Black Mirror: دراما صادمة تعكس ما تخبئه لنا التكنولوجيا في المستقبل

أخشى اليوم الذي ستتجاوز فيه التكنولوجيا تفاعلنا البشري.. فإنّه سيكون للعالم يومئذٍ جيلٌ من البلهاء.

ربما لم يُعر الكثير الاهتمام لمقولة العالم الراحل ألبرت أينشتاين ومرت مرور الكرام ولكن يبدو أنه كان لديه نظرة ثاقبة تخص مستقبل الإنسان الذي يُثبت مرارًا وتكرارًا بعد مرور الأيام أنه عدو نفسه الأزلي.

يتساءل جميعنا بفضول عن كيف سيبدو المستقبل؟ هل ستجمع التكنولوجيا البشرية معًا أم ستفرقنا أكثر؟ هل تقدم لنا طرقًا جديدة للتواصل وفهم بعضنا البعض، أو طرقًا جديدة للاستغلال والإيذاء والتدمير؟ هذه ليست سوى بعض الأسئلة التي يحاول تشارلي بروكر معالجتها في مسلسله القاتم “Black Mirror”.

تبحث كل حلقة من المواسم الخمس في سيناريو مختلف تمامًا، بعضها يقع في مجتمعنا الحديث، والبعض الآخر في عوالم مستقبلية غريبة ومرعبة حيث تتنقل الشخصيات في عالم أفسدته التكنولوجيا بالفعل. يُشير عنوان “المرآة السوداء” إلى الشاشات التي تحيط بنا والتي نحملها في جيوبنا باستمرار. تعكس التكنولوجيا عيوب البشر وتبين لنا مدى الانحطاط البشري الذي يُمكن أن نصل إليه في هذا العالم سريع التطور.

لا تنظر لمرآة Black Mirror إذا كنت من ذوي القلوب الضعيفة

لا يهدف المسلسل فقط إلى الترفيه، ولكنه يدعونا أيضًا إلى التفكير في كيفية تأثير التكنولوجيا على المجتمع وتغيير سلوكنا. تُظهر كل حلقة كيف يمكن أن تتطور تقنية موجودة في المستقبل القريب، للأفضل أو للأسوأ على وجه الخصوص. جميع أنماط التكنولوجيا ذو حدين بالتأكيد، ولكن غالبًا ما تستخدمها الشخصيات في الحلقات للتلاعب أو الإذلال أو الإكراه أو الاستعباد أو القتل.

في Black Mirror، المواقف مألوفة، لكن يتم دفعها إلى أقصى الحدود، مما يثير القلق والدمار وحتى الموت. كل حلقة مستقلة، لها عالمها وأسلوبها الخاص، على الرغم من أن القرائن تربطها أحيانًا. تشمل الموضوعات التي يتم تناولها الهوس بالمشاهير، تلفزيون الواقع، الشبكات الاجتماعية، ألعاب الفيديو، الهواتف الذكية، والمواد الإباحية ونهاية الحياة الخاصة بالإنسان، الروبوتات والمزيد.

يُسلّط المسلسل الضوء كذلك على قضايا اجتماعية حساسة مثل التنميط الاجتماعي والتجاري؛ الأخبار الكاذبة والتلاعب بالرأي؛ مواقع المواعدة وأنظمة المطابقة؛ الواقع المعزز؛ الأمن السيبراني والتنمر عبر الإنترنت؛ نقل الذاكرة أو الوعي الفكري إلى شريحة؛ والحياة بعد الموت.

كادت تبدو مرآة بيضاء لولا أفعال الإنسان!

يُناقش Black Mirror قضايا حساسة ويطرح أسئلة تتمحور حول القلق بشأن التكنولوجيا في المستقبل القريب سواء كان ذلك غدًا أو الأسبوع المقبل أو حتى بعد عشرات السنوات، هل تخيلت يومًا كما لو كانت قادرًا على القضاء آفة النسيان وتذكر جميع الأحداث التي حصلت لك؟ ماذا لو كانت لديك الفرصة للتعافي من فقدان شخص عزيز على قلبك واستبداله بروبوت أو كيف ستكون الحياة الأبدية لو أتيحت لك الفرصة للحفاظ على عقلك على قيد الحياة وتخزينه سحابيًا؟ هذه هي أنواع القضايا التي يطرحها المسلسل والتي صُودف أنه تم اختراع حلول تقنية لتلك المشاكل في العالم الذي تحدث به الحلقات ولكن للأسف تُسئ الشخصيات استخدامها لتتحول من الترياق الشافي إلى السم القاتل وتقودهم جميعًا في النهاية إلى مصير حزين بائس.

يعكس Black Mirror مدى دناءة الذات البشرية ومقدار الانحطاط الذي يُمكن أن نصل إليه إذا أتيحت لنا الفرصة لإلحاق الأذى بشخص آخر لمجرد التسلية أو استغلاله مثلما رأينا في Parasite، عالم بلاك ميرور هو سوداوي للغاية وتفتقر شخصياته إلى أدنى درجات التفاعل الإنساني والعامل المشترك بين جميع الحلقات هو إساءة استخدام الإنسان للتكنولوجيا ومنحها الفرصة للتحكم في حياته ومن ثم قيادته إلى الهلاك تدريجيًا.

من الخيال العلمي المرعب إلى الواقع المأساوي

بينما يبدو أن Black Mirror تتكشف في المستقبل القريب، فإن العرض يصور الاتجاهات الحالية المقلقة ويدمجها بذكاء في سيناريوهات مرعبة. في حين أن هذه القصص الرائعة قد تبدو مبالغ فيها، فإن التكنولوجيا، وخاصة التكنولوجيا الرقمية، تستخدم بشكل متزايد في الجريمة، وهي مسؤولة عن العديد من الأمراض، وتسبب الصراع الجيوسياسي، والانجراف نحو الاستبداد والتدهور الاجتماعي. نبوءات المرآة السوداء التي تحققت هي موضوع نقاش ساخن.

يمكن ملاحظة السلوك الفاسد المقدم في عدة حلقات من Black Mirror على الشبكات الاجتماعية. في 15 مايو، انتحرت مراهقة ماليزية تبلغ من العمر 16 عامًا بعد أن سألت متابعيها على Instagram عما إذا كان يجب أن تعيش أو تموت، لأن 69 ٪ أخبروها بإنهاء حياتها. تم إلقاء اللوم على Facebook لأنه أتاح الفرصة لإذاعة في البث المباشر لمدة 17 دقيقة من هجمات 15 مارس في مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا والتي قُتل فيها 51 شخصًا من الجالية المسلمة. يُسلّط بلاك ميرور الضوء كذلك على الأذواق المهووسة والقذرة للعديد من مستخدمي الإنترنت المجهولين، كما يظهر بصورة واضحة في الحلقة الأولى.

عالم مستقبلي يُلقي بظلاله على الحاضر

Nosedive

تصف الحلقة الأولى من الموسم الثالث، “Nosedive” مجتمعًا قمعيًا حيث يُصنّف الجميع باستمرار كلمات الآخرين وأفعالهم ومنشوراتهم على مقياس من خمس نقاط وهو ما يظهر عن طريق شريحة مغروسة في أعين المواطنين وتمكنهم من رؤية درجات من حولهم. هذا إسقاط صريح على مجتمع يكون فيه كل شخص مهووس بصورته الخاصة وحاجته المُلحة إلى تصوير نفسه بشكل إيجابي للحصول على موافقة الآخرين. توضح الحلقة تمامًا عواقب نظام “الائتمان الاجتماعي” في الصين، والذي يراقب ويسجل جميع السكان في الوقت الفعلي من أجل “تحسين” السلوك وتقوية النظام.

Playtest

في حلقة “Playtest”، يحاول أحد اللاعبين تجربة لعبة فيديو تجريبية تقتله في غضون بضعة أجزاء من الثانية. كل ذلك عن طريق سماعة رأس واقع افتراضي تم زرعها عصبيًا في دماغ الشخصية الرئيسية. تخترق الغرسة دماغه وتنتج صورًا بناءً على مخاوفه وبياناته الفسيولوجية. تحذر الحلقة من منح المطورين السيطرة على حواس الإنسان، ومن التقنيات الغامرة والتدخل التي تشكل مستقبل ألعاب الفيديو. تم بث “Playtest” لأول مرة على Netflix في 21 أكتوبر 2016، بعد بضعة أشهر فقط من إصدار فيسبوك لنظارة الواقع الافتراضي Oculus Rift في مارس من نفس العام.

تعرض لنا الحلقة الخامسة من الموسم الرابع، ” Metalhead”، عالم ما بعد نهاية العالم، حيث تصطاد الكلاب القاتلة الذكية البشر. هذا إسقاط مباشر على شركة Boston Dynamics، التي باعتها Google في عام 2017 إلى مجموعة Softbank اليابانية. في هذه الحلقة، تظهر هذه الكلاب في مواقع البناء وفي الأماكن العامة، وهو المشروع الحقيقي المُخطط لإقامته بالتعاون مع وكالة بحث وتطوير عسكرية أمريكية. هل كل هذه الأحداث مجرد صدفة؟

هل النفس البشرية أمّارة بالسوء بطبيعتها؟

يطرح Black Mirror تقنيات تكنولوجية ممتازة يُمكنها المساهمة في حل العديد من المشاكل المؤرقة لنا إذا تم استغلالها بالطريقة الأمثل لصالح البشرية ولكنه في المقابل يُوضح ما هي الآثار المرعبة والعواقب التي ستحدث إذا تم استغلالها بالطريقة الخطأ.

في عالم مُكتظ بمليارات البشر، كل فرد له سماته العقلية والنفسية الفريدة وصفاته التي تُحدد هيئة شخصيته، من المؤكد أن هناك الكثير بيننا ممن يُفكرون بطريقة ملتوية ولا يتلذذون سوى بإلحاق الأذى والضرر بالآخرين مهما كلفهم ذلك وبأي وسيلة متاحة أمامهم.

الإنسان بطبيعته هو أخطر كائنات الأرض، يُمكنه الوصول إلى درجة انحطاط لا يمكن أن تتخيلها فقط لتحقيق ما يُريد، Black Mirror يُناقش تلك المشكلة بجدية ولكنه فقط يُضيف عنصر التكنولوجيا إلى المُعادلة من أجل أن يُعطيك لمحة عما يمكن أن يحدث إذا امتزجت النفس الأمّارة بالسوء مع التقنيات المستقبلية الحديثة.

إذا كان المؤلف قد وردت في خاطره تلك الأفكار المُرعبة، فمن المؤكد أن بعض الشركات والمُطورين في المستقبل سيصلوا إلى تلك الأفكار بطريقة أو بأخرى مما يضعنا في احتمالية مفتوحة لمواجهة الجانب المُدمر للجنس البشري من التكنولوجيا في المستقبل القريب.

Black Mirror: نداء صارخ بعدم الوقوع في الفخ مستقبلًا

يناقش مسلسل Black Mirror “اليوتوبيا المستقبلية” من خلال حلقات مختلفة، ويحاول المسلسل إطلاق تحذير مسبق من هذه المشاكل وشيكة الحدوث. تستمد الحلقات أسسها من الواقع المعاصر، مما يمنح المشاهد نظرة ثاقبة حول مدى تشابه هذه المشكلات مع ما يحدث في المجتمع اليوم.

قصة Black Mirror عن التكنولوجيا محبطة للغاية ونهاية جميع الحلقات غالبًا ما تُركت مفتوحة لخيال المشاهد، ومع ذلك فإن العديد من التفاصيل في تلك القصص مروعة للغاية. يسلط المسلسل الضوء على أن أكثر ما يخشاه البشر ليس التكنولوجيا المبتكرة، ولكن كيفية استخدامها بشكل صحيح لخدمة الطبيعة البشرية.

من بين العشرات من الأعمال التلفزيونية عالية الجودة التي يتم إنتاجها، يُعد Black Mirror تجربة فريدة وثرية بشكل خاص. يوازن بشكل عبقري بين قيمته الترفيهية والتحديات الاستقصائية والصعبة والضرورية للمشاهد والتي ستجعلك تعيد التفكير في الطريقة التي تنظر بها ليس فقط إلى التكنولوجيا في حياتك، من الكمبيوتر المحمول في حقيبة الظهر الخاصة بك إلى الهاتف في جيبك، ولكن إلى الأشخاص من حولك والطريقة التي نتعامل بها مع بعضنا البعض في حياتنا اليومية.

Exit mobile version