لا شكّ أنّ التطور العلمي الكبير الذي توصل إليه الإنسان في القرون الأخيرة جعل الكثير من أمور حياته أسهل من ذي قبل، ومكّنه من النجاة من الكثير من الأمراض والأوبئة التي كانت قاتلة فيما سبق، لكن رغم ذلك لا تزال بعض الأشياء التي صنعها القدماء تتفوق بشكل واضح على ما نصنعه من نظائرها في أيامنا الحالية، وذلك يعود لعدّة عوامل، منها رغبة الناس حالياً في تخفيض النفقات، وتقليل الوقت اللازم للإنجاز، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير في كثير من الأحيان على جودة المنتج النهائي، ويمنح الأفضيلة للمنتج القديم عليه. في مقالنا اليوم سنلقي نظرة على عدد من الأشياء التي تفوق القدماء في صناعتها علينا بشكل واضح رغم الفارق الزمني الشاسع، فلنباشر:
الإسمنت
رغم التطور الكبير الذي وصل إليه الإنسان في مجال البناء خصوصا في السنوات المئة الأخيرة، إلّا أنّ الإسمنت الذي يستخدم اليوم يعتبر ضعيفاً إذا ما تمت مقارنته بالإسمنت الروماني، فالإسمنت الحديث قادر على الصمود لمئة عام فحسب، في حين أن الإسمنت الروماني صمد لأكثر من 2000 عام، والسبب في ذلك يعود للخلطة الممتازة للإسمنت التي استعملها الرومان، حيث كان يصنع من الحجر البركاني وعصير الليمون، ويجبل بماء البحر، الأمر الذي أكسبه صلابة وثباتاً مذهلَين.
التدفئة المركزية
في حين تخشى أوروبا اليوم على نفسها من برد الشتاء القادم نتيجة ندرة الغاز اللازم للتدفئة، كان الإغريق القدماء قد اخترعوا وسيلة ممتازة وعملية ليوفروا فيها الدفء داخل الجدران، خصوصاً جدران المعابد والحمامات العامة، وذلك من خلال تصميم أبنيتهم مع ممرات أسفل منها يسري عبرها الهواء الدافئ، والناتج عن نار كبيرة يتمّ إيقادها في غرفة مركزية للتدفئة. رغم بساطة هذه الفكرة، إلّا أنّها بقيت تعمل بشكل ممتاز لمئات السنوات، قبل أن تنهار الحضارة الإغريقية، وتأخذ معها هذا الإرث.
الورق المصري
في حين أن الورق المستخدم اليوم تتم صناعته بكميات هائلة ليلبي حاجات مليارات المستهلكين، إلّا أنّه بكل تأكيد لا يملك نفس المتانة والصمود اللذين امتلكتهما الأوراق المصرية القديمة. صنع المصريون أوراقهم من نبات البردي، واستخدموا القصب للكتابة عليه. تميز الورق بكونه سميكا ومقاوماً للعوامل المخربة، إذ لا تزال بعض أوراق البردي صامدة إلى اليوم بعد أكثر من 5000 عام. يذكر أن بعض الورشات المصرية لا تزال تصنع ورق البردي للسياح إلى يومنا الحالي.
الحديد الدمشقي
تميّز أهل بلاد الشام في العصور القديمة بصناعة السيوف الدمشقية ذائعة الصيت، والتي كانت قادرة على قطع منديل طافٍ في الهواء، لكن ذلك ليس وحده ما كان يميّزها، إذ امتلكت السيوق الدمشقية مرونة وخفّة وزن مذهلة، حيث كانت قادرة على الانحناء حتى 90 درجة والعودة إلى وضعها الأصلي! للأسف، فقد ضاع سرّ صناعة السيوف الدمشقية، إلّا أنّ بعض الدراسات تشير إلى أنّ أنابيب الكربون المجهرية كانت هي السبب في هذه الصفات المذهلة التي اتسمت بها.
الطرق الرومانية
“كلّ الطرق تؤدي إلى روما.” هل فكّرت يوماً في أصل هذا المثل؟ تعدّ شبكة الطرق الرومانية إحدى أكبر إنجازات الإمبراطورية الأشهر تاريخياً، حيث تميّزت بجودة عالية، فمن المعروف أن الرومان بنوا طرقهم عبر عدّة مراحل، أولاها حفر الطريق، ثم رصف الأرضية بالحصى، ووضع ألواح من الحجارة فوقها لتسهيل مرور العربات والمشاة عليها. امتدت شبكة الطرق الرومانية لما يزيد عن 250 ألف ميل (400 ألف كيلومتراً) لتربط بين جميع أنحاء الإمبراطورية مترامية الأطراف، في إنجاز لم يسبق للبشر الوصول له في ذلك الحين. لا تزال أجزاء كبيرة من شبكة الطرق الرومانية تستخدم إلى يومنا الحالي، ما يثبت الجودة العالية التي اتسمت بها عملية إنشاء هذه الطرق.