منوعات

روما في مصر والمسيح إمبراطور بيزنطي، نظرية جامحة من عالم روسي تفسّر التاريخ بشكل مختلف

لا تنفكّ تظهر بين الفينة والأخرى بعض النظريات الغريبة والجريئة، والتي تحاول البحث عن الحقيقة من خلال كسر كل الأعراف المعتادة في المجتمع العلميّ، وهو في الواقع أمرٌ صحيّ في المجال العلميّ. في الوقت ذاته، قد تكون بعض هذه النظريّات خارجة عن المنطق بشكل كليّ، وتغرّد خارج السرب دون أدنى ارتباط بالواقع، والنظرية التي سنستعرضها اليوم تنتمي لهذه المجموعة، وهي نظرية عالم الرياضيات الروسي المهتمّ بالمجالات التاريخية أناتولي فومينكو، والتي حاول من خلالها إعادة تفسير التاريخ بشكل لم يسبقه أحد إليه (لشدّة غرابته وبعده عن الواقع).

مبدأ نظريّة فومينكو:

تعتمد نظرية فومينكو على ربط الأحداث التاريخية بالبيانات الإحصائية، فهي تعتبر أن أي حدثين تاريخيين متشابهين هما في الواقع حادثة واحدة صحيحة، وأخرى مزوّرة منقولة عنها، وتأخذ في ذلك أساساً التاريخ الأوروبي من العصور الوسطى وما يليها، لذا فكل حدث -أو مكان- يسبقها ويتشابه معها هو حدث -أو مكان- مزوّر في نظره، ومثالنا على ذلك كل من مدينتي القدس القديمة وطروادة الإغريقية، والتي يرى فيهما فومينكو نسخاً مزورة عن مدينة القسطنطينية، والباقي على هذا المنوال.

تاريخ فومينكو الموازي:

لعلّ أحد أكبر الافتراضات تأثيراً في نظرية فومينكو هو افتراضه بعدم وجود شخصية المسيح، واعتباره نسخة عن الحاكم البيزنطي أندرونيكوس الأول، ممزوجاً ببعض الصفات من أحد الباباوات والأباطرة الصينيين، ويعلّل ذلك بالطريقة التي مات بها أندرونيكوس، والتي شابهت بطريقة أو بأخرى الروايات التي تصف صلب المسيح.

ينحاز فومينكو في نظريّته بشكل كبير للقبائل والشعوب التي شكّلت ما يعرف اليوم بالشعب الرّوسي، حيث يرى أنّ قادة هذه القبائل كجنكيز خان وجورجي ودانيلوفيتشي قد قاموا بغزو العالم في مرحلة من المراحل، وهم من قام ببناء أهرامات الجيزة المصرية الشهيرة، بالإضافة لإلهامهم للقصص المروية عن الإمبراطورية الرومانية المفترضة (وفقاً نظريّته لا يوجد إمبراطورية رومانية).

يضيف فومينكو أيضاً أنّ الإمبراطور الشهير قسطنطين هو شخصية خيالية تمّ اقتباسها من القائد الروسي الشهير ديميتري دونسكوي، وأنّ الروس هم أول من قام بإرسال المستوطنين إلى العالم الجديد، مؤسسين بذلك “إمبراطورية مسيحية” فيها وفق تعبيره.

يكمل فومينكو بشكل متواصل سرد نظرته الغريبة للتاريخ في كتاب مؤلّف من 7 مجلّدات كاملة، يشكل ما ورد منها في المقال نذراً يسيراً من الأحداث التي “وثّقها” عالم الرياضيات الروسي.

دروس نتعلّمها من أنتوني فومينكو:

رغم أنّ المؤرّخين وقارئي النظرية بأغلبهم يلقون نظرة عليها من باب الفضول والتسلية، ولا يعيرونها أيّ اهتمام معرفيّ حقيقي، إلّا أنّنا نستطيع بالفعل أن ناخذ عدداً من الدروس الهامة من هذه النظرية. الدرس الأول مفاده أنّه من الصحيح أنّ أجزاءاً كبيرة من التاريخ تمّ حفظها وتناقلها من قبل أقليّة متعلّمة أثّرت عليها في كثير من الأحيان الانتماءات الخاصّة بها (كحالة الكاهن الشهير جوزيف سكاليجر، والذي عرف عنه تلاعبه بعدد من الأحداث التاريخية) إلّا أنّ الخطوط العامة للتاريخ تبقى ثابتة غير قابلة للتحريف، وذلك لتعدد مصادر الروايات التاريخية من جهة، ووجود أدلّة ماديّة ملموسة تعود لتلك الحقب التاريخية المختلفة.

أمّا الدرس الثاني فهو أنّه على الرغم من قوة الرياضيات والحسابات والإحصاءات كأدوات علمية أسهمت في وصول البشرية إلى ما هي عليه اليوم، إلّا أنّه في كثير من الأحيان تبلغ حدودها التي لا تقدر على تجاوزها في المجالات غير الحسابية كالتاريخ والأدب وما شابه، وإقحامها في هذه العلوم بشكل مفرط يفقدها هدفها الأساسي، وهو الوصول إلى الحقيقة بعيداً عن أيّة انحيازات.

Mostafa Musto

طالب طبّ وكاتب محتوى، مهتمّ بالمجالات العلمية والثقافية والفنّية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى