في نوفمبر 2022 تنطلق أحداث كأس العالم، البطولة الأغلى والأكثر مشاهدة في واحدة من أنجح وأكبر الرياضات شعبيةً على كوكبنا، وهذه المرة فالأمر فريد من نوعه لكل من يتحدث باللغة العربية، لأن الدولة المضيفة هي قطر. دولة عربية شقيقة تستعد لأن تفتح أبوابها لتستضيف جموع البشر من مختلف الأعراق والأديان والخلفيات الثقافية الحضارية.لقد أنتهت قطر من التحضريات بشكل شبه كلي، وكنت أتمنى أن أقول “خلص الكتير ما باقي إلا القليل” ولكن الوضع في هذا الحدث لا ينتهي على خير سوى مع انتهاء البطولة رسميًا ورحيل الفريق المنافس مقلدًا بالذهب. فما هي العوامل التي يترتب عليها نجاح هذه الاستضافة؟ هذا هو موضوع مقالتنا لليوم.
علينا أولًا أن نتذكر معًا أن نجاح قطر في الاستضافة كان أمرًا غير محبب لشريحة واسعة من الشخصيات الرياضة العامة حول العالم، بدايةً من اتهامات بالتزوير ورشوة بعض الكوادر البارزة في اتحاد الكرة الدولي (Fifa)، وصولًا إلى الانتقاد المستمر لإجراءات تجهيز البنية التحتية وبناء الملاعب التي يزعم بعض الحقوقين في الغرب أنها تمت في ظروف غير إنسانية، وبساعات عمل طويلة للعاملين في اجواء صعبة، وصلت لأن يرى البعض من هؤلاء أن كأس العالم هذا إن مر سيكون ذلك قد حدث “على دماء العمال” وهو ما يخلق تحديًا كبيرًا أمام قطر للتعامل مع كل هذه الضغوط والخروج بأقل خسائر ممكنة.
عدد كبير من البشر في بقعة صغيرة من الأرض؟
يتوقع القطريون وصول ما يقارب المليون سائح فقط لأجل كأس العالم، وهو ما يشكل تحديًا لدولة يبلغ تعداد سكانها 3 مليون نسمة فقط، ومساحتها 11.5 ألف كيلو متر مربع. هل تم إعداد فنادق كافية لاستقبال كل هذه الأعداد المتوقعة؟ وماذا عن الطرق والمرافق العامة لتأمين وتوفير طرق آمنة وسريعة من وإلى الفنادق والملاعب على حد سواء؟ هل يمكن أن نرى في يوم من أيام كأس العالم مباراة يتم تأجيلها بسبب تأخر الفريقين في زحام المرور؟ كل هذه الأسئلة يمتلك إجابتها المسؤولون القطريون وهي عوامل ستساعد على إنجاح البطولة أو الوقوف في طريق نجاحها.
التغلب على عائق المناخ هو واحد من أهم تحديات كأس العالم Qatar 2022
تم نقل البطولة خصيصًا من الصيف إلى شهر نوفمبر تخوفًا من حدة شمس الخليج الصحراوية والتي تصل بدرجة الحرارة إلى 40 مئوية، وتجعل من اللعب في الصيف أمرًا مستحيلًا، ولكن حتى مع ذلك الإجراء الاحترازي، سيكون الأمر صعبًا على لاعبي المنتخبات الأوروبية المعتادين على المناخ البارد.
رأينا كيف تم تحضير ملعب الجنوب الجديد في وقت تقياسي ليكون أول ملعب كرة قدم مكيف من الداخل، وهو على الأغلب الملعب الذي ستلعب عليه المباريات المقرر لعبها ظهرًا، ولكن ماذا عن بقية المباريات؟ بالقطع سيكون المناخ عاملًا مؤثرًا على اللاعبين ومستوياتهم وحتى الجماهير. يجب أن نتوقع حدوث حالات إغماء، وجفاف بين صفوف الجماهير والأجهزة الفنية واللاعبين، وعلى الأطقم الطبية والإسعاف أن تكون جاهزة لمواجهة ذلك في أي وقت من أوقات المباريات.
حظر الكحوليات يشكل عائقًا أمام الرعاه
جلب الرعاة سيكون أمرًا حساسًا للغاية خصوصًا بعد حظر الكحوليات في قطر حتى أثناء البطولة، والتي كانت دومًا تحظى برعاةً من كبرى شركات الكحوليات. هل تنجح قطر في الاستفادة ماديًا من ذلك المحفل الكروي الكبير بأقصى استفادة ممكنة، أم تضطر للإنفاق عليه من أموالها الخاصة؟ الأمر كله بيد المسؤولون عن التسويق للبطولة في قطر والذين تقع على عاتقهم مسؤولية ليست بسهلة في جلب الرعاة.
مجموعات الموت، ومع المشاكل السياسية من الظهور على أرض الملعب
الصراعات السياسية حتمًا ستلقي بظلالها على أرضية الملعب، لأن المصائب لا تأتي فرادة، فقد وقعت إنجلترا وأمريكا وإيران في مجموعة واحدة وهي المجموعة كفيلة بإشعال الحرب العالمية الثالثة في لحظات لأنها قد تضم أيضًا أوكرانيا أو سكوتلندا أو ويلز. من المعروف أن ويلز وسكوتلندا هما دولتان تقعان ضمن بريطانيا العظمى، ويحاولان الاستقلال عنها منذ سنوات، كما أن أوكرانيا في حالة حرب روسيا حليف إيران الأول في العالم، وبالتالي خلق أجواء إيجابية أو على الأقل منع المشاحنات بين جماهير الفرق الأربعة من الخروج عن الحد الطبيعي لمباريات كرة القدم التنافسية سيكون الشغل الشاغل لأفراد الأمن في ملاعب قطر التي ستقام عليها المباريات.
لنأخذ سابقة المناوشات التي حدثت بين الجماهير الإنجليز وبعضهم قبيل نهائي يورو 2020 خارج ملعب ويمبلي والتي كانت تلعب أمام المنتخب الإيطالي. معروف عن الجماهير الإنجليزية همجيتهم وعنفهم داخل الملعب خصوصًا خلال المباريات المتوترة التي تشعل فيها رشقة حجر واحد تعارك كبير. سيكون الأمر على عاتق الأمن في قطر منع تحول الشد والجذب والتوتر إلى عراك فعلي، ليس داخل الملعب وحسب بل خارجه وفي خلال نقل اللاعبين من وإلى فنادفهم، وحتى المناطق المحيطة بفنادق الإقامة الخاصة بالفرق نفسها!
تسليط العالم للضوء على البلدان العربية في قضية دعم مجتمع المثلية الجنسية
لعلها أكبر القضايا صعوبةً في التعامل معها في الوقت الحالي، ليس لقطر فقط وإنما لجميع دول الخليج بما فيهم هؤلاء الذين يحاولون الانتفاح حديثًا مثل السعودية، فخلق توازن بين الانفتاح وبين المحافظة على بعض الخطوط الحمراء الغير موجودة أصلًا عند الغرب هو حتمًا أكبر التحديات التي تواجه دول الخليج. بصفة قطر المستضيف الرسمي لكأس العالم 2022، ستكون بالواجهة في واحدة من أشرس وأصعب القضايا تداولًا في وسائل الإعلام الغربية. وبدءًا من الآن هناك ما يبدو لي شخصيًا نية مبيتة لإحراج قطر في هذا الصدد. فما موقف قطر من رفع أعلام مجتمع المثليين في مدرجاتها؟ هل تطلب من الجماهير عدم فعل ذلك وبالتالي إعطاء وسائل الإعلام فرصة لانتقادها والهجوم على الشرق الأوسط ككل؟ أم تتيح مجالًا لذلك وتخسر ما كانت الدول العربية كلها تحاول الدفاع عنه لسنوات طويلة؟
استضافت روسيا كأس العالم في 2018 وخرج الرئيس بوتن وطلب من الجماهير أن تأتي بجميع أطيافها، وصرح بأنه ليس على أي شخص أن يشعر بالخطر أو الاضطهاد طوال فترة تواجده في روسيا على الرغم من تجريم المثلية الجنسية، وقال أن الجريمة االتي لا يسمح بها الروس هي الترويج للمثلية (Gay Propaganda). كانت هذه طريقة ذكية في التعامل مع استفزاز الغرب لروسيا في ذلك الصدد، ولكنه لم يضمن للرئيس الروسي أن يسلم من الانتقادات التي ستكون بالقطع أضعافًا مضاعفة عندما يتعلق الأمر بأي دولة عربية.
في النهاية، نقف جميعًا خلف قطر في إنجاح استضافتها لكأس العالم 2022 لأنها تتيح الفرصة لدول عربية أخرى لتكرر التجربة نفسها، وتستفيد من عوائدها المادية والاقتصادية، كما أن الشعب العربي كله تقريبًا يحلم بأن تصبح استضافة بلاده لكأس العالم أمرًا ممكنًا، كما أن هناك صفًا لا ينتهي من الدول التي تمتلك الحلم نفسه لأن كأس العالم لم يتم إقامته من قبل في أفريقيا أو آسيا سوى في نسختي 2010 و 2002 و 2022.