يحفل تاريخ الرايخ الثالث الألماني بالعديد من محاولات اغتيال القائد النازيّ الأشهر، أدولف هتلر، حيث سجّل المؤرّخون قرابة 22 محاولة اغتيال، 6 منها على الأقل اقتربت من تحقيق هدفها، لكنّ عملية واحدة من هذه العلميات (عمليّة فالكيري الشهيرة) كانت الأكثر تنظيماً، والأقرب لتحقيق هدفها، لولا تدخّل الحظ بشكل حرف مسارها بشكل كلّي. في مقالنا اليوم سنشرح تفاصيل عملية فالكيري التي حاول فيها عدد من القادة الألمان منح أمل أخير لألمانيا قبل أن يتمّ تدميرها بالكامل من قبل الحلفاء المنتصرين، فلنباشر:
التخطيط لعملية فالكيري :
عزم قادة ألمان من مستوى رفيع أمرهم، من الواجب عليهم أن يقوموا بقتل الزعيم النازيّ هتلر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بلادهم، وإطفاء أتون حرب بقيت تشتعل لـ 5 سنوات حتى ذلك التاريخ، حيث خطّط كل من العقيد كلاوس فون شتاوفنبرغ (قائد في الجيش الاحتياطي الألماني) بالإضافة إلى الجنرال أولبريخت، وعدد من المتعاونين معهم، لتفجير مقرّ اجتماعات هتلر بغية قتله، ثمّ السيطرة على مباني الدولة الرئيسية في برلين، واعتقال قادة النظام النازي، وإعلان انقلاب شامل ينهون من خلاله الحرب على الفور، وتمّ تحديد تاريخ العشرين من يوليو من عام 1944 موعداً للتنفيذ.
ساعة الصفر:
توجّه العقيد كلاوس فون شتاوفنبرغ؛ والذي كان منوطاً بتنفيذ عملية زرع القنبلة بنفسه، إلى مقرّ اجتماع هتلر مع ضبّاطه، والذي تمّ نقله في اللحظات الأخيرة من بيرتشسغادن إلى “عرين الذئب”، وهو موقع اجتماعات وإدارة خاص بهتلر يقع في راستنبرغ، بروسيا الألمانية. دخل العقيد شتاوفنبرغ قاعة الاجتماعات التي كانت تعجّ بقادة الجيش النازيّ، بالإضافة بالطبع لهتلر نفسه، حاملاً معه حقيبة تحوي القنبلة، ليضعها شتاوفنبرغ بكل هدوء على مقربة من مكان وقوف هتلر، ويهرع بالخروج من مقرّ الاجتماعات متوجّها للعاصمة برلين.
في تمام الساعة 12:42 دقيقة من ظهر ذلك اليوم انفجرت القنبلة داخل المخبأ، لكنّ ضابطاً من ضباط هتلر كان قد قام بتحريك الحقيبة حتى يتمكن من الاقتراب بشكل أكبر من الفوهرر ليستمع له بشكل واضح، وهو الأمر الذي أدّى لنجاة هتلر من الموت، رغم إصابته بجروح طفيفة وشلل مؤقت في ذراعه اليسرى، حيث قام في اليوم ذاته بالاجتماع مع موسوليني، وألقيا نظرة معاً على موقع الانفجار الذي لقي فيه 4 من كبار ضبّاط هتلر حتفهم.
محاولة إكمال العملية:
في برلين، كان الضباط المتواطئون مع شتاوفنبرغ قد شرعوا بتنفيذ جناحهم من عمليّة فالكيري ، حيث قاموا بالقبض على الجنرال فروم (قائد الجيش الاحتياطي)، بالإضافة إلى السيطرة على مقرات الحكومة الألمانية ووسائل إعلامها بقوّات الجيش الاحتياطي. أطلق الضباط المنقلبون لاحقاً سراح الجنرال فورم ظنّاً منهم أنّه انضمّ إليهم في مسعاهم، ليقلب الطاولة عليهم، ويقوم باعتقال عدد كبير منهم، وإفشال العملية على جبهة العاصمة.
نتيجة العملية “فالكيري”:
تمّ إعدام كلّ من كلاوس فون شتاوفنبرغ والجنرال أولبريخت في يوم العملية ذاته، وتتبّع هتلر امتدادات عملية فالكيري بحثاً عن الضباط والشخصيات المناوئة لحكمه عبر ألمانيا وصولاً إلى فرنسا المحتلّة، ليتمكّن في النهاية من اعتقال ما يزيد على 7000 شخصية ألمانية (منهم قس الكنيسة الإنجيلية ديتريتش بونهوفر)، لقي 5000 منهم حتفهم، إمّا بالإعدام أو بإقدامهم على الانتحار، وأحكم هتلر سلطته على الجيش الألماني بشكل مطلق عقب هذه العملية، مانعاً أي محاولات انقلاب حتى اليوم الأخير من حكمه مع سقوط العاصمة برلين.
تمّ إنتاج فيلم هوليوودي يحكي تفاصيل العلمية عام 2008، من بطولة توم كروز بدور العقيد شتاوفنبرغ، يحمل اسم العملية “Valkyrie”.