تزخر كتب التاريخ بقصص المخادعين، على سبيل الطرفة تارة، أو على سبيل الجدّ تارة أخرى، كقصة فيكتور لاستينغ الذي حاول بيع برج إيفل لتجار الخردة (إقرأ المزيد: فيكتور لاستينغ؛ المخادع الأكبر الذي باع برج إيفل. ). بطل قصة اليوم رجل إنجليزي ضاق ذرعاً بحكم الملك إدوارد الثاني، فحاول سرقة عرش إنجلترا خلال العصور الوسطى عن طريق الاحتيال، لكنّه فشل في ذلك فشلاً ذريعاً، فلننظر التفاصيل:
مقدّمة تاريخية:
بحلول عام 1318، كانت شعبية ملك إنجلترا إدوارد الثاني آخذة في التراجع بسبب حكمه الجائر، وهزيمته في حربه العبثية مع إسكوتلندا، حيث بدأت الأصوات المعارضة تتعالى شيئاً فشيئاً، حين خرج رجل من أوكسفورد، وادّعى أنّ العرش الملكيّ حقّ له، كان هذا الرجل هو جون ديدراس، أو جون باوردام كما كان يطلق عليه.
الادّعاء بأحقيّة العرش:
وصل جون ديدراس إلى قصر بومونت الملكي في أوائل عام 1318، وادّعى أحقيّته بالعرش، وأنّه الملك الحقيقي لإنجلترا، وبرّر ذلك بأنّه يشبه الملك إدوارد، فكلاهما طويل وحسن المظهر، لكنّ إحدى أذني جون كانت مقطوعة، وهو أمر خالف الملك فيه.
فسّر جون لاحقاً أحقّيته بالعرش بأنّه أثناء لعبه في طفولته في حديقة القصر، قام خنزير برّي بالهجوم عليه وقضم أذنه، ولذلك قامت الخادمة الملكية -خوفاً من عقاب الملك- باستبدال جون بطفل آخر (الملك الحالي وفق تبريره)، على حين تمّ إرسال جون ليتمّ تربيته عند عائلة الطفل الذي كبر لاحقاً ليصبح الملك. عاش جون في هذه العائلة الفقيرة، بينما عاش ابن العائلة الفقيرة في القصر الملكي، وبرهن على ذلك بأنّ ابن العائلة الفقيرة (الملك إدوارد) لم يكن من محبّي الاحتفالات الملكية والأجواء الفاخرة، بل كان يفضّل الموسيقى والاحتفالات الشعبية، بالإضافة إلى أنشطة غريبة على عادات العائلة المالكة كحفر الخنادق والزراعة. حتى يقوم ديدراس بإقناع النّاس بادّعاءه، قام بدعوة الملك للقتال في منافسة على العرش، لتبدأ الإشاعات من هناك بالانتشار إلى باقي أنحاء إنجلترا.
النهاية المريرة:
تم القبض على جون ديدراس أخيراً من قبل جنود الملك الذي استدعاه شخصيّاً لمقابلته، حيث أعاد جون إهانته للملك مرة أخرى، وأكّد على أنّ الملك هو في الأصل ولد لعائلة فقيرة، وتحدّاه مجدداً للمنازلة، فكان ردّ الملك إحالته للمحاكمة بتهمة التحريض، اعترف فيها جون بأنّ قصّته ما هي إلا عبارة عن كذبة اختلقها، ودفعه لذلك قطّه الأليف، والذي أقسم جون على أنّ الشيطان متجسد فيه، حيث وسوس له بذلك أثناء نزهة لهما في حديقة كريست شيرش ميدو في أوكسفورد. تمّ إثبات التهمة على كلّ من جون وقطّه، وتمّ إعدامهما شنقاً، وإحراق جثة ديدراس بعد موته.
ماذا يقول المؤرخون؟
يجمع المؤرخون اليوم على أنّ جون ديدراس كان يعاني من مرض عقليّ، وعلى أنّ قصته مختلقة بالفعل، لكنّها دليل هامّ اتّخذه المؤرخون على السخط الشعبي المتنامي في ذلك الحين على الملك إدوارد الثاني، وفترة حكمه السيئة. يعتقد أنّ هذه الحادثة أثّرت نفسياً بشكل كبير على الملكة إيزابيلا (زوجة الملك إدوارد)، حيث شعرت بالإهانة الشديدة من الموقف الذي حصل.