حريق لندن الكبير ، الكارثة التي دمرت معظم العاصمة الإنكليزية وغيّرت وجهها للأبد.

تعرّضت مدينة لندن عبر تاريخها للعديد من الكوارث والأوبئة، لكنّ المؤرخين يجمعون على أنّ أكبر كارثة ضربت المدينة بشكل مباشر كانت بلا شكّ حريق لندن الكبير عام 1666، حيث تسبب الحريق بتدمير 13200 منزلاً، 87 كنيسة، قلب مدينة لندن المالي (The Royal Exchange)، وكاتدرائية سانت بول التي تعدّ من أهم معالم المدينة، كما سبب الحريق أضراراً وصلت لـ 10 ملايين جنيه إسترليني، في وقت كان دخل مدينة لندن الإجمالي لا يتعدى 12000 جنيه إسترليني فحسب! في مقالنا لليوم سنتحدث عن تفاصيل هذا الحريق الذي دمّر المدينة وتسبّب بإعادة إعمار القسم الأكبر منها من الصفر.

لندن عام 1666:

لم يكن الناس في ذلك العصر يعيرون تفاصيل السلامة من الحرائق اهتماماً كما هو الحال اليوم، حيث كانت المنازل في لندن مبنية من الخشب، يتمّ تغطيتها بالقار (وهو مادة قابلة للاشتعال)، وتبنى سقوفها من القش، ملتصقة بعضها ببعض دون تخطيط أو مسافات كافية فيما بينها، ما جعل هذه المنازل ترزح تحت خطر الاحتراق في حال تعرضت لأي شرارة صغيرة. عاش حوالي 350000 ألف نسمة في لندن في منازل كهذه حينها، حيث كانت المدينة من أكبر المدن الأوروبية، مكتظّة بالسكان والحيوانات الخاصة بهم، إذ كانت المدينة تحوي في كل منطقة حظيرة للحيوانات مليئة بالقش والعلف، الأمر الذي زاد الطين بلة. وكأنّ الأمور لا تكفي سوءاً، فقد تعرضت المدينة أيضاً إلى صيف حارّ أصابها بالجفاف، تسبب بندرة الموارد المائية في المدينة.

الحريق الذي غير وجه المدينة للأبد:

في الثاني من سبتمبر عام 1666، اشتعل مخبز صغير ليلاً بعد الإغلاق في القسم الشمالي من مدينة لندن وتحديداً في بودينغ لين، ادّعى مالك المخبز توماس فارينر أنه متأكد من إطفائه للنار في المخبز قبل خروجه منه، ومع ذلك، فبعد 3 ساعات فقط، كانت النيران قد انتقلت لمنزله. في بداية الحريق، لم يثر الأمر اهتمام الكثيرين، فهو أمر معتاد نوعاً ما، إلّا أنّه وبمرور الوقت بدأ الحريق بالانتشار بشكل كبير بمساعدة الرياح الشرقية التي كانت تهب على المدينة في تلك الليلة، حتى وصل إلى ضفاف نهر التمز (التايمز)، حيث كانت توجد مستودعات مملوءة بمواد سريعة الاشتعال كالزيت والشحم، الأمر الذي زاد الطين بلة ونقل حجم المشكلة إلى مستوى آخر. لحسن الحظ لم ينتقل الحريق عبر النهر إلى القسم الجنوبي من المدينة، لأنّ الجسر الواصل بين الضفّتين -وللسخرية- كان قد تعرّض للدمار سابقاً عام 1633 نتيجة احتراقه!

إطفاء الحريق:

في بداية الحريق، لم يعر المسؤولون في المدينة –وخصوصاً العمدة- الاهتمام الكافي لإطفاء الحريق، لكن وبمرور الوقت كانوا قد بدؤوا يحسون بفداحة الموقف، ولكنّ التقنيات التي اعتمدوها كانت غاية في البدائية والبساطة، وعاجزة عن إيقاف ألسنة اللهب المتنامية. في النهاية توصّلت البحرية الملكية البريطانية إلى حلّ جذري للمشكلة عن طريق موظّف فيها يدعى صامويل بيبس، والذي اقترح أن تقوم البحرية بتفجير كل المنازل الواقعة على خط انتشار الحريق المحتمل باستخدام مسحوق البارود، وذلك بعد إجلاء أهاليها منها. نجحت الفكرة بإيقاف انتشار الحريق، وخموده بعد ثلاثة أيام من الجحيم الذي دمّر المدينة عن بكرة أبيها، حيث توقفت النيران في الخامس من سبتمبر عام 1666، إلّا أنّ السجلات التاريخية تشير إلى بقاء الأرض غير صالحة للمشي فوقها لعدّة أيام بعد إخماد النيران من شدّة حرارتها!

Exit mobile version