أظهرت أنتاركتيكا وسبقت قريناتها بأكثر من 300 عام، لغز خريطة بيري ريس المذهلة التي حيرت الباحثين

في أواخر عام 1929، كان باحث لاهوتي ألماني يدعى جوستاف ديسمان يعمل في إسطنبول في مكتبة قصر توبكابي، وأثناء تصنيفه لعدد من الأوراق القديمة والمعدة للتخلص منها، عثر على مخطوطة مرسومة على قطعة من جلد الغزال، حينما اقترب منها اكتشف أنّها خريطة قديمة، وعرف بالتمحيص فيها شيئاً فشيئاً أن ما بيده تحفة فنّية تعود لأكثر من 400 عام؛ تحفة ستحمل اسم خريطة بيري ريس، أخفت من الأسرار أكثر مما كشفته حين العثور عليها. فمن هو بيري ريس، وما هو سرّ خريطته الذي ميزها عن سائر خرائط عصرها؟ هذا ما سنعرفه في مقالنا لليوم.

بيري ريس أدميرال البحرية

كان بيري ريس (أو أحمد محيي الدين بيري) عاملاً في البحرية العثمانية، ترقّى فيها بالمناصب حتى وصل إلى لقب الأدميرال (القائد العام للأسطول العثماني)، وخلال أيام عمله فيه دأب على رسم الخرائط، حيث اعتمد في رسم خريطته الأشهر التي قدمها للعالم عام 1513 (خريطة بيري ريس التي عثر عليا ديسمان) على أكثر من 20 خريطة من حول العالم، منها 8 خرائط برتغالية، أربعة إغريقية، خريطة من رسم كولومبوس، وخريطة عربية، أي أنّه لم يكن يرسم بناء على مشاهداته الخاصة، وإنما يجمع المعلومات السابقة ويحاول الدمج بينها بأدق شكل ممكن وفق وجهة نظره.

أسرار خريطة بيري ريس

بالتدقيق في خريطة بيري ريس، وجد علماء الخرائط رسما دقيقاً لساحل أمريكا الجنوبية الشرقي، وهو مبني على خريطة كولومبوس، وهنا تكمن أول قيمة في خريطة بيري ريس، حيث أن خرائط كولومبوس القديمة كلها ضاعت، لتكون مخطوطة بيري ريس العائدة لعام 1513 أقدم خريطة تقدم المعلومات التي كانت في خريطة كولومبوس كما هي.

أمّا الأمر الثاني المثير للإعجاب -والأهمّ- في أعمال بيري ريس، هو وجود رسم دقيق نسبياً لقارة أنتاركتيكا في جنوب الخريطة التي رسمها، والمذهل في الأمر أن قارة أنتاركتيكا لم يتمّ اكتشافها بشكل فعلي إلا في عام 1820، أي بعد أكثر من 300 عام من رسم الخريطة الأصلية. التفصيلة الأهمّ والتي تجعل من الخريطة لغزاً كبيراً هي أن رسم قارة أنتاركتيكا كان مشابها جداً لشكل الأرض الصلبة للقارة دون الجليد الذي يغطيها ويحيط بها، وهو ما أثار فضول العلماء بشكل كبير، فشكل القارة الأجرد لم يتم تحديده إلا في القرن الماضي، واحتاج ذلك إلى تقنيات حديثة لم تكن موجودة لدى أبناء ذلك الزمان.

نظريات تفسير لغز بيري ريس

تعددت النظريات الساعية لتفسير لغز خريطة بيري ريس، كان أهمّها هو أن ما يظهر في الخريطة ليس فعلاً أنتاركتيكا، بل هو القسم الجنوبي للساحل الشرقي لأمريكا الجنوبية، وبالتحديد الأوروغواي والأرجنتين.

أمّا النظرية الثانية فتتمحور حول إمكانية وجود حضارة خارقة قديمة تعود لأكثر من 4000 سنة قبل الميلاد، كانت لديها الإمكانيات التي تجعلها قادرة على خوض غمار المحيطات، ورسم الخرائط للقارات والجزر المكتشفة بدقة بالغة، وأنّ إحدى المخطوطات التابعة لهذه الحضارة قد وقعت في يد بيري ريس، ولذا فقد تمكّن من رسم أنتاركتيكا دون غطائها الجليدي.

في ظلّ غياب القدرة على إثبات أي من النظريتين بشكل كامل، يبقى لغز خريطة بيري ريس معلّقاً إلى يومنا الحالي، دون أيّ جواب مؤكّد.

Exit mobile version