واجه الجنس البشري في القرن الماضي عدداً من الكوارث التي ذهبت بأرواح الملايين في سنوات قليلة، بدءاً بالحروب كالحربين العالمية الأولى والثانية، وليس انتهاء بالكوارث الطبيعية والمجاعات، إلّا أنّ كارثة واحدة من هذه الكوارث تبرز كأكثرها قساوة على الجنس البشري، ألا وهي المجاعة الصينية الكبرى، والتي تتراوح تقديرات ضحاياها بين 16-45 مليون إنسان قضوا خلال السنوات الثلاثة الممتدة بين عامي 1959-1962. في مقالنا اليوم سنتعرف على قصّة هذه المجاعة، والأسباب الكامنة وراءها، وما خلّفته من مصائب على الصعيد الإنساني.
مقدّمة تاريخية:
لم تكن المجاعات أمراً غير مألوف لدى الصينيين، خصوصاً خلال القرن الماضي، حيث كانت البلاد معتمدة في اقتصادها بشكل كليّ على الزراعة، كما كانت تعاني من اكتظاظ كبير بالسكّان الذين يرزح معظمهم تحت خطّ الفقر. عانت الصين من ثلاث مجاعات مهولة في السنوات الممتدة بين عامي 1900-1962، أولاها في عهد أمراء الحرب ما بين عامي (1916-1927) راح ضحيّتها 6 ملايين صيني، والثانية أيام حكم الحزب الوطني في الأعوام الممتدة بين (1927-1949) والتي راح ضحيّتها أيضاً ثمانية ملايين مواطن، لكنّ أعتاها هي تلك التي حدثت في نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات من القرن الماضي، وهي موضع حديثنا في هذا المقال.
تبريرات المجاعة: كوراث طبيعية، وأخطاء بشرية
تباينت تبريرات المجاعة التي طرأت على البلاد ما بين السلطات الرسمية، والمصادر الأجنبية. أكد الصينيون في إعلامهم الرسميّ أنّ أسباب هذه المجاعة كانت محصورة في تتالي عددٍ من الكوارث الطبيعية بشكل دمّر القطاعي الزراعي بشكل كامل في العديد من المقاطعات الصينية، إذ بدأ الأمر بطوفان النهر الأصفر عام 1959، والذي تسبب بغرق 40 مليون هكتار من الأراضي الزراعية، ليتلوها لاحقاً موجة شديدة من الجفاف، ثم أعاصير وموجات من الجراد عصفت بما تبقّى من المزروعات الصينية.
على الجانب الآخر، أكّد خبراء أجانب أنّ المجاعة هي نتيجة حتميّة لسياسات الحكومة الصينية الفاشلة في التعامل مع القطاع الزراعي، حيث بدأ الأمر بعد أن قامت الحكومة الصينية بإعلان الحرب على عصافير الدوري، والتي كانت في وجهة نظرهم عاملاً مؤثراً على إنتاج الحبوب الصينيّ –بالإضافة إلى القوارض والحشرات-، إذ كانت تقتات على جزء من المحاصيل، وكافأت الحكومة الصينية حينها كل من يقوم بقتل عدد كبير منها، الأمر الذي سبب مع الوقت اختلالاً في توازن سلاسل الغذاء الطبيعية، وزاد من أعداد الجراد الذي التهم المحاصيل الصينية، وساهم بشكل كبير في مفاقمة المجاعة التي عانى منها الصينيون.
كوراث إنسانية، والتهام للحوم البشر:
شكّلت المجاعة الصينية الكبرى أحد أكبر الكوارث الإنسانية التي ضربت البشر خلال تاريخهم، حيث جاع معظم الشعب الصيني، وقلّت واردات الغذاء الواصل إلى المدن بشكل كبير، ولقي عشرات الملايين حتفهم جوعاً. دفعت هذه المجاعة العديد من القرويين (الأكثر تضرراً من أثر المجاعة) إلى التهام لحوم البشر، حيث وردت آلاف التقارير من الشرطة الصينية التي توثق حالات نبش قبور والتهام جثث بغية النجاة، كما أوردت تقارير أخرى التهام آباء لأبنائهم، وحالات تبادل أبناء بين العائلات حتى يقوموا بأكلهم دون أن يلحق بهم عار التهام أبنائهم!
الخلاصة:
لا يمكن نفي التأثير الكبير للعوامل البيئية على التسبب بمجاعة الصين، ولكنّ دور الحكومة ساهم بشكل كبير في تعميق المشكلة، وزيادة عدد الوفيّات بشكل هائل، حيث قامت الحكومة الصينية أثناء المجاعة بحظر التواصل مع المناطق الأكثر تضرراً، وفرضت رقابة شديدة على البريد حتى لا يذيع خبر ما يحصل فيها، كما رفضت عرض الصليب الأحمر الدولي بمدّ يد العون لها من خلال تقديم مساعدات غذائية بعد انتشار خبر المجاعة الصينية حول العالم، علماً أنّ الصين قامت بتصدير 7 ملايين طن من الحبوب خلال سنوات المجاعة، وهو رقم كان يكفي لإنقاذ حياة 16 مليون ضحية على الأقل من ضحايا المجاعة وفقاً للتقديرات.