*تحذير! المقالة تحتوي على حرق
لتحقيق الأهداف في الحياة يسلك الناس طرقا مختلفة و يتوسلون بأدوات متباينة و يستعملون استراتيجيات مدروسة و يتخذون تدابير معينة…كله بديهي حد الآن، لكن أن يتم اعتماد العنف و القسوة و التجريح و جلد الذات لشحذ همة النفس و حملها على التجلد و الصبر في سبيل تحقيق غاية من الغايات، يعتبر من الكاسرات للبديهيات…
فيلم ويبلاش (Whiplash) تم إخراجه سنة 2014 من طرف المخرج الأمريكي ذو الأصول الفرنسية Damien Chazelle، من بطولة J. K. Simmons بدور “تيرنس فليتشر” و Miles Teller بدور “أندرو نيمان”. الفيلم يحكي عن شاب ينضم لمعهد “شيفر” الموسيقي حاملا بين يديه حلمه في أن يصبح قارع طبول متميز، و يصادف أن يكون مدرب الفرقة الموسيقية التي تجمع نخبة المعهد هو رجل يدعى “فلتشر” يقرر خوض غمار المشاركة في مسابقة موسيقية تتبارى فيها كل المعاهد الموسيقية بالولايات المتحدة الأمريكية، و هذا كان مبررا كافيا و دافعا لكي يتخذ طريقة تدريس أقل ما يمكن القول عنها أنها قاسية.
يقتحم فلتشر حياة أندرو نيمان بشكل مفاجئ كما يظهر بغثة في صالة تدريبه في أول مشهد من الفيلم، فيقرر انتقائه وسط دهشة الجميع بما في ذلك نيمان، الذي يظهر و كأنه غير واثق بنفسه وخجول يكتفي بالعزف كموسيقي بديل و يآثر تقليب صفحات الموسيقي الرئيسي، هنا تبدأ معاناة صديقنا ذو التسع عشر سنة مع أستاذه الذي اختار التعذيب النفسي و التحقير دافعا لتحفيز تلميذه لاعتلاء القمة. الأمر لم يتوقف هنا بل تجاوز ذلك حتى تطاولت كف فليتشر لتصفع نيمان بعدما عجز عن تحديد ما إذا كان مسرعا أو بطيئا في الرتم، ولم تكن الصفعات مؤلمة بقدر ما ألمته الكلمات التي اخترقت صدره و سحقت قيمته امام زملائه…
لكن صديقنا رفض الاستسلام و خرج مسرعا وهو يكفكف دموعه متوعدا بتحويل تلك الكلمات المدمرة إلى نجاح يلوح به في الأفق و يجعله ذكرى خالدة.
استطاع نيمان تجاوز معظم العقبات بعدما تجند للتدريب و تسخير كل وقته لتطوير مستواه و التخلي عن كل ما يمكن أن يشوشه و ينغص عنه صفاء ذهنه بما في ذلك الحب، العائلة…إلى أن جاءت الضربة القاسمة التي جعلت كل قواه تخور و دفعت بعزيمته نحو الاستسلام، بعد جهد و كد كبيرين و بعد قطع أشواط طويلة من التدريب و الاستعداد للمسابقة، يقع عليه خبر اختيار زميله ليكون هو العازف كالصاعقة، دونما أدنى اعتبار من لدن فلتشر أو تقدير للتضحيات و الحوادث التي تعرض لها نيمان فقط ليكون في المستوى المطلوب، هذا كان كفيلا ليحبط و يخمد نار العزيمة في قلب صديقنا الذي قرر التوقف عن العزف و تخلص من كل ما يذكره بهوايته المخلوعة، كيف لا و قد تجرع الخليط المسموم المكون من الانهيارات و الخيبات و القلق العميق، الذي تفنن في صنعه معلمه فلتشر و دسه في دمه كما دسه لتلاميذ قبله ما دفع بعضهم للانتحار …غير أن فليتشر لم يرد لهذا السم أن يقبع و يتلاشى داخل نيمان و يصبح جزءا منه، بل قرر استئصاله من خلال دعوة نيمان للرجوع للعزف من مرة اخرى في فرقة فليتشر الجديدة…فوافق صديقنا على مضض، بيد أن غياب نيمان كل هذه الفترة لم يشفع له، فقرر معلمه معاودة تكسيره و تحطيمه امام الملء، لكن نيمان لم يرضخ لسطوة معلمه هذه المرة، تحداه فأثبت جدارته باستماته.