وادي الموت هو حديقة وطنية أمريكية، يشتهر عنه كونه أكثر مكان حرارة في العالم، كما يعدّ الأكثر جفافاً والأخفض في أمريكا الشمالية. رغم كل تلك المزايا السابقة، إلا أنّ أكثر ما يشتهر عن وادي الموت احتوائه للصخور المتحرّكة، صخور تترك خلفها أثراً يمتد لمسافات واسعة. بقي الأمر غامضاً لعقود دون معرفة أي تفسير لهذه الظاهرة العجيبة، أو هكذا كان الحال على الأقل حتى تدخّل فريق من العلماء ليحاولوا فك شيفرة هذا اللغز الغامض، فماذا كانت النتيجة؟
صخور الوادي الهائمة:
متموضعاً على الحدود بين كاليفورنيا ونيفادا، تم اكتشاف وادي الموت كما يطلق عليه في عام 1933، تحدث فيه واحدة من أغرب الظواهر التي حيرت العلماء، ألا وهي الصخور المتحركة أو الهائمة، تتنوع هذه الصخور ما بين الحجارة الصغير التي تزن عدة مئات من الغرامات، إلى الجلاميد الكبيرة التي تزن مئات الكيلوغرامات، وعلى الرغم من أنّ أحداً لم ير حركة هذه الصخور بشكل مباشر، إلا أن آثار الحركة كانت ظاهرة، وتغير أماكن الصخور كان أكيداً واضحاً للعيان.
البحث عن تفسير علمي:
بحث العلماء في المواد الداخلة في تركيب الصخور، وتوصلوا إلى أنّها مكوّنة من الدولميت والصوان، وهي نفس المواد التي تتركب منها الجبال المحيطة بالوادي، حيث نشأت هذه الصخور من عوامل الحت والتعرية المستمرة لملايين السنوات على الجبال، ثم نحتت طريقها عبر الأرض الجافة مبتعدة عن الجبال التي نشأت منها .
تركت العديد من الصخور الكبيرة آثاراً تمتد لقرابة الـ 1500 قدماً في الأرض، مما يرجّح كون هذه الصخور قد سرحت بعيداً عن منشأها الأصلي بمسافة شاسعة. لاحظ العلماء في أثناء بحوثهم كون الصخور ذات القعر الخشن كانت قد تركت خلفها آثاراً مستقيمة، بينما الصخور ذات القعر ناعم الحواف كان مسارها يأخذ شكلاً أكثر حريّة، حيث كانت تتجول بشكل أكثر تموّجاً.
تمكّن العلماء في عام 2014 للمرة الأولى من رصد حركة الصخور، وذلك من خلال تركيب كاميرات تصور لفترات زمنية طويلة، ثم قاموا بعد ذلك بتسريع الفيديو لرؤية التغيرات الصغيرة على فترات زمنية طويلة. رجحت نتيجة البحث كون حركة هذه الصخور ناتجاً عن توازن ممتاز بين الجليد، الماء، والريح. في شتاء عام 2014، تهاطلت الأمطار في وادي الموت، وشكلت طبقة من المياه التي تجمّدت خلال الليل نتيجة البرودة الشديد، حيث تحولّت إلى طبقة واسعة من الجليد الذي لا يزيد ثخانته على عدة ميليمترات، إنّ تكسّر طبقات هذا الجليد وتجمّعها خلف الصخور بمساعدة من الرياح الشديدة أدّت إلى دفع الصخور وتحريكها بشكل بسيط إلى الأمام، تاركة خلفها هذا الأثر، وبذلك تمكّن العلماء من حلّ هذا اللغز الذي بقي سرّاً غامضاً يكتنف حجارة وادي الموت لعقود.
على الرغم من كشف سرّ هذه الصخور الهائمة، إلّا أنّ وادي الموت لا يزال يجتذب آلاف الزوّار سنوياً، بين زوّار مدفوعين بالفضول وحب الاستكشاف، وعلماء متعطشين للبحث في الظواهر الغريبة التي يحويها هذا الوادي الذي يصنّف معجزة طبيعية.