لا ينفك النجم المصري محمد صلاح لاعب ليفربل عن إثارة الجدل بين أوساط مُتابعيه بين حين وأخر بسبب أراءه ومواقفه من بعض القضايا المجتمعية ورد فعله على ما يحدث في الساحة العالمية، بداية من دعمه لعمرو وردة في كأس أمم أفريقيا 2019 ومرورًا باحتفاله بالكريسماس ووصولًا إلى تصريحه الشهير عن احتساء الخمر مع عمرو أديب، يتصدر ابن نجريج مُحركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي بين الفينة والأخرى ليس بسبب أداءه داخل المستطيل الأخضر ولكن بسبب بما يدعوه هو بنفسه “المينتاليتي”.
قام الملك المصري بنعي ملكة إنجلترا الراحلة إليزابيث الثانية وذلك بمناسبة إقامة جنازتها بالأمس الاثنين، جاء ذلك النعي تغريدها نشرها جناح ليفربول عبر حسابه على تويتر مُبديًا تعاطفه مع العائلة الملكية وتأثره برحيل الملكة التي ودعتها بريطانيا بالأمس.
ذلك النعي آثار الجدل ووجه سهام النقد في حق محمد صلاح الذي أثار غضب قطاع لا بأس به من جماهير فريقه ومنتخب بلاده، فما القصة بالتحديد ولماذا أشعل صلاح فتيل الغضب العارم ضده بسبب نعيه لملكة إنجلترا.
لماذا هاجم مُشجعي ليفربول صلاح؟ الإجابة: يكرهون كل ما هو مَلكي
قد يكون غضب المصريين والعرب من تصرف صلاح مُبررًا وذلك لأسباب سنتطرق إليها أدناه ولكن لماذا لم ينال هذا النعي إعجاب مُشجعي ليفربول على الرغم من أنها مُلكتهم التي من المفترض أن يُضمروا الحب والولاء لها؟
إذا سبق لك أن شاهدت نهائي كأس كبير يشارك فيه ليفربول، فمن المحتمل أنك سمعت جوقة صيحات استهجان من النصف الأحمر من ويمبلي أثناء النشيد الوطني “God Save the Queen”.
لماذا يستهجن أنصار ليفربول النشيد الوطني ولماذا لم يُشاركوا في رثاء الملكة؟ الإجابة تعود لعشرات السنين الماضية.
هناك العديد من الأسباب التي تجعل مشجعي ليفربول – وسُكان المدينة بشكل عام – يختارون عدم ربط أنفسهم بالملكة والهوية الإنجليزية بشكل عام وما يُمثلها.
يظهر العلم الذي يحمل عبارة “Scouse not English” بانتظام على ملعب أنفيلد، وربما يكون أفضل ما يلخص النضالات التي يشعر بها سكان ليفربول الأصليون فيما يتعلق بالوطنية والقومية.
يأتي سبب كبير من استياء سكان ليفربول الذين يشعرون “بالهوية المنفصلة” من الملكة والدولة بسبب معاملة الحكومات المتلاحقة المُتردية لهم والتي يعود تاريخها إلى عدة عقود. نظرًا لأنهم لم يشعروا أبدًا بدعم حكومتهم لهم، فإن قاطني مدينة ليفربول لا يمتلكون أي انتماء وطني وهم فخورون بذلك.
أصبح ذلك الاتجاه سائدًا بشكل خاص منذ فترة الثمانينيات في عهد رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر، حيث كانت، إلى جانب حزبها، غير مبالية بالتراجع الصناعي في مقاطعة ميرسيسايد. أدى ذلك التجاهل إلى بطالة شديدة وفقر داخل المدينة، بالتوازي مع عدم رغبة الحكومة إلى حد كبير في تقديم المساعدة، بل وحتى قطع خدماتها العامة.
لعبت المدينة دورًا رئيسيًا في الحرب العالمية الثانية، ولكن بعد انتهاء الحرب، تعرضت ليفربول لصعوبات اقتصادية حيث تباطأت التجارة في موانئها – التي كانت تهيمن على الصناعة الإنجليزية في يوم من الأيام.
في عام 2011، كشفت وثائق رسمية أن مارغريت تاتشر قد تم حثها سرًا على التفكير في التخلي عن مدينة ليفربول فيما يُسمى بـ “الانحدار المُدار أو managed decline“.
هذا المُصطلح يعني بشكل مُختصر “سحب الموارد من المنطقة حتى يُجبر السكان على المغادرة”، ويهدف بشكل رئيسي إلى “تجويع السكان بطريقة مُمنهجة.”
لقد تغيرت مدينة ليفربول بشكل جذري منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولا تزال تحتفظ بمكانتها كمركز رياضي وثقافي مهم، لكن تجاهل مواطنيها واستيائهم تجاه دولة تغض البصر عنهم وملكة لم تدعمهم أبدًا لا يزال قائماً.
علاوة على ذلك، تشتهر ليفربول بأنها مدينة للمهاجرين، حيث لا يعتبر الكثير من سكانها أنفسهم إنجليزيين. اجتذبت موانئها الكثير من الوافدين، وهي موطن لواحد من أقدم المجتمعات الأفريقية والصينية في إنجلترا.
أثرت مجاعة إيرلندا الكبرى في خمسينيات القرن التاسع عشر أيضًا بشكل كبير على ميرسيسايد، حيث فرّ جزء كبير من السكان الأيرلنديين من وطنهم للهجرة إلى ليفربول. نتيجة لذلك، يتمتع ليفربول بهوية إيرلندية قوية.
توتر العلاقات بين إيرلندا والمملكة المتحدة وتقسيم البلاد واندلاع العنف السياسي، كلها عوامل ساهمت في صبغ مدينة ليفربول بالكره نحو الملكة والحكومة الإنجليزية على مر العصور.
تغريدة صلاح تُثير حنق المصريين والعرب
قبل أن نتطرق لأسباب غضب المصريين والعرب من نعي صلاح للملكة إليزابيث الثانية دعونا نتفق على بعض المُسلمّات:
الدول الاستعمارية كانت وستبقى دول مبنية على الدم و السرقة و النهب من خيرات العرب وأفريقيا وليست كما تدّعي !!
لن ينسى المصريون 74 عامًا من الذل والقهر والاستبداد عاشوهم تحت ظل الاحتلال البريطاني الذي ارتكب عديد الجرائم الغاشمة تجاه أجداد صلاح، ستظل مذبحة الإسكندرية عالقة في أذهاننا وبالتأكيد لن تتلاشى حادثة دنشواي من ذاكرتنا حتى يوم البعث.
لم يكن الاحتلال البريطاني رحيمًا بمصر على الإطلاق، ووقع تحت مقصلته مئات الآلاف من المصريين الشُرفاء وبسببه قُتل الكثير من الأطفال وشُردّت الكثير من العائلات وربما إذا بحث صلاح في تاريخ عائلته فربما يجد أنه قد فقد أحد أجداده أو أقاربه أثناء تلك الفترة.
لم تتوانى إنجلترا كذلك عن الدعم المستمر للكيان الصهيوني بل كانت من أبرز المؤيدين في البداية لاغتصاب فلسطين وإقامة دولة غير مشروعة على أراضيها والتباهي المستمر في تقديم المساعدات المادية والعسكرية لها.
أسباب غضب المصريين والعرب من نعي صلاح للملكة تأتي من دافع وطني وغيرة على الهوية العربية والدينية، الأمر يتمثل في رثاء صلاح لملكة امتزجت أياديها وأيادي أسلافها بالدماء والفقر والتشريد والتجويع ونهب الثروات!
ربما يمتلك محمد صلاح مسيرة لامعة في عالم الاحتراف في كرة القدم ولكنه للأسف يُخطئ باستمرار في فهم طبيعة جمهوره مرة تلو الأخرى ويتحول ببطء نحو صورة اللاعب البراغماتي الذي لا يهتم بشئ سوى بصورته أمام المجتمع العالمي فقط.
ربما وضع صلاح في حيزّه الطبيعي هو الحل الأمثل لجميع الأطراف
دعني أروي لك قصة قصيرة: هل تتذكر هدف يد الرب الشهير؟ مارادونا كان هاجسه الأول أمام الإنجليز أن ينتصر، بأية طريقة، لدرجة أنه استخدم يده لتحقيق ما أراد.
هل تعرف لماذا؟ رغم أنها مباراة كرة قدم، إلا أن كل شيء كان يتمحور حول حرب الفوكلاند التي سقط فيها مئات الأرجنتينين دفاعًا عن أرضهم، وفي قرارة نفسه على أرضية الميدان، كأنه كان يواجه الإنجليز وملكتهم، ملكتهم التي ربما لم يقرأ عنها محمد صلاح إلا في العناوين الرئيسية.
لكنه لم يغص أكثر من ذلك، ولم يقرأ ما فعلته بأجداده، ولم يبحث عن كيف خرجت من مصر أو كيف أخرجها الناس -إن صح التعبير- ولنفس الأسباب قالوا إن ما فعله مارادونا بالإنجليز كان أكثر من مجرد مباراة، إنها حول “الهوية” فقط.
في وقت رفض فيه ماتيتش لاعب اليونايتد ارتداء قميص يحمل رمز زهرة الخشخاش التي ترمز إلى ضحايا الحرب الإنجليز في الحرب العالمية الأولى، احترامًا لقصف حلف شمال الأطلسي بقيادة إنجلترا لبلاده في عام 1999، ودعم إيريك كانتونا للقضية الفلسيطينية، ناهيك عن مواقف فريدريك كانوتيه ومسعود أوزيل المُشرفة لنُصرة الإسلام – يُخطئ صلاح مُجددًا في التمسك بهويته العربية المُسلمة وينصاع للصبغة الأوروبية.
يبدو جليًا أن لاعب المقاولون العرب السابق يُركز على تعزيز صورته كرمز مجتمعي عالمي وإنجليزي على وجه الخصوص، لا ينفك عن تهنئة الشعب الإنجليزي في المناسبات والأعياد القومية، ويُبدي رأيه بصفة مستمرة في القضايا العالمية على الساحة، بينما يبخل باستمرار على تقديم أي دعم أو التنديد بما يحدث للعرب والمسلمين حول العالم.
هل يمكن أن يتم اعتباره كسفير للمصريين والعرب في بلاد الإنجليز؟ من المؤكد أن ذلك كان الطموح من البداية فالرياضة من القوى الناعمة وتأثيرها لا يقل عن السياسة، ولكن مواقف صلاح المتتالية تُثبت أنه لا يمكن التعويل عليه كثيرًا في ذلك الصدد بل من الأصح أن يتم تحييده في جزئية “لاعب كرة القدم” وليس أكثر.
التاريخ لا ينسى يا مو! المبادئ الثابتة تقف صامدة ضد تحديات الزمن مهما حدث، يرحل الإنسان وتبقى ذكراه وأعماله لتُحدّث الجميع عنه، مسيرة صلاح في الملاعب لم يتبقى لها الكثير بالتأكيد ورصيده الرياضي يزخر بالإنجازات بلا شك، ولكن يُعاب عليه بوضوح شُح مواقفه الإنسانية، وهنا يطرح السؤال نفسه من جديد: هل تقف باقة الإنترنت لدى محمد صلاح حائلًا أمام دعم أي قضية عربية أو إسلامية؟
قد تكون تغريدة رثاء الملكة إليزاثبيث ليست الفصل الأسخن في مسلسل صلاح لإثارة الجدل خارج المستطيل الأخضر، ولكنها بالتأكيد تفتح الباب على مصراعيه لتوجيه النقد اللاذع لهداف ليفربول وتترك بما لا يدع مجالًا للشك الجمهور حائرًا أمام مينتاليتي اللاعب النجريجي!