في حال سماعك مسبقاً باسم كلّ من الهندوراس أو السلفادور، فغالباً ما ستكون كرة القدم هي السبب خلف ذلك، هما بلدان صغيران في أمريكا الوسطى، لكنّهما يتميّزان –كحال باقي دول أمريكا الجنوبية والوسطى- بالشعبية الجارفة التي تتمتّع رياضة كرة القدم بها فيهما.
عند البحث في سجلّات التاريخ، وبالتحديد بالعودة إلى تصفيات كأس العالم لعام 1970، سنجد أنّ كرة القدم التي هي بالأساس وسيلة ترفيهية وأداة لنشر المحبة والتواصل بين الشعوب، كانت فتيل إشعال حرب ضارية بين البلدين الجارين، فما قصةّ حرب كرة القدم، ولماذا سميت بحرب الـ 100 ساعة، وكيف كانت نهايتها؟ هذا ما سنعرفه في مقالنا اليوم.
الجاران المشحونان
بالنظر إلى خريطة كلّ من الهندوراس والسلفادور، سنلاحظ أنّ السلفادور أصغر بالمساحة بفرق شاسع من الهندوراس، لكنّها في الوقت ذاته كانت تمتلك حينها عدد سكّان يبلغ قرابة 4 ملايين نسمة، أي ما يعادل أكثر من ضعف عدد سكان الهندوراس، لذا فقد كان الاكتظاظ السكاني السلفادوري يفيض بمهاجرين إلى الهندوراس المجاورة يعمل معظمهم في قطاع الزراعة ، وبقي هذا الحال لسنوات، بل وازداد بشكل كبير في سنوات الستينيات، حتى بلغ عدد المهاجرين السلفادوريين في الهندوراس أكثر من 300 ألف مهاجر.
عانت الهندوراس من حكم ديكتاتوري فاشل دعمته الولايات المتحدة وشركاتها ليبقى في السلطة، ويبعد المدّ الشيوعي القادم من كوبا عن الوصول إلى الهندوراس، وذلك بغية الحفاظ على مصالحهم الاقتصادية المتمثلة في أراضي زراعة الموز الشاسعة في الهندوراس.
ألقت السلطات الهندوراسية فشلها المستمرّ على المهاجرين السلفادوريين، الأمر الذي زاد من العداء تجاههم، وتسبب في حالة من الاحتقان المستمرّ بين البلدين، خصوصاً مع قرار الهندوراس ترحيل جميع المهاجرين السلفادوريين بشكل تعسّفي عام 1969.
مباراة كرة القدم تشعل فتيل الحرب
خلال تصفيات كأس العالم عام 1969، كان كلّ من الفريقين السلفادوري والهندوراسي على بعد خطوة واحدة من الوصول إلى نهائيات كأس العالم، ولكنّ هذه الخطوة كانت مواجهة بعضهما في 3 مباريات، الفائز باثنتين منهما سيفوز بمقعد التأهل.
جرت المباراة الأولى في العاصمة الهندوراسية، وانتهت بهدف نظيف لصالح الهندوراس بعد ليلة عنيفة قام فيها مشجعو المنتخب الهندوراسي بالتجمهر أمام الفندق الذي يقيم فيه لاعبو المنتخب السلفادوري، وأحدثوا شغباً منع اللاعبين من النوم. تكرّرت الحادثة في المباراة الثانية التي أقيمت في السلفادور ولكن بانقلاب الأطراف، وفاز المنتخب السلفادوري بثلاثة أهداف نظيفة، لتبقى المباراة الثالثة هي الفيصل بين المنتخبين.
أقيمت المباراة الثالثة في أرض محايدة هي المكسيك، وانتهت بنتيجة 3-2 لصالح المنتخب السلفادوري، ولكن نهايتها كانت بداية لأحداث شغب عنيفة اندلعت في الملعب، وقرّرت السلطات السلفادورية على إثرها إعلان الحرب على جارتها الهندوراس في الرابع عشر من يوليو عام 1969.
حرب الـ 100 ساعة
بدأت السلفادور الحرب بقصف مدراج إقلاع المطارات العسكرية في الهندوراس، ما شلّ حركة الطيران الهندوراسي بالكامل، وسمح للسلفادور بالزحف ضمن الأراضي الهندوراسية دون مقاومة تذكر، حيث اقتربت القوات السلفادورية في يومي الحرب الأولين من العاصمة الهندوراسية تيجوسيجالبا، لكنّ دعم نيكاراغوا في اليوم الثالث من الحرب للهندوراس، إضافة إلى ضغط مجموعة الدول الأمريكية على السلفادور لإيقاف الحرب وسحب جنودها جمّد تقدّم القوات السلفادورية في اليوم الثالث، ليتم الاتفاق في اليوم الرابع للحرب، وبالتحديد في الثامن عشر من يوليو من عام 1969 على عقد هدنة بين البلدين أخذت مجراها بشكل تامّ في العشرين من يوليو.
انسحبت القوات السلفادورية لاحقاً في أغسطس من الأراضي التي سيطرت عليها في أيام الحرب الأربعة، لتنتهي بذلك قصّة حرب كرة القدم؛ الحرب التي غذّتها المطامع الاقتصادية وسوء الإدارة، وكانت ممهّداً لحرب أشنع منها بكثير، ألا وهي الحرب الأهلية السلفادورية التي حصدت حياة 70 ألف سلفادوري.