كثيراً ما نسمع في الأفلام الأمريكية بالعديد من القتلة المتسلسلين المشهورين، كقاتل الـ Zodiac، أو جاك السفّاح، أو سفّاح تكساس ومنشاره الشهير، لكنّنا لم نسمع من قبل –غالباً- بالقاتل المتسلسل صاحب أكبر عدد ضحايا مسجّل في التاريخ، ألا وهو لويس جارافيتو، والذي نشط في دول أمريكا اللاتينية (كولومبيا-فنزويلا-الإكوادور)، وتجاوز عدد ضحاياه المؤكّدين 189 قتيلاً، رغم أنّ الضحايا غير المؤكّدين قد يرفعون الرقم ليصل إلى 400 ضحيّة! فمن هو لويس جارافيتو، وكيف كان يستدرج ضحاياه، وكيف تمّ القبض عليه؟ هذا ما سنعرفه في مقالنا اليوم
طفولة لويس جارافيتو الصعبة
ولد لويس جارافيتو في كولومبيا عام 1957، وهو الطفل الأكبر في عائلة مكوّنة من سبعة أطفال. تعرض لويس أثناء طفولته الباكرة إلى معاملة عنيفة من قبل والده السكّير، وعانى الأمرّين حتى قرر في عامه السادس عشر ترك العائلة والتنقّل ما بين المدن الكولومبية. عمل جارافيتو أثناء هذه السنوات في أعمال متعدّدة كعامل في المتاجر والمصانع، كما دخل في علاقة مع فتاة في هذه السنوات، ورغم أنّ هذه الفتاة كانت أمّاً لطفل، إلّا أنّ لويس لم يسئ معاملتها أو معاملة ابنها، وهو أمر مستغرب من جارافيتو الذي عرف عنه سرعة الغضب.
بدايات العنف وانقلاب الحال
من ينظر إلى مسيرة حياة لويس جارافيتو قبل عام 1992 لن يتوقّع أبداً أن يستحيل هذا الإنسان البسيط قاتلاً متسلسلاً سيء السمعة، حيث كانت حياته تسير على ما يرام، قبل أن يصاب بمشاكل إدمان على الكحول، لتبدأ تصرفاته العدوانية بالظهور، ويتزامن ذلك مع حدوث اضطرابات سياسية في بلده كولومبيا، سببت فقدان الكثير من الناس لمنازلهم وتشرّدهم في الشوارع.
استغلّ لويس جارافيتو حال البلاد، واستهدف الأطفال الذكور الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6-16 عاماً، حيث عمد إلى تقمّص شخصيات مختلفة كلّ مرة حتى يبعد الشكوك ويزيد ثقة الضحية به، فمرّة يدعي أنّه مزارع، وأخرى أنّه رجل عجوز، وأحيانا يرتدي ثوب القسيس، ليستدرج الضحية من خلال إعطائها هدية أو حلوى، أو أن يعدها بفرصة للعمل حتى يتمكّن من الاختلاء بها.
فضّل جارافيتو جعل ضحاياه يمشون لمسافات طويلة حتى ينال منهم التعب فينقضّ عليهم، ثم يقوم بتقييد أيديهم واغتصابهم وتعذيبهم، قبل أن يقوم بقتلهم بطرائق فظيعة وصلت في بعض الأحيان لقطع الرؤوس، حتى حاز في الإعلام المحليّ على لقب “La Bestia”، ويعني الوحش.
اصطياد الوحش
في أواخر عام 1997، عثرت الشرطة الكولومبية على مقبرة جماعية أشعلت تحقيقات للبحث عن الجاني، ليعثروا بعدها بفترة وجيزة في فبراير من عام 1998 في مسرح جريمة آخر على ورقة مكتوبة بخط اليد، تحوي عنواناً لمنزل، لتهرع الشرطة بالوصول إلى الموقع المنشود، فتكتشف أنّه يعود لحبيبة لويس جارافيتو، ويجدوا في متعلّقاته الشخصية -التي أتاحت لهم حبيبته الوصول إليها- أدلّة جازمة تدين جارافيتو في العديد من جرائم القتل، وتضمّ صوراً لأطفال من ضحاياه قبل أن يقتلوا.
لم يكن إيجاد جارافيتو بهذه السهولة، فالمجرم لم يعرّج على منزل حبيبته منذ أشهر، ما دفع بالشرطة لمحاولات يائسة للترصّد له في الأماكن التي كان يكثر التواجد فيها، قبل أن يبتسم لهم الحظّ أخيراً، إذ صدر بلاغ بعد ذلك بأسبوع يفيد بالقبض على رجل بتهمة الشروع بالاغتصاب، حيث رآه رجل عجوز يتحرش بطفل مشرد، ليتصل بالشرطة فتأتي وتلقي القبض عليه.
الاعتراف والحكم
لم يصمد جارافيتو أمام التحقيق طويلاً، إذ اعترف بمسؤوليته عن مقتل 140 ضحية –لكنّه أدين لاحقاً بقتل 172، وتصل التوقّعات بعدد الجرائم غير المثبتة عليه إلى 400-، حيث ادّعى أنّه قتل كل ضحاياه حينما كان تحت تأثير الكحول، وأنّ “قوّة عليا” كانت تسيطر عليه أثناء ذلك.
أدانت المحكمة الكولومبية على لويس جارافيتو بثبوت قتله لـ 172 ضحية، وحكم عليه بالسجن لـ 40 عاماً فقط –الحدّ الأعلى لسنوات السجن في كولومبيا-، ثمّ تمّ تخفيف الحكم لـ 22 عاماً فحسب، الأمر الذي أثار غضباً في الأوساط الشعبية الكولومبية.
يعيش الآن لويس جارافيتو في السجن بمفرده بمعزل عن باقي السجناء، حيث يعاني من الشكّ والخوف المستمرّ بأن يموت مسموماً، فيما صرّح الحرّاس العاملون معه بأنّه يملك سلوكاً ممتازاً وهادئاً، وتعاملاً مثالياً مع الحراس.