منوعات

فرديناند ديمارا؛ “المحتال الأعظم” الذي خدع السلطات الكندية والأمريكية لسنوات

لربّما شاهد كثير منّا تحفة ليوناردو ديكابريو الشهيرة “Catch Me if You Can”، والتي روت قصّة فرانك آباجنيل جونيور، المحتال الذي انتحل صفة طيار وزوّر الشيكات لصالحه لسنوات قبل أن يتمّ القبض عليه. في مقالنا اليوم سنبحث في قصّة زميل آباجنيل في مهنة الاحتيال؛ فرديناند ديمارا، والذي عمل خلال سنوات حياته في أعمال متنوّعة كجرّاح ضابط في البحرية الكندية، باحث في أمراض السرطان، شريف مقاطعة، وأستاذ قبل أن يتمّ القبض عليه أخيراً، ليكون جوابه عن سبب قيامه بكل هذه الأعمال: “الاحتيال، الاحتيال المحض”. فلنأخذ نظرة في حياة فرديناند ديمارا؛ المحتال الكبير الذي سخر من السلطات الكندية والأمريكية على حدّ سواء.

الطبيب “جوزيف سير”

ولد فرديناند والدو ديمارا لعائلة أمريكية في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، وعاش سنوات حياته الأولى في الولايات المتحدة، قبل أن يقرر القيام بأكبر خدعة في حياته، حيث انتقل إلى كندا، وانتحل فيها شخصية طبيب كندي يعرفه يحمل اسم “جوزيف سير” ليتطوع تحت هذه الهوية في البحرية الملكية الكندية.

يبدو أنّ إجراءات التطوع لم تكن بتلك الصعوبة أو التدقيق، إذ نجح فرديناند ديمارا فيها بسهولة، ليلتحق بالبحرية الكندية بشكل رسميّ، حاملاً لقب الملازم الجراح جوزيف سير. لسوء حظّ ديمارا، فقد تمّ فرزه ليخدم في السفينة الحربية “HMCS CAYUGA”، والتي كانت متّجهة إلى جبهة كوريا المشتعلة بالحرب حينها، ولا تحمل على متننها جراحاً سواه.

أثناء أيامه الأولى نجح فرديناند في إجراء بعض العمليات البسيطة لطاقم السفينة، بل إنّه قام حتى بعلاج سنّ ربّان السفينة المتسوّس!

مع وصول السفينة إلى سواحل كوريا الجنوبية، بدأ المصابون بجراح خطيرة بالتوافد إليها، لينطلق مع ذلك التحدي الحقيقي للمنتحل ديمارا، ولكنّ المذهل في الأمر أنّه تعامل مع الجرحى بنجاح كبير، إذ أخرج رصاصة من صدر أحد المصابين، وقام بعملية بتر قدم لمصاب آخر.

أثارت “حرفية” ديمارا-أو “الدكتور جوزيف سير”- وإتقانه منقطع النظير لعمله إعجاب قائد السفينة بشكل كبير، ما دفعه لترشيحه لنيل ميدالية تكريم لقاء أعماله التي قدّمها، لتصل قصّته إلى الصحف المحلية في كندا، وتكتشف أمّ الدكتور جوزيف سير الحقيقي انتحال ديمارا لشخصية ابنها وتبلّغ عن الحادثة.

لم تشأ السلطات الكندية أن تتخذ إجراءات صارمة بحق فرديناند ديمارا، فقد قدّم أداءً طيباً في خدمتهم ضمن قوات البحرية رغم انتحاله لشخصية طبيب، لينتهي الأمر به في مركز لإعادة التأهيل، ودفع غرامة تعادل الرواتب التي استلمها أثناء خدمته، وترحيل إلى بلده الأصلي.

والسؤال الهام الذي يطرح نفسه: كيف استطاع ديمارا إجراء عمليات جراحية معقّدة للمرضى أثناء خدمته على متن سفينة “HMCS CAYUGA”؟

يعتقد المهتمّون بقضية ديمارا أنّ المنتحل الأمريكي كان يتمتع بذاكرة صورية ممتازة، ساعدته بالاعتماد على مراجع جراحية كان يملكها في النجاح بإجراء العمليات على مرضاه.

فرديناند ديمارا في الوطن مجدداً

بعد ترحيله إلى الولايات المتحدة، عمد ديمارا إلى تكرار انتحاله للشخصيات، فتنقل بين وظائف وشخصيات متعددة أهمها: باحث في علوم السرطان، محامٍ، شريف مقاطعة (قائد للشرطة)، وأستاذ في مدرسة؛ وهو الدور الأخير له، والذي أودى به للسجن ستة أشهر مع دفع غرامة، ليعتزل من بعدها ديمارا شغفه، ويقضي أيامه منتظراً ساعة موته.

حاز فرديناند ديمارا على فيلم شهير يروي قصّته بعنوان “The Great imposter”، صدر عام 1961. توفي ديمارا عام 1982 عن عمر يناهز 61 عاماً بعد حياة مليئة بالتزوير والمغامرات.

Mostafa Musto

طالب طبّ وكاتب محتوى، مهتمّ بالمجالات العلمية والثقافية والفنّية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى