“إلى اللانهائية وما بعدها”، على الرغم من أن هذا الاقتباس يعود لإحدى شخصية فيلم الأنميشين الأمريكي الشهير Toy Story، إلا أنّه يمثّل طبيعة الطموح البشري، الذي لطالما قام بكسر جميع الحواجز وجعل من المستحيل ممكنا. بطل قصتنا اليوم هو النمساوي فيليكس بومغارتنر الذي حطّم في عام 2012 الرقم القياسي لأعلى قفزة حرة مسجّلة في التاريخ، حيث قام بالقفز من حدود الفضاء على ارتفاع بقدر بـ 38969 متراً وبلغ رقماً قياسياً في سرعة السقوط، حيث كسر سرعة الصوت ووصل لسرعة 1357 كيلومتراً في الساعة! في مقالنا اليوم سنتعرف على جزء من رحلة هذا المغامر النمساوي إلى تحقيق حلمه الذي كان في نظر الكثير ضرباً من الخيال.
“ولد ليطير”:
ولد فيليكس عام 1969، لكنّ رحلته بدأت فعلياً في عامه السادس عشر، حينما قام بأول قفزة بالباراشوت في حياته، تمكّنت منه مشاعر الإثارة والحماس مما جعله يتجه من بعدها إلى رياضة أكثرة خطورة وتشويقاً، ألا وهي القفز الحر (القفز من القاعدة)، حيث يقفز الرياضي فيها من منصة أو جرف ثابت مستخدماً بعد قفزه المظلّة أو البدلة ذات الأجنحة.
انضمّ بعدها فيليكس للجيش النمساوي، وركّز خلال الفترة التي قضاها في الجيش على إتقان القفز بوساطة المظلّة، والهبوط في نطاق هدف ضيّق. قام بعدها بمغادرة الجيش وعمل بعدها بفترة قصيرة في تصليح الدراجات النارية، قبل أن يعود لحلمه الأساسي. يملك فيليكس وشماً على يده بالحرف القوطية هو عبارة “ولد ليطير”.
رحلته مع ريد بول:
قام فيليكس بالتقديم لدى شركة ريدبول لتقوم بدعمه مادياً لإجراء قفزات خطيرة من ضمنها القفز من جسر على ارتفاع 300 متر، إلا أن الشركة رفضت ذلك، لكنّها عادت إليه مقدمة عرضاً بعد أدائه لأكثر من 32 قفزة حرة ناجحة، حيث بدأت بذلك رحلة فيليكس كرجل استعراضي لشركة مشروبات الطاقة الشهيرة.
بعد عدد من القفزات الناجحة من ضمنها القفز من على أعلى برج في العالم، قرر فيليكس أخذ زمام المبادرة في تحدّ من مستوى آخر تماماً، ودعمته الشركة في ذلك، حيث بدأ التخطيط لقفزته الشهيرة في عام 2010، مع ميزانية تقدر بـ 20 مليون دولار، ذهب جزء كبير منها لتطوير البدلة التي سيرتديها، خصوصاً مع التحديات التي سيواجهها جسمه على ارتفاع شاهق لهذه الدرجة، كان لا بدّ من العمل بشكل مكثّف للوصول إلى نتيجة مثالية لا تحتمل الخطأ بأي شكل من الأشكال.
لحظة الحقيقة:
في عام 2012، وفي بث مباشر على مرأى أعين العالم أجمع، بدأ المنطاد الذي سيحمل فيليكس إلى طبقة الستراتوسفير في الغلاف الجوي بالارتفاع شيئاً فشيئاً، حيث حقق الرقم القياسي كأكبر منطاد يحمل على متنه إنساناً، بحجم يقدر بـ 850000 متراً مكعّباً، حينما بلغ المنطاد ارتفاع 38969 متراً، تمّ تفريغ ضغط الكبسولة التي تحمل فيليكس، وجاءت لحظة اللاعودة، وقف فيليكس على حافة قمرته لبضع ثوان قبل أن يقول: “أنا ذاهب للمنزل الآن” ويقفز قفزة استمرت لتسع دقائق وتسع ثوانٍ، كسر فيها رقماً قياسياً آخر هو أول إنسان يبلغ سرعة الصوت بشكل مجرّد دون عربة ذات محرك تحمله، حيث بلغ خلال قفزته سرعة تقدر بـ 1357 كيلومتراً في الساعة. تابع فيليكس أثناء قفزته والتحضير الذي سبقها 8 ملايين مشاهد مباشر على سيرفرات اليوتيوب التي لم تكن تحتمل أكثر من ذلك الرقم حينها، يذكر أن البث كان متأخراً عن الواقع قليلاً بشكل متعمد، خوفاً من وقوع كارثة على الهواء مباشرة. تم كسر رقم فيليكس لأعلى قفزة حرة في التاريخ بعده بسنتين عام 2014 من قبل المسؤول في شركة غوغل آلان يوستاس، حيث قفز من ارتفاع 41422 متراً!