عندما تخطر سيرة حكام كرة القدم على أذهاننا، فإنّ أول اسم سيطفو على السطح هو اسم الحكم الإيطالي الأشهر بييرلويجي كولينا، والذي شكّل خلال سنوات مسيرته الممتدّة من تسعينيات القرن الماضي حتى بدايات الألفية الحالية وجهاً هامّاً من وجوه كرة القدم، وترك أثراً لا يقدر أيّ من متابعي اللعبة الأكثر شعبية في العالم في تلك المرحلة على نسيانه، إذ عرف عنه الصرامة (التي توحي بها ملامح وجهه)، بالإضافة إلى النزاهة والاحترافية المطلقة في عمله. في مقالنا اليوم سنلقي نظرة على عدد من أبرز محطّات حياة الحكم الدولي الكبير بييرلويجي كولينا، والمصنّف من قبل العديد من المتابعين كواحد من أفضل الحكّام في التاريخ.
طفولة مفعمة بالشغف الكرويّ
ولد بييرلويجي كولينا عام 1960 في بولونيا الإيطالية، وحاله كحال أي ولد إيطالي في تلك المرحلة، فقد تعلّق بكرة القدم بشكل كبير منذ طفولته، وأصبح حلمه الأساسي أن يكون لاعب كرة قدم محترف، ولكنّه أثناء طفولته لم يهمل دراسته على غرار الكثير من اللاعبين الهواة في تلك المرحلة العمرية، بل كان الأول على صفّه في المرحلتين الإعدادية والثانوية.
مع مرور الأيام، تبيّن لـ كولينا أنّه ليس لاعباً موهوباً بالفطرة في كرة القدم، فاتّخذ القرار الذي غير حياته للأبد، حيث حوّل هدفه من اللعب كقلب دفاع، إلى أن يصبح حكماً دولياً محترفاً، ولم يتوانى عن تحقيق ذلك الهدف أبداً، إذ بدأ حضور دورات التحكيم الاحترافية منذ سنّ السابعة عشر.
أكمل كولينا دراسته الجامعية في جامعة بولونيا، وحاز منها على إجازة في الاقتصاد في عمر الرابعة والعشرين.
تألق بييرلويجي كولينا
تدرّج كولينا في عالم التحكيم، حيث بدأه من المباريات المحلية، وترقّى فيه وصولاً إلى مباريات السيريا B ثم السيريا A في إيطاليا، ليبلغ قمّة مسيرته في نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة. تمتّع كولينا بوجه شرس مميّز يظهر عليه انعدام الأشعار، وذلك يعود لإصابته بمرض الثعلبة، ما أكسبه كاريزما مميزة مرعبة في ساحة المباراة.
كان نهائي دوري أبطال أوروبا لعام 1999 أحد أهمّ المحطات في مسيرة كولينا، والمفضّلة بالنسبة له، تلك المباراة التي عاد فيها مانشستر يونايتد بهدفين ليخطف الكأس الأوروبية الأغلى من بايرن ميونخ.
إحدى العلامات الفارقة الأخرى في مسيرة كولينا كانت مباراة نهائي كأس العالم 2002، والتي جمعت بين العملاقين الألماني والبرازيلي، وانتهت بفوز الأخير بعد تألق رونالدو البرازيلي، والذي لولا وجوده لتمّ تصنيف كولينا كرجل المباراة، وذلك بعد ما قدّمه من ضبط ممتاز للمباراة، وسيطرة على مجرياتها.
خلال هذه السنوات، وصل كولينا لذروة المجد في عالم الكرة، لدرجة أنّ شركة KONAMI اليابانية الشهيرة المختصة في الألعاب الإلكترونية وضعت صورة كولينا على غلاف لعبتها الأشهر Pro Evolution Soccer لعامي 2003 و2004، وهو إنجاز لم يصل إليه أحد من الحكام من قبله أو بعده.
كولينا والكالتشيو بولي
كانت نزاهة بييرلويجي كولينا العامل الأهمّ الذي جعله يتمتّع بشهرة كبيرة بين مشجعي الساحرة المستديرة، ولكنّ سمعته الطيبة زادت أضعافاً مضاعفة بعد اعتزاله، وبالتحديد بعد التسريبات الشهيرة التي هزت الدوري الإيطالي وقلبته رأسا على عقب في ختام موسم 2006، والمعروفة بحادثة الكالتشيو بولي، والتي تضمنت تسريبات لرئيس نادي يوفنتوس تهدف للتلاعب بالحكّام، حيث شهدت هذه التسريبات ذكر كولينا على أنّه “حكم لا يلعب إلا وفق القوانين”، الأمر الذي رفع أسهم كولينا لدى المعجبين بشكل كبير لدى مشجعي كرة القدم حول العالم .
عوامل نجاح كولينا
لم يكن بييرلويجي كولينا حكماً عادياً في الساحة، كما لم يكن كذلك خارجها أيضاً، إذ يروي الحكام المساعدون الذين عملوا معه أنّ كولينا كان يحضر لكل مباراة بشكل ممتاز، حيث يركّز على اللاعبين الذين يثيرون شغباً في العادة، ويحاول توقّع الصدامات المحتملة بين اللاعبين من كلّ من الفريقين.
أمّا داخل الساحة، فقد تميّز كولينا ببصر ثاقب وتركيز شديد على كلّ مجريات المباراة، حيث امتلك معدّل أخطاء تحكيمية منخفض بشكل واضح في زمن لم تكن فيه تقنية الـ (VAR) سوى ضرباً من ضروب الخيال.
مع ختام مسيرة كولينا كحكم دولي عام 2005، كان قد حاز في رصيده على 6 جوائز لأفضل حكم في العام عالمياً، بالإضافة إلى 7 جوائز متتالية من لقب أفضل حكم في إيطاليا.
لم يبتعد بييرلويجي كولينا بعد اعتزاله التحكيم في الملعب عن عالم التحكيم بالمجمل، حيث يشغل حالياً عدّة مناصب مهمّة في هذا المجال، فهو رئيس لجنة الحكّام في منظمة