نقترب اليوم من مرور عام على وفاة الرجل صاحب أكبر خدعة في تاريخ الاقتصاد الأمريكي؛ بيرني مادوف، الرجل الذي أقنع آلافاً من الأشخاص والمؤسسات بقدرته على تحقيق الربح الكبير والمضمون من خلال استثماراته في سوق الأسهم الأمريكية، ليجعله ذلك أحد أكبر المؤثرين في وول ستريت والبورصة الأمريكية، قبل أن يتم كشف خدعته والقبض عليه تزامنا مع وقوع أزمة العام 2008 الاقتصادية الكبرى، بعد نجاحه لسنوات بخداع الناس وسرقة أموالهم التي وصلت قيمتها إلى 64 مليار دولار. أثّر مادوف بشكل كبير في الشارع الأمريكي ووسائل إعلامه، حيث تم إنتاج فيلم تلفزيوني من قبل شبكة HBO يحكي قصته بعنوان Wizard of Lies من بطولة روبرت دي نيرو بدور بيرني، فمن هو بيرني مادوف، وكيف استطاع الوصول إلى ما وصل إليه؟
العودة بعد كل انكسار:
ولد بيرني مادوف في مدينة نيويورك الأمريكية لوالدين مهاجرين من أوروبا، ووضع خطاه الأولى في عالم المال والأعمال باكراً عام 1960، حين قام بتأسيس شركته التي تحمل اسمه، والمتخصصة في شؤون الاستثمار والبورصة. بمرور الوقت، أخذت شركة مادف تنمو بشكل مطّرد، وحجزت مكاناً هاماً في عالم المضاربة في بورصة نيويورك كأحد أهم الشركات المؤثرة على السوق من خلال التوفيق بين البائعين والمشترين للأسهم، ما أوصل بيرني إلى مكانة مرموقة كرئيس سوق أسهم ناسداك.
قدرة الشركة المذهلة على العودة كلّ مرة بقوة بعد تلقّي الضربات الاقتصادية أثار الريبة لدى السلطات المالية، حيث خضعت للتحقيق 8 مرات من قبل لجنة المضاربة الأمريكية دون الوصول إلى نتيجة تذكر، إذ لم يستطيعوا التغلّب على دهاء “ساحر الأكاذيب”. لكن لكل كذبة نهاية، وجاءت أزمة الكساد في عام 2008 لتسرّع وصول نهاية بيرني، حيث عجز عن سداد 7 مليارات دولار طلبها المودعون نتيجة عدم امتلاكه لمبلغ بهذا الحجم، على الرغم من أنّ حجم الاستثمارات المودع معه وصل إلى 64 مليار دولار!
قام بيرني بالاعتراف بالكارثة التي وضع نفسه فيها لابنه الذي سارع بإخبار السلطات. تضمّنت قائمة الذين وقعوا ضحية خدعة بيرني العديد من الشخصيات الأمريكية الشهيرة، منهم كيفين باكون، ساندي كوفاكس لاعب كرة السلة الشهير، ومؤسسة ستيفن سبيلبيرغ الخيرية “Wunderkinder”.
وصل أثر مادوف التخريبي إلى بنوك المملكة المتحدة، حيث خسرت شركة HSBC القابضة قرابة المليار دولار، كما كان ضمن قائمة الخاسرين أيضاً بنك سكوتلندا الملكي، مجموعة Man، بالإضافة إلى شركة نومورا اليابانية القابضة.
“اعتقدنا أنّه إله”:
لم تقتصر قائمة الخاسرين على الشركات والمؤسسات المالية الكبرى والأفراد الأثرياء، بل كانت الحصة الكبرى للخسارة من نصيب المستثمرين البسطاء، من معلمين ومزارعين وميكانيكيين، ناهيك عن العديد من المؤسسات الخيرية، “اعتقدنا أنّه إله، وضعنا كل ما نملكه أمانة بين يديه” وفق ما صرّحت به الحائزة على جائوة نوبل للسلام إيلي ويزل، والتي خسرت مؤسستها الخيرية أكثر من 15.2 مليون دولار نتيجة احتيال مادوف.
نهاية مأساوية:
أثناء محاكمته، اعترف بيرني مادوف بأنّه بدأ خدعته خلال سنوات التسعينيات، وأنّه كان موقناً من أنّها ستكشف في النهاية، “لا يمكنني التعبير عن كمية الندم التي تساورني حيال ما فعلته”، إلّا أنّ هذا الندم لك يكن ليكفّ المحكمة عن الحكم عليه بـ 150 عاماً من السجن.
في الذكرى الثانية لاعتقال والده، انتحر أحد أبناء مادوف، بينما مات الثاني بمرض السرطان عام 2014، أمّا هو فقد عانى في سنواته الأخيرة من مرض مزمن في الكلية، وحاول طلب إطلاق سراح مبكّر، إلّا أنّ طلبه قوبل بالرفض القاطع من قبل القاضي، ليموت بعدها بيرني مادوف بعام، معلناً بذلك نهاية إحدى أكبر المالية التي عرفها التاريخ الحديث.