تقنية وعلوممشاهير

غير مسار التاريخ البشري وأنقذ مئات الملايين من الموت جوعاً، تعرّف على نورمان بورلاوج؛ عرّاب الثورة الخضراء

تختلف مقاييس الناس في تقييمهم لأثر الشخصيات التاريخية على حياة البشر عموماً، وفي حال اعتمادنا لمقياس إنقاذ حياة أكبر عدد من البشر، فسنجد بلا ريب اسم عالم النباتات الأمريكي الكبير نورمان بورلاوج يحتل مرتبة متقدّمة في قائمة أكثر الشخصيات التاريخية تأثيراً، حيث أنقذ نورمان -بواسطة التعديلات الوراثية التي قدّمها للعالم على القمح- حياة مئات الملايين من الناس من الموت جوعاً، وذلك وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.

نورمان بورلاوج؛ الشاب الطموح

ولد نورمان إيرنست بورلاوج عام 1914 في مزرعة تابعة لولاية آيوا الأمريكية، لوالديه هينري وكلارا بورلاوج، وعرف عنه منذ صغره اهتمامه بعلوم الأحياء عموماً، وبالنبات خصوصاً. التحق نورمان بجامعة مينيسوتا الأمريكية في شبابه، ليتخرج منها برتبة بكالوريوس في العلوم – قسم الحراج عام 1937، وينتقل للعمل في مصلحة الحراج والغابات الأمريكية في ولايتي آيداهو وماساشوستس، قبل أن يقرر العودة للسلك الأكاديمي مرّة أخرى، وبالتحديد إلى جامعته الأمّ؛ جامعة مينسوتا، والتي حاز منها على شهادة الماستر في علم أمراض النباتات عام 1939، والدكتوراه عام 1942.

الرحلة التي غيّرت كل شيء

لطالما كان نورمان بورلاوج يمتلك تخوّفاته بخصوص الأمن الغذائيّ العالمي، حيث عاش شبابه في زمن كانت المجاعات فيه أمراً طبيعياً متكرر الحدوث، حيث كانت المجاعات سبباً في وفاة عشرات الملايين خلال القرن الماضي ما بين الاتحاد السوفييتي والصين وأفريقيا. بنى بورلاوج قناعته على أنّ السلام بين البشر لا يمكن أن يسود دون القضاء بشكل كامل على مشكلة الغذاء عالمياً، ولذلك فقد قرر الإسهام بكل ما يملك في سبيل تحقيق هذا الحلم.

بدأ نورمان رحلته في المكسيك –بناءً على المهمة الموكلة إليه من قبل كلّ من مؤسسة روكيفيلر الخيرية والحكومة المكسيكية-، حيث تعاون مع علماء من تخصصات مختلفة (علماء وراثة وجينات، علماء تهجين نباتات، علماء حشرات، ومهندسين زراعيين) على تهجين سلالات من القمح تكون قادرة على مقاومة الأمراض والظروف البيئية المحيطة، وتوفير أكبر كمية ممكنة من حبوب القمح، لتكون نتيجة أعماله بعد 20 عاماً من الجهد المضني إنتاج سلالة جديدة من القمح تمتاز بسنابل طويلة وساق قصيرة، ومقاومة عالية للأمراض النباتية.

مكّن هذا الإنجاز العظيم المكسيك من التحوّل من دولة مستوردة للقمح إلى دولة مصدرة له، وساعدها على تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي بعد عقود من المعاناة في هذا السياق. وصف نورمان بورلاوج عمله الدؤوب في المكسيك بأنّه “نجاح ضئيل للبشرية في حربها الدائمة مع الجوع والحرمان”، وقد عرف عن نورمان بأنّه من المناصرين الأشداء لسياسات تنظيم الأسرة والنمو السكاني، فأعماله في وجهة نظره هي متنفس بسيط للجنس البشري في معترك التعامل مع “وحش النموّ السكاني المهول” كما وصفه.

بعد إتمام أبحاثه في المكسيك، تنقّل بورلاوج بين عدد من الدول النامية في الستينيات والسبعينيات أهمّها باكستان والهند، وعدد من دول إفريقيا، إذ ساعدها في تحقيق أمنها الغذائي، وتحسين سلالات القمح التي تزرعها.

جائزة نوبل تكريماً لجهود بورلاوج

نظراً للخدمات الجليلة التي قدّمها نورمان بورلاوج للبشرية، والتي لم يحفظها ببراءات اختراع باسمه حتى تبقى متوفرة في أيدي الجميع، فقد قررت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم منحه جائز نوبل للسلام، كما حاز “أبو الثورة الخضراء” أيضاً على تكريمات من العديد من الجمعيات والمؤسسات العلمية في عدد من الدول منها: كندا، الهند، باكستان، النرويج، والولايات المتحدة، وأطلقت البلدية في مدينة سيوداد أوبريجون التابعة لمقاطعة سونورا المكسيكية -والتي قام فيها بورلاوج بأولى تجاربه البحثية- اسمه على واحد من الشوارع الرئيسية فيها عام 1968.

Mostafa Musto

طالب طبّ وكاتب محتوى، مهتمّ بالمجالات العلمية والثقافية والفنّية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى