من مراهقة تمّ العثور عليها في البرية إلى مصافي طبقة النبلاء، قصّة فتاة الغابة المذهلة ؛ ماري أنجيليك لو بلانك

الأطفال البريون، أو أطفال الغابة هو مصطلح يطلق على الأطفال الذين يتمّ العثور عليهم في البرية، ولا يبدو عليهم علامات الاتصال القريب بالبشر، أو القدرة على التواصل بأي لغة من اللغات المتداولة، حيث يعيشون في الغابة بمفردهم أو ضمن قطعان من الحيوانات. في مقالنا اليوم، سننظر في واحدة من أعجب قصص “أطفال البرية” هؤلاء، ألا وهي ماري أنجيليك لو بلانك؛ الفتاة المراهقة التي تم العثور عليها في الغابة دون أي أثر لعناية بشرية سابقة بها، والتي تدرّجت لاحقاً شيئاً فشيئاً حتى صارت تنتمي لبلاط النبلاء.

مراهقة في الغابة

عام 1731 في قرية سونجي في فرنسا، لاحظ أهل القرية فتاة تقوم بسرقة التفاح من أحد البساتين، كانت هذه الفتاة ترتدي فراء الحيوانات، وصعب عليهم تحديد عمرها بدقة، حيث قدروه بأنه أي عمر ما بين 10-18 عاماً.

أطلق المزارعون كلب صيد ليقوم باللحاق بها، فقامت بقتله بضربة واحدة، ثم عادت مرة أخرى إلى الغابة قبل أن يصلوا إليها. تمكّن القرويون في النهاية من الإمساك بها، واكتشفوا حينها أنها غير قادرة على التحدث بأي لغة بشرية، بل كان تواصلها أشبه ما يكون بتواصل الحيوانات، بأصوات تشبه الهمهمة.

نقلت الفتاة لاحقاً إلى القرية، وتمّ تعميدها فيها، وإطلاق اسم ماري أنجيليك ميمي لو بلانك عليها. لاحظ الأطباء أنّ الفتاة قد اعتادت على أكل اللحوم النيئة فحسب، فقد كانت أسنانها كلها قد تساقطت.

أصل ماري أنجيليك لو بلانك

تم الكشف عن أصول الفتاة البرية للمرة الأولى عام 1755 في كتاب السيرة الذاتية الذي ألفته ماري-كاثرين هوماسيل-هيكيت بالتعاون مع لو بلانك نفسها، حمل الكتاب عنوان “حساب الفتاة الوحشية”. تبين في الكتاب أن ماري أنجيليك لو بلانك كانت في الأصل فتاة أمريكية أصلية (هندية حمراء) تمّ دهنها باللون الأسود، وبيعها كعبدة بعمر السابعة في ويسكونسن الأمريكية، حيث اشترتها سيدة فرنسية، وقامت بإرسالها إلى بلدها على متن سفينة. أثناء رحلة السفينة من أمريكا إلى فرنسا، وبالقرب من السواحل الفرنسية، تعرضت السفينة لحادث تسبب في تحطمها، لتنجو ماري رفقة فتاة مستعبدة أخرى، ويلجآ إلى الغابة المجاورة للساحل الفرنسي.

بقيت الفتاتان في الغابة، وعاشتا على النباتات البرية وصيد الحيوانات الصغيرة كالسناجب والأرانب والثعالب، قبل أن يفترقا عند نقطة معينة، ويتم الإمساك لاحقاً بماري.

الصعود إلى مصافي النبلاء

على الرغم من البداية الصادمة لحياتها، إلا أن ماري أنجيليك لو بلانك نجحت في تعلّم اللغة الفرنسية بسرعة مثيرة للإعجاب من قبل معلمات تطوّعن لمساعدتها، لتستعيد بذلك قدراتها اللغوية التي كانت قد فقدتها قبل ذلك لوقت طويل.

أثارت ماري إعجاب طبقة المثقفين والنبلاء في فرنسا، وذلك كونها فتاة انتقلت بشكل سريع ومذهل من “الوحشية” إلى الرقيّ والعلم، ولذلك فقد تمّت دعوتها للعديد من اجتماعات الطبقة الراقية في فرنسا، وقام أحد دوقاتها برعايتها من الناحية المادية بشكل كامل، وإرسالها في رحلة بين الدول الأوروبية للتعرف على الحضارة الأوروبية.

بعد وفاة الدوق عام 1752، قامت عدد من العائلات الأوروبية المرموقة بتبنيها من الناحية المالية، حتى أنّها أصبحت ثرية بنفسها من أعطيات الأغنياء حين وفاتها عام 1775، إذ عرف عنها أنّها لا ترتدي سوى الحرير لكنها في الوقت ذاته حافظت على الطابع “الوحشي” بعض الشيء في مظهرها.

Exit mobile version