قد يكون الاستيقاظ من السرير ليلاً للذهاب لدورة المياه أمراً مزعجاً للكثيرين، لكنّه كان السبب في إنقاذ حياة بطل قصّتنا لليوم؛ هاريسون أوكيني، الناجي الوحيد من غرق السفينة التي كانت تحمله هو و11 شخصاً آخرين كانوا على متنها، الأمر الذي جعله يحوز لقب الرجل الوحيد الذي بقي حياً في قعر المحيط (في عمق وصل إلى 30 متراً) لمدة تصل إلى ثلاثة أيام. في مقالنا اليوم سنروي قصة نجاة هاريسون أوكيني العجيبة، والتي أذهلت العالم بأسره حين حدوثها عام 2013، فلنباشر:
جاسكون 4 تغرق في خليج غينيا
من المعروف أن منطقة خليج غينيا من المحيط الأطلسي تعدّ واحدة من أغنى المناطق بالنفط في العالم، وبالتالي فهي تحتوي عدداً كبيراً من محطّات استخراج النفط العائمة، وناقلات النفط التي تتردد عليها بشكل مستمرّ. في شهر مايو من عام 2013، كانت 4 سفن جرّ ترافق ناقلة نفطية في منطقة الخليج، إحدى هذه السفن كانت تحمل اسم جاسكون 4، حاملة على متنها طاقماً مكوّناً من 12 فرداً، منهم هاريسون أوكيني بطل قصّتنا.
كانت بروتوكولات الأمان في السفن، والتي تمّ وضعها لمواجهة محاولات القرصنة المتكررة في المنطقة، تقتضي إقفال غرف الطاقم من الداخل في وقت نومهم، وهو الأمر الذي تسبب في وفاة أفراد الطاقم بشكل مباشر حين وقوع الكارثة، باستثناء هاريسون الذي خرج من غرفته في الوقت المناسب لقضاء حاجته في دورة المياه المشتركة، في اللحظة التي ضربت فيه موجة كبيرة قارب جاسكون 4، وأدّت إلى انقلابه رأساً على عقب، وغرقه بشكل مباشر في أعماق المحيط.
معجزتان تنقذان هاريسون أوكيني من الغرق
بعد انقلاب القارب بشكل تامّ، واستقراره في قاع المحيط، تشكّل جيب هوائي في الحمام الذي كان هاريسون قد بقي حبيساً فيه بحجم 4 أقدام مربّعة، الأمر الذي أمّن له الهواء للتنفس في المرحلة الأولى من فترة بقائه تحت الماء. خلال ساعات، كانت سفن الإنقاذ قد هرعت إلى موقع الغرق الذي استقرّ فيه قارب جاسكون 4، ولكنّهم لم يتمكنوا من العثور على ناجين، الأمر الذي جعل اليأس يتسلل بشكل مباشر إلى قلب هاريسون، ويدفعه إلى البحث عن مكان آخر للبقاء فيه ضمن القارب المنكوب.
خرج أوكيني من الحمام سباحة في الماء والظلام الدامس، واستطاع الوصول إلى بهو القارب الأساسي، والذي كان يحوي أيضاً -لحسن حظه- على جيب هوائي بحجم 1.5 مترٍ مكعّب، لكنّ مشكلة أخرى كانت في انتظاره، ألا وهي انخفاض حرارة جسمه نتيجة بقائه في مياه قعر المحيط الباردة.
حلّ هاريسون أوكيني هذه المعضلة من خلال إيجاده لفراش كان يطفو على سطح الماء، قام بتثبيته بجدار البهو بوساطة قطع معدنية حصل عليها من محيطه. ليكمل هاريسون ساعاته المتبقية تحت الماء وهو جالس على الفراش، منتظراً مصرعه أو حدوث معجزة.
لحظة الانفراج: وصول الإنقاذ
قامت الشركة المالكة لسفن الجرّ (جاسكون) بإرسال سفينة غواصين مختصّة بمهام الغوص الصعبة، وذلك بغية استعادة جثث الطاقم المتوفي. في ذلك الحين، كان قد مضى قرابة 60 ساعة على بقاء هاريسون أوكيني تحت المياه، وكان الأمل قد تلاشى من قلبه، قبل أن يسمع صوتاً يشبه صوت مرساة سفينة بالقرب من قاربه الغارق، ومن ثمّ أصوات كسر أبواب غرف زملائه المقفولة، ويرى بعدها ضوء كشّاف أحد الغواصين الذي مرّ أمام باب البهو دون أن يلاحظ وجود أوكيني، فيسرع الأخير في السباحة إليه، ويتمّ أخيراً العثور عليه وهو على قيد الحياة.
قام طاقم الإنقاذ بتهدئة هاريسون أوكيني، وأعطوه الأوكسجين الذي كان يعاني من نقصه بعد استنفاذه بشكل كبير من الجيب الهوائي الذي بقي فيه، ليتمّ نقله بعد ذلك بعملية معقّدة إلى السطح، وإبقاؤه في جهاز مغلق ليومين ونصف آخرين حتى يعتاد على الضغط الجوي الاعتيادي.