يقسم طلاب الطب حين تخرّجهم منذ زمن أبي الطبّ أبقراط قسماً يحوي العديد من القيم والمبادئ الأخلاقية لممارسة المهنة الطبّية، من أهمّها “ألّا يؤذي الطبيب مريضه”، ولكنّ الأدب الطبّي رغم ذلك يشهد على العديد من الممارسات الطبّية التي خالفت هذا المبدأ بشكل فظيع نتيجة جهل مستخدميها. في مقالنا اليوم سنستعرض عدداً من أكثر التقنيات العلاجية شذوذاً، والتي استخدمها الأطباء سابقاً بشكلٍ روتيني لـ “مداواة” مرضاهم.
إسالة الدماء:
شاع منذ القدم لدى الأطباء الاعتقاد بأنّ الأمراض غالباً ما تكون نتاج دمٍ فاسد، وعليه فإنّ العلاج في كثير من الأحيان اقتضى إسالة بعض الدماء من المرضى بغية تحقيق الشفاء. يعتقد أن هذه الممارسة بدأت لدى السومريين والمصريين، ومنهم انتقلت لاحقاً إلى الإغريق والرومانيين الذين استخدموها بشكل أكبر. اعتقد كبار الأطباء الإغريق -ومنهم أبقراط نفسه- أنّ جسم الإنسان مكون بالأساس من 4 عناصر هي: المادة الصفراء والمادة السوداء واللمف (البلغم) والدم، وأنّ أي مرض يصيب الإنسان ناتج بالأساس عن اختلال توازن هذه العناصر، وبالتالي فكان التشخيص الأول لأي مرض يواجههم كالحمى وغيرها هو زيادة عنصر الدم على باقي العناصر، والحلّ الأول في بالهم هو فصد (إراقة) هذا الدم الزائد. بقي هذا الإجراء متّبعاً بشكل كبير حتى القرن التاسع عشر، حينما استنتج الأطباء أنّ الضرر الناتج عن هذا الإجراء هو أكبر بكثير من نفعه بالنسبة للمرضى، ولذلك فقدت هذه التقنية شعبيّتها شيئاً فشيئاً، إلّا أنّها ما تزال تستخدم بشكل نادر في بعض الحالات القليلة، وفي الطب الشعبي.
ثقب الجمجمة:
يعتقد أنّ ثقب الجمجمة هو أول إجراء جراحي عمد الإنسان إلى استخدامه منذ 7 آلاف عامٍ خلت، وعلى الرغم من أنّ العلماء لم يستطيعوا تحديد كيفية بدء البشر باستخدام هذا الإجراء بشكل قاطع، إلّا أنّهم وضعوا عدداً من النظريات، منها أنّ البشر استخدموه سابقاً كطقس شعائري لاستخراج الأرواح الشريرة التي كانت تسكن المرضى في نظرهم، بينما يعتقد علماء آخرون أنّه استخدم منذ البداية كإجراء طبّي لعلاج أمراض متعددة كالصرع والصداع والخرّاجات، واستخراج شظايا العظام الناتجة عن كسور الجمجمة. المذهل أنّ الآثار تظهر نسب نجاة جيّدة بين المرضى الذين تمّ إجراء هذا النوع من التداخلات عليهم.
العلاج بالزئبق:
من المعروف أنّ الزئبق يعتبر من المعادن السامّة بشكل كبير للإنسان، إلّا أنّ الأطباء تاريخياً عمدوا إلى استخدامه بشكل كبير في العديد من الحضارات، فمن بلاد فارس القديمة واليونان إلى الصين، استعمل البشر الزئبق بأشكال مختلفة لعلاج العديد من الحالات، وبغية اكتساب فوائد صحيّة منها إطالة العمر وزيادة الحيوية والنشاط (خصوصاً في المجتمع الصيني)، ولعلّ أهمّ ضحايا هذا الإجراء العلاجي هو الإمبراطور “كين شي هوانغ”، والذي توفّي بعد وقت قصير من تناوله لحبّة دواء مصنوعة من الزئبق، كانت الغاية منها جعله إنساناً خالداً. استمرّ العمل بالعلاج بالزئبق حتى بدايات القرن العشرين، حيث استخدم في أوروبا لمعالجة الأمراض المنقولة جنسيّاً، وعلى الرغم من ادّعاء الأطباء بقدرته على شفاء المرض، إلّا أنّ معظم المرضى كانوا يموتون بسبب الفشل الكلوي والكبدي الناجم عن التسمم بالزئبق.
مراهم من روث الحيوانات:
امتلك المصريون القدماء معارف طبية بالغة التطور بالنسبة لعصرهم، كما تمتّعوا بأطبّاء أخصائيين بتشخيص أمراض محدّدة بدلاً من الأطباء العامّين، إلّا أنّ معارفهم الدوائية كانت تحتوي بعض الأمور الغريبة، حيث استخدموا دم السحالي، الفئران الميتة، الطين والخبز المتعفّن كمراهم للعديد من الأمراض، إلّا أنّ أكثر الأدوية التي استخدموها إثارة للتقزّز كانت البراز البشري والحيواني، حيث عثر في مخطوطة إيبوير التي تعود لعام 1500 قبل الميلاد على ذكر للعديد من “الفوائد العلاجية” لروث حيوانات عديدة كالحمير والغزلان والكلاب في علاج الأمراض. رغم أنّ المرضى كانوا في بعض الأحيان يموتون نتيجة إصابتهم بالكزاز، إلّا أنّ الأبحاث العملية الجديدة أثبتت احتواء الفلورا (الجراثيم المتعايشة في أمعاء الحيوانات) الموجودة في براز بعض هذه الحيوانات على مضادات حيوية ساعدت في الشفاء من الأمراض.