شهد الرابع والعشرون من ديسمبر من عام 1971 حادثة شكّلت المسمار الأخير في نعش شركة الطيران البيروفية؛ حادثة يعدّها مراقبو الكوارث الجويّة أكثر حادثة صعق لطائرة بالبرق دموية في التاريخ، حيث ضرب البرق الطائرة الأخيرة المتبقية من أسطول طائرات الخطوط الجوية البيروفية من طراز لوكهيد L-188، ما أدى لسقوط الطائرة في غابات الأمازون البيروفية، ووفاة كلّ ركّاب الطائرة الـ 91 باستثناء جوليان كوبيك؛ الفتاة التي حملت لاحقاً لقب فتاة الأمازون، فما هي تفاصيل الحادثة الجوية، وكيف نجت جوليان في غابات الأمازون لوحدها لأكثر من أسبوع؟ هذا ما سنعرفه في مقالنا اليوم.
حادثة التحطم
لطالما عرف عن الخطوط الجوية البيروفية حالة عدم الاستقرار التي لازمتها منذ انطلاقتها، حتى وصلت مع دخول عقد السبعينيات إلى حالة بالغة السوء، إذ لم يبقَ سوى طائرة واحدة تعمل في الأسطول التابع لها، وهي طائرة من طراز لوكهيد L-188 كانت قد دخلت حيز الخدمة قبل قرابة 11 عاماً من الحادثة.
كان من المقرر أن تقلع الطائرة من مطار ليما الدولي (مطار جورج تشافيز)، متّجهة إلى مطار إكويتوس الدولي شمال شرقي البلاد، مع استراحة بسيطة في مطار كابتن رولدن الدولي، حيث حملت الطائرة على متنها 92 راكباً، منهم 86 مسافراً ( بينهم جوليان كوبيك ابنة الـ 17 ربيعاً حينها) وستة أفراد من الطاقم.
لاحظ طاقم الطائرة وجود عواصف رعدية في مسار رحلتهم، لكنّهم قرروا الاستمرار في مخططاتهم على جميع الأحوال، وذلك بسبب انضغاط جداول الرحلات في فترة الأعياد التي حصلت فيها الحادثة، لكنّ سرعان ما تبين أن هذا القرار كان أكبر خطأ من الممكن أن يتّخذوه، حيث تعرّضت الطائرة أثناء عبورها فوق القسم البيروفي من غابات الأمازون على ارتفاع 7 آلاف متراً لصاعقة كبيرة تسببت في احتراق جزء كبير من الطائرة بشكل فوري، وتعطّل محركاتها، وانخفاض ارتفاعها تدريجياً حتى وصل إلى 3600 متراً، حينما دخلت في حالة سقوط حرّ، انتهى بتحطّم مدوّ أودى بحياة معظم الركاب بشكل مباشر.
فتاة الأمازون: جوليان كوبيك
بعد السقوط المدوّي للطائرة، استيقظت جوليان كوبيك في قلب الغابة المطرية، وهي تعاني من جروح بليغة، لكنّها ما زالت بأعجوبة على قيد الحياة. يقدّر العلماء أن سبب نجاة الفتاة الشابة حينها كان تعلّقها بمقعدها الذي صدّ عنها جزءاً كبيراً من الضرر، كما أنّ الغطاء النباتي الكثيف للغابة ساهم أيضاً في التخفيف من وطأة الاصطدام الشديد.
خلال الأيام الـ 9 التالية، تعلّقت جوليان كوبيك بالحياة بكل ما أوتيت من قوّة، حيث اعتمدت على مسار نهر في الغابة لتحديد الطريق الذي كان ينبغي عليها أن تسلكه، كما أمّن لها هذا النهر مياهاً للشرب خلال هذه الفترة.
لم تكن الأمور مريحة على الإطلاق بالنسبة للشابة جوليان، حيث عانت أثناء وجودها في الغابة المطيرة من لسعات البعوض الغزيرة، بالإضافة إلى غزو يرقات الديدان لجروحها المكشوفة في يديها.
نجحت جوليان كوبيك في اليوم العاشر من حادثة التحطم في الوصول إلى مخيّم فارغ للحطابين، حيث سارعت بإجراء الإسعافات الأولية لنفسها، وسكب البنزين على الجروح التي غزتها اليرقات حتى تقوم بإخراجها من الجروح.
مع عودة الحطابين في اليوم ذاته إلى المخيم، أكملوا إجراء الإسعافات الأولية لها، ريثما تمّ إسعافها إلى المشفى بواسطة طائرة.
ما بعد الحادثة
بعد تعافي جوليان من جروح الحادثة، شاركت الشابة في إرشاد قوات الطوارئ البيروفية إلى مكان الحادث بغية العثور على بقايا الركاب (ومن بينهم والدة جوليان)، ودفنهم بشكل لائق.
دونت جوليان كوبيك لاحقاً تجربتها في كتاب سيرة ذاتية حمل عنوان (عندما سقطت من السماء)، كما تمّ إنتاج فيلم يروي قصّتها المذهلة من إخراج فيرنر هيرزوج بعنوان (أجنحة الأمل).
أكملت جوليان دراستها الجامعية في ألمانيا، حيث اختصت في علم الحياة، وتحديداً الثدييات، وحصلت على إجازة الدكتوراه في مجالها، كما زارت البيرو بعدها مراراً في رحلات بحثية كان موضوعها دراسة الوطاويط.