يعرف معظمنا ألاسكا، الولاية الأمريكية رقم 49 من حيث تاريخ الانضمام إلى البلاد، وأكبر الولايات الأمريكية من حيث المساحة بـ 1.7 مليون كيلومتر مربع، وإحدى أغنى الولايات بالموارد الطبيعية، كالنفط والغاز والأسماك، وأكثر الولايات الأمريكية خضرة؛ حيث تحوي مساحات شاسعة من الغابات العذراء التي لم يصل إليها البشر. هذه الولاية كانت في الأصل أرضاً روسية حتى منتصف القرن التاسع عشر، حين باعتها روسيا للولايات المتحدة الأمريكية مقابل 7.2 مليون دولار أمريكي، أو ما يعادل اليوم 113 مليون دولار حسب معدلات التضخّم الحالية، فكيف حدثت هذه الصفقة بالغة الغرابة، وما هي خلفياتها؟ هذا ما سنقوم في مقالنا هذا بكشف النقاب عنه، تابعوا معنا:
المراحل الاستكشاف الأولى:
في نهايات القون السادس عشر قرر الأباطرة الروس أنهم بحاجة للتوسع وزيادة مساحة إمبراطوريتهم في جميع الاتجاهات، فالإمبراطورية الروسية في ذلك الوقت كانت لا تشكل سوى جزء صغير من الامتداد الذي تقع عليه اليوم، حيث شرعوا بالتوسع شرقاً في الأراضي السيبيرية التي كان يسيطر عليها خانات المغول أحفاد جنكيز خان، وخلال 60 عاماً تمكنوا من الوصول إلى شواطئ المحيط الهادي. بدأت الإمبراطورية الروسية في السعي لاكتشاف الأراضي التي تقع شرق المحيط، حيث أرسلت في بدايات القرن الثامن عشر عام 1727 بعثة استكشافية بقيادة القبطان البحري الأعلى فيتوس بيرينغ، وتوصلت الرحلة في النهاية إلى اكتشاف مضيق بيرينغ الذي يصل بين أقصى شمال شرقي آسيا مع أقصى شمال غربي أمريكا الشمالية في آلاسكا، وسرعان ما تمّ إعلان الأراضي في آلاسكا أراضٍ روسية، واستمرّ امتداد الروس في السيطرة على الأراضي في القارة الأمريكية الشمالية حتى وصل في ذروته إلى شمالي ولاية كاليفورنيا الأمريكية قبل أن ينحسر مجدداً.
الأسباب والدوافع:
تكاثرت الديون على الإمبراطورية الروسية خصوصاً بعد منتصف القرن التاسع عشر، مع انتهاء حرب القرم التي خلّفت آثاراً فادحة على الاقتصاد الروسي، كما أن الصعوبات اللوجيستية التي حالت بين الثروات التي كانت تنتجها المستعمرات الروسية في آلاسكا والوطن الأم في روسيا، والمسافات الشاسعة التي تفصل بينهما، والمقاومة الشرسة للسكان الأصليين في آلاسكا للسياسات الجائرة التي كانت المستعمرات الروسية تفرضها عليهم، كلّ هذه الأسباب دفعت روسيا للتفكير بشكل جدّي في بيع آلاسكا لمن قد يدفع الثمن الأعلى.
عملية البيع:
حاولت الإمبراطورية الروسية بيع آلاسكا للولايات المتحدة الأمريكية في بداية ستينيات القرن التاسع عشر، إلا أن الحرب الأهلية الأمريكية حالت دون ذلك، لذلك حين وضعت الحرب أوزارها هرع الروس ممثلين بالبارون إدوارد دي ستويكل عبر الوسيط الأمريكي الصحفي والسياسي ثورلو ويد بالتواصل مع الجانب الأمريكي الممثل بوزير الخارجية في عهد كلّ من إبراهام لينكولن و جونسون الوزير ويليام سيوارد، وبعد مباحثات استمرت قرابة الـ 10 أيام في شهر مارس من عام 1866 خرج الطرفان باتفاق على بيع الأراضي الروسية في آلاسكا مقابل 7.2 مليون دولار، أي ما يعادل سنتين للفدان الواحد فقط!
نتائج الصفقة:
بعد إبرام الصفقة ظهرت العديد من الأصوات الأمريكية المعارضة لها، حيث اعتبرتها بعض الصحف “صندوق ثلج سيوارد” و “حماقة سيوارد”، ولقيت بالإضافة لذلك معارضة عدد من أعضاء الكونغريس، لكن الصفقة تمّت في النهاية. وضعت آلاسكا فترة من الزمن تحت الإدارة العسكرية الأمريكية لفترة من الزمن، قبل ان يستلم الحكم إدارة مدنية أمريكية في عام 1884. غادر معظم الروس المستعمرات في آلاسكا، ومنح من بقي منهم خيار حيازة الجنسية الأمريكية. تم اعتبار آلاسكا الولاية الأمريكية الـ 49 عام 1959 بعد أن كانت تعتبر مقاطعة أمريكية قبل ذلك التاريخ.