحضار جثة الصبي المجهول. بعد سنوات دون إحراز أي تقدم في القضية، اتصل بريستو بطبيب نفساني في نيو جيرسي يُدعى فلورنس ستيرنفيلد، الذي اشتهر بقدرته على تحديد هوية الفرد من خلال حمل قطعة من المعدن تخصه. باستخدام اثنين من الدبابيس التي تم إزالتها من صندوق السرير، أشار ستيرنفيلد بريستو لمنزل على بعد حوالي ميل ونصف من مكان العثور على جثة الصبي.  وحينما توجهت فرق الشرطة إلى المنزل لاحظوا سريرًا مشابهًا لذلك الموجود في الصندوق، كما رصدوا بطانيات تتطابق مع تلك التي لف بها الصبي المجهول.

كان آرثر وكاثرين نيكوليتي يمتلكان المنزل وكانا يعيشان مع ما يتراوح خمسة وعشرين طفلاً بالتبني، بالإضافة إلى ابنة كاثرين البالغة من زواج سابق، آنا ماري ناجل. قبل اكتشاف الطفل في الصندوق كان لدى آنا ماري، البالغة من العمر 20 عامًا فقط، أربعة أطفال خارج إطار الزواج. كان ثلاثة منهم لا يزالون على قيد الحياة عندما جاءت الشرطة لاستجواب الأسرة، بينما ورد أن آخر تعرض للصعق بالكهرباء في متنزه عام 1955. على مر السنين، أصبح بريستو مقتنعًا بأن الصبي المجهول كان ينتمي لعائلة نيكوليتي بشكل أو بآخر، وأنه كان غير مرغوب، وعلى الرغم من السنوات التي قضاها في التحقيق الدؤوب، لم يكن بريستو قادرًا على تقديم أكثر من أدلة ظرفية لدعم شكوكه. فتوفي عام 1993 ، مقتنعاً بأنه حل القضية، لكنه غير قادر على إثبات ذلك.

دليل آخر؟

في عام 1998، أجرى ملازم في شرطة فيلادلفيا مقابلة مع آرثر نيكوليتي وآنا ماري، لكن تم تبرئتها من أي تورط في هذه الجريمة، أما بالنسبة لخبير البصمات السابق ويليام كيلي، فقد أصبح التحقيق في وفاة الصبي المجهول تحدي مستمر طوال حياته، إلى أن وجد مؤشرا آخرا مثيرا للاهتمام اكثر من الذي قبله، وذلك حينما أتت امرأة تم تلقيبها ب “م” والتي أخبرت طبيبها النفسي أنها كانت هناك عندما قُتل الصبي. وفقا ل “م” ، كان القاتل والدتها، وهي معلمة في بلدة لوار ميريون، في فيلادلفيا. قالت “م” إن والدتها اشترت الطفل في صيف عام 1954. ما تلا ذلك كان سنوات من الاعتداء الجسدي. في ذلك الوقت، كانت “م” تبلغ من العمر 13 عامًا فقط، وشهدت جريمة القتل وساعدت في التستر عليها. يذكر أن الشاهدة كان لها تاريخ مع المشكلات العقلية، ولم تكن صريحة تمامًا بكل تفاصيل قصتها، مما دفع البعض للاشتباه في أن هناك ما هو أكثر مما كانت تخبره. قال ويليام فليشر، ضابط شرطة سابق في فيلي وعميل مكتب التحقيقات الفيدرالي، لصحيفة City Paper : “لقد أعطت تفاصيل كافية لجعل القصة مثيرة، وأعتقد أنها تعرف أكثر مما تقوله، لكننا لا زلنا غير متأكدين من صحة الرواية”

نهاية مأساوية

على الرغم من أن “م” قدمت العديد من التفاصيل والروايات، لكن كان من المستحيل إثباتها في المحكمة، حيث كانت تلك الشهادات كافية فقط لإقناع بعض الأشخاص الذين أشرفوا على القضية لمدة 50 سنة.

في عام 1957، تم دفن جثة الصبي المجهول، وكتب على القبر “الطفل الأمريكي المجهول”، وكان الناس يتركون الألعاب والزهور عند قبره بانتظام، سواء المحققين الذين أشرفوا على القضية أو المواطنين العاديين.

Exit mobile version