تزخر كتب التاريخ بالعديد من الحروب التي راح ضحيتها الآلاف وانهارت على إثرها دول، لكن ما يميّز الحروب الثلاثة التي سنأتي على ذكرها اليوم في مقالنا، هي أنّها جميعها قامت لأسباب غريبة وتافهة في بعض الأحيان، رغم أنّ هذه الأسباب غالباً ما كانت ذريعة لإشعال فتيل حروب كانت في طور الشحن والإعداد لسنوات، لكنّ ذكرها بقي إلى يومنا هذا، وارتبطت بها أسماء الحروب في كتب التاريخ.
شغب “نيكا”، الإمبراطورية البيزنطية
خلال القرن السادس الميلادي، شاعت سباقات عربات الخيل بشكل كبير في الإمبراطورية البيزنطية، وبالتحديد في عاصمتها؛ القسطنطينية، حيث أصبحت رياضة تشبه بشكل كبير اليوم كرة القدم من ناحية شعبيتها وانتشارها، لدرجة أنّ مشجعيها أخذوا ينظّمون أنفسهم بشكل مشابه لمجموعات الألتراس المعاصرة التي نراها اليوم، ولكن بشكل يميل أكثر للعصابات الإجرامية.
كانت مجموعتا الخضر والزرق -أشهر مجموعتي تشجيع لسباقات العربات في العاصمة القسطنطينة- قد غضبتا بشكل كبير بعد أمر الإمبراطور جاستينيان بحبس سائسي عربات من الفريقين، وأمره بإعدامها، ليتطور الغضب شيئاً فشيئاً من قبل الخضر والزرق، ويتحول إلى غليان جماهيري تضمّن اعتداء على مباني الدولة وقتلاً لعناصر الجيش الإمبراطوري، إضافة إلى إحراق أجزاء واسعة من المدينة، وحتى المطالبة بتنصيب إمبراطور جديد.
حتى يتمكّن من حلّ الأزمة، قام الإمبراطور جاستينيان برشوة الزرق ليتخلوا عن حلفائهم الخضر، وينقضّ عليهم تالياً بجيشه ليقضي بشكل نهائي على الشغب الذي خلّف وراءه 30 ألف قتيلاً في أيام معدودة.
حرب المعجّنات، المكسيك وفرنسا
اندلعت أعمال شغب عام 1828 في العاصمة المكسيكية ميكسيكو سيتي، نتج عنها دمار أجزاء واسعة من المدينة من ضمنها محل مخبوزات يعود لشيف فرنسي يدعى (ريمونتال). تقدّم (ريمونتال) بطلب إلى السلطات المكسيكية لتعويضه عن الأضرار التي تسببت بها أعمال الشغب، لكنّ طلبه قوبل بالرفض، ليتّجه بشكواه إلى السلطات الفرنسية التي أبقتها طيّ النسيان لعقد كامل، قبل أن تصل إلى أسماع الملك الفرنسي لويس فيليب، والذي كان يشعر بالغضب العارم تجاه المكسيك المتعثّرة عن سداد الملايين من الديون الفرنسية.
أرسلت فرنسا طلباً إلى المكسيك بتعويض (ريمونتال) بمبلغ مقداره 600000 بيزوس مكسيكي مقابل خسائره؛ وهو رقم فلكيّ بالنسبة لمحل مخبوزات صغير، ليرفض المكسيكيون الطلب، فيعلن لويس فيليب الحرب على المكسيك، ويرسل أسطوله إليها، حيث احتلّ كلّاً من مدينتي فيراكروز وسان خوان دي أولوا، قبل أن يتدخّل الإنجليز كوسيط سلام لإنهاء الحرب، لتتوقف الحرب أخيرا بعد وفاة 250 جنديّ، وموافقة المكسيكيين على دفع التعويض الكامل للخباز الفرنسي.
حرب أذن جينكينز، بريطانيا وإسبانيا
وقف رجل البحرية البريطاني روبرت جينكينز عام 1738 في شهادة حيّة له أمام البرلمان البريطاني، ادّعى فيها أنّ دورية بحرية تابعة للجيش الإسباني كانت قد أوقفت قبل سبع سنوات سفينته، وثطع قائدها أذنه عقاباً له على “تهريبه للبضائع”.
بناءً على هذه الشهادة الحيّة، قرر البرلمان البريطاني إعلان الحرب على المملكة الإسبانية؛ حرب كانت قد دخلت في طور الإعداد منذ بدايات القرن الثامن عشر، خصوصاً مع الخلافات الحدودية المتجدّدة بين الإسبان والإنجليز في مستعمراتهم في العالم الجديد، وبالتحديد في ولايتي جورجيا وفلوريدا الأمريكيتين، إضافة إلى المضايقات المتكررة للسفن الإسبانية للإنجليز (في ذلك الوقت كانت البحرية الإسبانية أقوى من البحرية البريطانية)، ليطلق على تلك الحرب لاحقاً حرب “أذن جينكينز”.
استمرّت المعارك بين القوات الإنجليزية والإسبانية لعامين في القارة الأمريكية، وبالتحديد في الولايتين المذكورتين آنفاً، ولم تسهم فعلياً عن نصر واضح لأيّ من الطرفين، ولكنّها مهدت الطريق لحرب لاحقة تلتها هي حرب الخلافة النمساوية، والتي اشتركت فيها معظم القوى الأوروبية، ومن ضمنها الإسبانية والإنجليزية.