من منا لم يسمع عن ثنائية الوعي واللاوعي، ومن منا لم يتناهى إلى آذانه ثلاثية الأنا والهو والأنا الأعلى… كل هذه النظريات وأخرى كانت من اكتشاف عالم النفس النمساوي “سيغموند فرويد” الذي خلق الجدل بنظرياته وحطم قيمة الإنسان بعدما كان يعتبر نفسه أرفع الكائنات على وجه البسيطة. حتى أصبح يقال إن “فرويد” هو ثالث من سحق كبرياء الإنسان بعد كل من “كوبرنيك” و”داروين”. فمن هو “سيغموند فرويد”؟ وما نظرياته؟ وما الذي جعله أكبر رواد التحليل النفسي في التاريخ؟ تابع معنا المقال لتتعرف على الإجابة.
حياته
يعتبر “سيغموند فرويد” طبيب أعصاب ومؤسس التحليل النفسي، ومبتكر لنهج جديد تمامًا لفهم شخصية الإنسان، كما يعتبر من أكثر العقول نفوذاً وإثارة للجدل في القرن العشرين.
ولد “فرويد” في 6 مايو 1856 في “فرايبرغ”، “مورافيا”(الآن بريبور في جمهورية التشيك)، من عائلة يهودية شغل فيها الأب تاجرا، والتي انتقلت إلى “لايبزيغ” ثم استقرت في”فيينا” حيث تلقى فرويد تعليمه، في عام 1873، بدأ فرويد دراسة الطب في جامعة “فيينا”. وبعد تخرجه عمل في مستشفى فيينا العام، وتعاون مع “جوزيف بروير” في علاج الهستيريا من خلال استدعاء التجارب المؤلمة تحت التنويم المغناطيسي. وفي عام 1885، ذهب “فرويد” إلى باريس كطالب لدى طبيب الأعصاب “جان شاركو”. وعند عودته إلى فيينا في العام التالي ، انطلق فرويد في عيادة خاصة متخصصة في الاضطرابات العصبية والدماغية. ليتزوج في نفس العام من “مارثا بيرنيز”، وينجب منها ستة أطفال.
لقد طور فرويد النظرية القائلة بأن البشر لديهم جزء اللاوعي حيث تكون الدوافع الجنسية والعدوانية في صراع دائم من أجل التفوق على الأنا الأعلى الذي هو منبع الأخلاق، أما في عام 1897 ، فقد بدأ تحليلًا مكثفًا لنفسه، وبعد ذلك تم تعينه أستاذًا لعلم الأمراض العصبية في جامعة فيينا ، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 1938. وتجدر الإشارة أنه على الرغم من اختلاف المؤسسة الطبية مع العديد من نظرياته ، بدأت جماعة من التلاميذ والأتباع في التجمع حول فرويد. وفي عام 1910 ، تم تأسيس الرابطة الدولية للتحليل النفسي مع “كارل يونج” ، الشريك المقرب من فرويد، لكن “يونغ” انفصل في وقت لاحق عن فرويد وطور نظرياته الخاصة.
بعد الحرب العالمية الأولى، أمضى فرويد وقتًا أقل في المراقبة السريرية وركز على تطبيق نظرياته في التاريخ والفن والأدب والأنثروبولوجيا. لينشر كتابه الأول في عام 1923، تحت عنوان “الأنا والهوية”، الذي اقترح فيه نموذجًا هيكليًا جديدًا للعقل، مقسمًا إلى “الهو” و “الأنا” و “الأنا العليا”. في عام 1933، أحرق النازيون علنًا عددًا من كتب فرويد ليقوموا بعد ذلك بضم النمسا، فغادر فرويد فيينا متوجهاً إلى لندن مع زوجته وابنته آنا، لكن في سنة 1923 تم تشخيص فرويد بسرطان الفك، وخضع لأكثر من 30 عملية جراحية، وتوفي بالسرطان في 23 سبتمبر 1939.
نظرياته
كانت نظريات فرويد مؤثرة بشكل كبير، لكنها خضعت لنقد كبير الآن وخلال حياته. ومع ذلك، فقد أصبحت أفكاره حاضرة بقوة في نسيج ثقافتنا، حيث تظهر مصطلحات مثل “الانزلاق الفرويدي” و “القمع” و “الإنكار” بانتظام في اللغة اليومية. واحدة من أكثر أفكاره الشهيرة هي مفهوم العقل اللاواعي ، وهو خزان للأفكار والذكريات والعواطف التي تكمن خارج وعي العقل الواعي، والتي يتم تكوينها في مرحلة الطفولة. كما اعتبر أن الشخصية تتكون من ثلاثة عناصر أساسية ، الهو ، والأنا ، والأنا الأعلى. وقد شكلت نظريته هاته ضربا في قيمة الانسان المتبجح المتعالي والذي طالما ما زعم استخدامه للعقل والعقل فقط، ليأتي “فرويد” بهذه النظرية ويعتبر أن الانسان مسلوب الإرادة فيما يخص أفعاله وأن الهو الذي يتضمن كل الغرائز الحيوانية هي التي تتحكم به، وهوما أثار الكثير من الجدل وحتى السخط من طرف بعض الأفراد خاصة المسيحيين. إلى جانب ذلك تتضمن بعض النظريات الفرويدية المهمة الأخرى مفاهيمه عن غرائز الحياة والموت ، ونظرية التطور النفسي الجنسي ، وآليات الدفاع.
مرضاه
بنى فرويد أفكاره على دراسات الحالات الخاصة به عن المرضى أو الأفراد الآخرين الذين تراسل معهم الأطباء النفسيين الآخرين، وقد ساعد هؤلاء المرضى في تشكيل نظرياته وأصبح الكثير منهم معروفين بفضل اكتشاف النظريات بسب أعراضهم، شمل بعض هؤلاء الأفراد آنا وليتل هانز وغيرهم… وتجدر الإشارة إلى أن المريضة الأولى “آنا” لم تكن في الواقع مريضة لفرويد، بل كانت مريضة لزميله”جوزيف بروير”، حيث تقابل الرجلان مرات عدة لتدارس حالة آنا، وفي النهاية قاما بنشر كتاب يستكشف حالتها ، “دراسات حول الهستيريا”. ومن خلال عملهم ومراسلاتهم ظهرت التقنية المعروفة باسم العلاج بالكلام وتحديدا التنويم المغناطيسي.
تأثيره
في عام 1999، أشارت مجلة تايم إلى فرويد كأحد أهم مفكري القرن الماضي، وقد وصفه مقال آخر بأنه “أكثر أطباء التاريخ فضحًا”، فعلى الرغم من النقاشات والجدل حول قيمة نظرياته، لفرويد تأثير كبير ودائم في مجال علم النفس، خاصة بأهم مساهمة له في مجال علم النفس وهي تطوير العلاج بالكلام كنهج لعلاج مشاكل الصحة النفسية، بالإضافة إلى كونه أساس التحليل النفسي، فإن العلاج بالكلام هو جزء من العديد من تدخلات العلاج النفسي المصممة لمساعدة الأشخاص على التغلب على الضيق النفسي والمشاكل السلوكية.