منوعات

لغز قلعة بيفيرينا، ذكرت في التاريخ الإستوني 16 مرة ولم يتمكّن أحد من العثور على أي أثر لها

تعجّ كتب التاريخ بالوقائع التاريخية الغامضة والمزوّرة في كثير من الأحيان، ما يدفعنا دائماً للتحقق بشكل دائم من المعلومات التاريخية من مصادر متعددة لضمان الحصول على المعلومات التي تكون أقرب ما يكون للصواب، لكنّ هذا الأمر صعب بعض الشيء في حالة قلعة بيفيرينا، لماذا؟ لأنّ هذه القلعة موجودة في سجّلات رجل واحد فقط من المؤرّخين، ولأنّ هذا الرجل هو الشخص الوحيد الذي كتب تاريخ منطقة بحر البلطيق وإستونيا تحديداً في تلك المرحلة الزمنية. تعالوا معنا في رحلة تاريخية مليئة بالغموض، لنستقصي معاً سرّ قلعة بيفيرينا التي لم يجد لها العلماء أثراً سوى ذكرها في المصدر التاريخي الوحيد الموثوق في تلك الفترة!

بدايةً، لا بدّ أن نلقي نظرة على حال بلدان البلطيق في تلك المرحلة

مع نهايات القرن الثاني عشر، وبالتحديد في عام 1180، كانت منطقة لافونيا (المكونة من إستونيا وشمال لاتفيا حالياً) منطقة نشاط كبير للمتبعين للديانات الوثنية، حيث كانت تمثل عقدة تجارية وثقافية تربط أبناء هذه الديانات، قبل أن تقوم دول أوروبا الغربية المسيحية في ذلك الحين رفقة الدول الإسكندنافية بإعلان حملة صليبية عسكرية في المنطقة. امتدّت الحملة لما يزيد عن 47 عاماً، وانتهت بانتصارها على حساب الوثنيين.

حملت الحملة معها العديد من التغييرات في إستونيا ومنطقة البلطيق عموماً، لذا فقد استدعى الأمر وجود مؤرّخ حاذق يقوم بتسجيل كل هذه التغيرات في البلاد، وهنا يأتي دور بطل قصّتنا، هنري المؤرّخ الإستوني الأشهر في تلك المرحلة، والذي شرع في كتابة تاريخ الحملة الصليبية على إستونيا في عام 1229، أي بعد عامين من انتهائها.

هجوم الوثنيين على قلعة بيفيرينا

كان من ضمن الأحداث المحورية التي سجّلها هنري في وثائقه الهجوم الكبير لجيش الوثنيين على قلعة بيفيرينا، وذلك في عام 1208، إذ تمكّنت الجيوش الصليبية المحتمية فيها من الصمود بصعوبة، قبل أن يأتيهم الدعم من قبل جماعة فرسان المعبد، والذين قاموا بدحر قوات الوثنيين بعيداً عن قلعة بيفيرينا إلى بحيرة مجاورة قبل أن يتراجعوا مبتعدين بشكل كامل.

في هذه القصة يذكر المؤرّخ هنري موقع القلعة بدقّة، فهي –وفقاً لما قاله- مجاورة لجبل تريكالا في إستونيا، وهو جبل معروف إلى اليوم لدى الإستونيين، كما أنّ البحيرة المجاورة له، والتي لاذ إليها جيوش الوثنيين في البداية معروفة هي الأخرى، لكنّ الغريب أن قلعة بيفيرينا ذاتها لم يجد لها أحد أي أثر في المكان المذكور.

يؤكّد هنري لاحقاً على وجود هذه القلعة، وذلك من خلال ذكرها في سجلاته لـ 18 مرة، ما ينفي بشكل قاطع إمكانية حدوث خطأ من قبله في نقل اسم القلعة أو نقل مواصفاتها.

يبقى السؤال الأهم، أين هي قلعة بيفيرينا اليوم؟

حاول علماء الآثار وضع عدد من النظريات التي تخصّ موقع قلعة بيفرينا السابق، إذ يستحيل أن تكون القلعة قائمة دون أن يجدوها، ما يعني أنّها في حال وجودها إلى اليوم ستكون عبارة عن حطام وآثار. النظرية الأولى افترضت وجود بقايا القلعة تحت جبل تريكالا المذكور آنفاً، ولكنّ هذه النظرية تمّ نفيها بعد عمليات التنقيب التي فشلت في العثور على دليل يثبت وجودها، أمّا النظرية الأخرى فهي أنّ القلعة تقع على بعد جبلين من جبل تريكالا، وهو أمر يبحث فيه علماء الآثار في السنوات الأخيرة، ولكن دون أي أثر حقيقي للحل. يبقى الخيار الأخير الوارد المتمثل في أنّ قلعة بيفيرينا في الواقع هي واحدة من بنات خيال المؤرخ هنري، وأنّه لم يكن في النهاية يمتلك هذه المصداقية التي تؤهله لنقل التاريخ بأمانة إلى الأجيال القادمة.

Mostafa Musto

طالب طبّ وكاتب محتوى، مهتمّ بالمجالات العلمية والثقافية والفنّية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى