إن سألت عن أعظم مباراة في تاريخ كرة القدم فإن الجواب بالطبع سيكون كلاسيكو الأرض الشهير، المباراة التي تقام بين قطبي الكرة الإسبانية ريال مدريد وبرشلونة تلك المباراة التي تستقطب الملايين من أنحاء العالم إلى ملعبي كامب نو وسانتياجو برنابيو أو عبر شاشات التلفاز لمشاهدة متعة خالصة من كرة القدم، لا تتواجد في مباراة أخرى على وجه الكرة الأرضية. ما زاد تلك المباراة متعة هو تواجد أساطير في فريقي برشلونة وريال مدريد على امثال رونالدو البرازيلي ورونالدينهو وبيكهام وروبيرتو كارلوس، والأهم بالطبع أعظم لاعبان في تاريخ الفريقين ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو الذان كان يقدمان سحرًا على أرض الملعب فمن ينسى مباراة الكلاسيكو في عام 2012 على ملعب الكامب نو التي انتهت بتعادل مثير 2/2 وخمن من سجل أهداف الفريقين، نعم بالطبع ومن غيرهما كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي.
نعم قدمت مباراة الكلاسيكو متعة خالصة لجماهير كرة القدم حول العالم سواء أكانوا مشجعين للفريقين أم لا. بالطبع لاحظت أن هناك عداء مستمر بين برشلونة وريال مدريد ولا أخص بذلك اللاعبين بل اتحدث عن الجماهير -الجماهير في إسبانيا بالتحديد- حيث يكره جماهير برشلونة فريق ريال مدريد من أعماق قلوبهم والعكس صحيح مع جماهير ريال مدريد، وإذا كنت لا تعلم فإن هذا العداء نتج بعيدًا عن كرة القدم والرياضة عمومًا حيث يعد هذا العداء عداءً سياسيًا أكثر من كونه رياضيًا؛ في هذا المقال نحن سنعود بالزمن للوراء لقرابة القرن وذلك لكي نتعرف على أسباب العداء بين قطبي الكرة الإسبانية لذلك فهيا بنا.
عداءٌ من أجل الاستقلال: كيف بدات قصة العداء بين قطبي الكرة الإسبانية؟
من يتابع جيدًا التاريخ سيعرف بلا شك الصراع المستمر بين أقليم كتالونيا ودولة إسبانيا للإنفصال عن الدولة الإسبانية حيث كان الإقليم في يوم الأيام دولة مستقلة بذاتها لها ثقافتها ولغتها حتى تم ضمها إلى الدولة الإسبانية. ففي عام 1714 قرر الملك فيليب الخامس احتلال أرض كتالونيا وضمها إلى إسبانيا مع عدة أراضي أخرى واستمرت كتالونيا تابعة للمملكة الإسبانية حتى عام 1936؛ العام الذي انقلب فيه الجنرال فرانكو على المملكة الإسبانية.
جاء عام 1936 العام الذي أشعل فتيل الحرب بين ريال مدريد وبرشلونة، حيث قام الجنرال فرانشيسكو فرانكو بالانقلاب على المملكة الإسبانية واشعل الحرب الأهلية الإسبانية التي استمرت لمدة 3 سنوات وبالتحديد حتى عام 1939، وهي التي فاز فيها فرانكو ليقوم بعدها بمنع استخدام اللغة الكتالونية أو رفع حتى العلم الكتالوني، وماذا سيحدث لو فعل أحد ذلك ؟ ستكون عقوبته شديدة حيث يمكن أن تصل إلى الخيانة العظمى وربما الإعدام.
ومن شدة كره الجنرال فرانكو لإقليم كتالونيا وعاصمته برشلونة فقد قام بتمدير العديد من المباني أهمها جزء من ملعب برشلونة، وليس هذا فقط بل وصل به الأمر إلى اعتقال رئيس برشلونة “جوسيب سونال” وبسبب مناداته باستقلال إقليم كتالونيا فلقد قام بإعدامه بدون محاكمة للضغط على المطالبين بإنفصال الإقليم وإسكاتهم.
فوز ريال مدريد على برشلونة بنتيجة 11-1: نتيجة حقيقية أم وحي من الخيال ؟
لقد استغل أيضًا الجنرال فرانكو قوة كرة القدم لزيادة الصراع بين فريق العاصمة ريال مدريد وفريق إقليم كتالونيا برشلونة من خلال واحدة من أكثر المباريات إثارة للجدل في تاريخ كرة القدم، ففي نص نهائي كأس ملك إسبانيا لعام 1943 كان برشلونة متفوقًا في مباراة الذهاب بنتيجة 3 اهداف لصفر لكن في الإياب وعلى أرض ملعب ريال مدريد “تشامارتين” حقق الفريق الملكي فوزًا ساحقًا بنتيجة 11/1 وهي نتيجة ما زال مشجعي يتحدثون عنها حتى الآن، وهناك العديد من الأسباب التي تفسر تلك النتيجة
- غضب مشجعي ريال مدريد أثناء مباراة الإياب: يقال أنه في مباراة الذهاب قام مشجعي برشلونة بهتافات غاضبة ضد فريق ولاعبي ريال مدريد بسبب كونه تابعًا للجنرال فرانكو وحتى أنهم حاولوا الدخول في شجار مع اللاعبين، وهو ما جعل الجماهير تثور في المباراة بهتافات غاضبة ما جعل هناك حالة رعب بين صفوف لاعبي برشلونة.
- تهديد أحد ظباط فرانكو للاعبي برشلونة: يقال أن أحد أسباب الخسارة تعود إلى تهديد أحد ظباط فرانكو للاعبي برشلونة وعائلتهم، حيث اخبرهم بضرورة خسارة المباراة وقال لهم بأنهم يلعبون كرة القدم بسبب غفران فرانكو لهم، وهو ما جعل لاعبي برشلونة في حالة عدم تركيز ليخسروا بتلك النتيجة، وهو السبب الأقرب لهذه النتيجة.
هذه الأسباب ما هي إلا مجرد أقاويل من الشاهدين على أحداث تلك المباراة ونحن ما زلنا لا نعرف الحقيقة الكاملة وراء ما حدث، لكن ما نعرفه هو أن تلك النتيجة هي نتيجة غير معترف بها من الإتحاد الدولي لكرة القدم “FIFA” مما يؤكد أن لاعبي برشلونة لم يكونوا في حالة نفسية جيدة، وستظل نتيجة مثيرة للجدل.
صفقات زادت من حدة العداء بين قطبي إسبانيا: دي ستيفانو ولويس فيجو
سبب العداء لم يكن لسبب سياسي أو بسبب المباراة الشهيرة فقط، بل كان أيضًا بسبب العديد من الصفقات الشهيرة التي قام بها نادي العاصمة ريال مدريد، وأول تلك الصفقات كانت صفقة شراء ريال مدريد للاعب الأرجنتيني الفريدو دي ستيفانو، وهو اللاعب الذي كان سببًا في تأجيج الصراع بين العملاقين. في عام 1953 قام ريال مدريد بخطف اللاعب الأرجنتيني بينما كان على بعد خطوة من الانتقال إلى برشلونة، حيث اشترى برشلونة دي ستيفانو من فريق ريفر بليت الارجنتيني لكن رفض الاتحاد الدولي لكرة القدم تسجيل اللاعب باعتبار اللاعب ملكًا لنادي ميلوناريوس الكولومبي.
استغل ريال مدريد هذا الوضع وتدخل، وتواصل مع النادي الكولومبي لخطف واحدًا من أفضل اللاعبين في التاريخ؛ حيث قام رئيس ريال مدريد أنذاك سانتياجو برنابيو بإقناع دي ستيفانو والتوقيع معه من خلال الاتفاق مع ناديه ميلوناريوس، وهو الذي تسبب في وصف الصفقة بأنها سرقة من طرف الجماهير الكتالونية لأنها كان قريبًا من فريقهم.
الفريدو دي ستيفانو يعد أفضل اللاعبين في تاريخ ريال مدريد وربما يعتبره البعض الأفضل فقد ساهم برفقة الجلاكتيوس الأول بالفوز ب 5 بطولات دوري أبطال أوروبا بشكل متتالي.
الصفقة الأخرى التي زادت من الكراهية بين الفريقين كانت صفقة انتقال لويس فيجو المهاجم البرتغالي من برشلونة إلى ريال مدريد. لقد كان لويس فيجو واحد من أفضل المهاجمين في العالم وفي تاريخ برشلونة في ذلك فهو من حقق 7 ألقاب مع الفريق الكتالوني بالإضافة إلى أنه كان قائدًا للفريق، وتعهد لجماهير الفريق بعدم تركه للفريق أبدًا مهما كان فهو يعد بيته الثاني، أي أنه كان سيصبح أسطورة حتى حدث ما لم يتوقعه أحد.
في عام 2000 كانت تقام الانتخابات الرئاسية للرئيس المقبل لريال مدريد وكان من بين المرشحين فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد الحالي، والذي كان يسعى لزيادة عدد الأصوات المصوتة له، وهو ما فعله من خلال القول بأنه سيتعاقد مع لويس فيجو أحد أهم لاعبي برشلونة في حال فوزه؛ وفجأة وبعد فوزه تفاجأ جماهير برشلونة بتعاقد بيريز مع لويس فيجو من خلال فسخ العقد ودفع الشرط الجزائي البالغ 60 مليون يورو.
تلك الصفقة جعلت فيجو مكروهًا وخائنًا لدى الجماهير الكتالونية ففي أول مباراة كلاسيكو له مع ريال مدريد بملعب الكامب نو أطلق جماهير صافرات استهجان ضده ورفعوا لافتات تصفه بالخائن، وفي كلاسيكو 2002 قذفه أحد الجماهير برأس خنزير تذكيرًا له على تلك الخيانة.
مباراة كلاسيكو الأرض بين قطبي الكرة الإسبانية ريال مدريد وبرشلونة ستبقى واحدة من المباريات التي نستمتع بها وننتظرها بفارغ الصبر دائمًا، وهي ليست مجرد مباراة كرة قدم بل هي أكثر من ذلك بكثير، هي قصة نضال وحرب سياسية، حرب من أجل الاستقلال والحرية للطرف الكتالوني، لذلك فهي ستبقى أعظم مباراة كرة قدم في التاريخ.