الطموح البشري لا حدود له، درس لا يمكن إنكاره علّمنا إياه التاريخ، بدءاً من الأهرامات، ثمّ سور الصين العظيم، وصولاً إلى الاكتشافات العلمية التي جعلت ما كان ضرباً من الخيال قبل 50 عاماً أمراً أساسيا في حياتنا اليومية الآن كالشبكة التي تصل كل جهاز إلكتروني على وجه الأرض: الإنترنت.
بطل قصتنا اليوم، المهندس الألماني “هيرمان سورجل”، وصل بالطموح البشري إلى مستوى آخر تماماً حيث كان هدفه تغيير كامل جغرافية قارتين، والبحر المهول الواصل بينهما، تعالوا نتعرّف على هذا المشروع الذي وُصِف بالمستحيل.
بداية المشروع:
بدأت فكرة المشروع تداعب ذهن المهندس هيرمان بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، إذ فكًر بطريقة تزيد فيها الموارد وتسهل وصولها إلى القارة العجوز، رغبةً في إخماد نيران الغضب في نفوس الدول الأوروبية المتناحرة، ومحاولة منه لدرء بوادر الحرب التي من الممكن أن تنشأ في المستقبل -وهو ما حصل للأسف-.
كان أول تقديم للمشروع عام 1928، واستمرّ صاحبه بتقديمه في كلّ محفلٍ علمي أو سياسي على مدار عقد كامل، إذ حاول عرض المشروع في نيويورك قبل الحرب العالمية الثانية بأشهر عام 1939، كما قدّمه لهتلر في وقت سابق، إلا أنّه لم يكن مهتمّاً بالتوسع تجاه البحر المتوسط، فقد كان يرى أن على الأوروبيين التوسع باتجاه روسيا ذات الأراضي الشاسعة الخصبة.
آلية التنفيذ المقترحة:
كانت فكرة المشروع طموحة لدرجة الخيال، إذ كانت تقوم على عدد من السدود أولها بطول 35 كيلومتراً ، وبعرض أساس يبلغ 2.5 كيلومتراً، يسدّ به مضيق جبل طارق بين إسبانيا والمغرب، مع أبراجٍ على طول السد بارتفاع 400 متر لكل برج، سيلزم لبناء مثل هذا السدّ حوالي 200000 عامل، وهو رقم أقرب للمستحيل، خصوصاً أن أعمال البناء ستستمرّ لعدة سنوات، مما يعني تكاليف بناء هائلة لهذا المشروع.
أما السدّ الثاني فسيكون ممتداً بين تونس، وجزيرة صقلية الإيطالية، والثالث على مضيق البوسفور، مع إغلاق قناة السويس بسد رابع، وإنشاء شبكة واسعة من الطرق السريعة، وسكك الحديد الجديدة، والأهم من ذلك كله، آلاف الكيلومترات من الأسلاك الكهربائية عالية الجهد لنقل التيار الكهربائي الذي سيتم توليده في هذه السدود العملاقة، كما سيتم حفر المئات من القنوات المائية لإعادة وصل المدن الساحلية بالبحر حيث ستبتعد عنه مسافات شاسعة بمتوسط 30 كيلومتراً بعد جفاف 20% من كمية المياه فيه.
الفوائد التي كان يرجوها “هيرمان”:
كان المشروع ينطوي على مكاسب عديدة على عدة أصعدة للقارة الأوروبية خصوصاً، بدءاً من تسهيل وصول المعادن والمواد الأولية من إفريقيا إلى أوروبا بكميات أكبر وبوسائل أسرع، وصولاً إلى إنتاج كميات مهولة من الطاقة الكهرومائية بواسطة السدود العملاقة، حيث سيكفي السد الذي كان من المفترض إقامته على مضيق جبل طارق كامل احتياجات أوروبا من الكهرباء سنوياً، حيث ستبلغ الطاقة المتولدة من السدود 1000000 ميغا وات.
بالإضافة لذلك سيكسب حوض المتوسط مساحة خصبة إجمالية تبلغ 320000 كيلومتر، متوزعة على سواحل البحر نتيجة انحسار المياه بما مقداره 20% من كمية المياه الكليّة، كما أنّ تشكيل هذه القارة العملاقة الجديدة الغنية بالموارد والمصانع والطاقة سيساعدها في الوقوف في مواجهة نموّ القارة الأمريكية الشمالية وقارة آسيا، حتى أن الصحراء الكبرى سيكون لها نصيب من هذا المشروع، حيث كان من المفترض إقامة قنوات ريّ تسهم في استثمار مساحات واسعة منها، أو حتى تصريف جزء من مياه المتوسط إليها لتشكيل مسطحات مائية واسعة جديدة فيها.
نهاية حلم أتلانتروبا:
ألهمت فكرة القارة العملاقة هذه العديد من الأعمال الأدبية، منها رواية “أميديا” لكاتبها جون نيتل، والتي نشرت عام 1939.
لم ييأس “هيرمان سوجيل” من مشروعه مع مرور السنوات، إلا إن حلمه دُفِن معه عند وفاته عام 1952، و بذلك أغلقت صفحة حلم القارة العملاقة أشجع مشروع حلم الإنسان بتنفيذه مرة واحدة وإلى الأبد.