قصة دانيال كيش هي قصة قلبت الموازين العلمية وعبثت بالحقائق. لطالما سلم العلماء والباحثون، أن دوائر الدماغ قد خلقت في دماغ الإنسان مرة واحدة بطريقة دقيقة وثابتة، وأنه مع كبر الإنسان تبدأ في التدهور ببطء مع مرور العمر. لكننا بتنا نشهد أن هذه الحقيقة ليست بحقيقة بعد الآن، حيث بدأنا نتعلم كل يوم حقائق مثيرة جديدة عن قدرة الدماغ المذهلة في تشكيل مسارات واتصالات جديدة باستمرار، خاصة عندما يكون هناك ضرر أو تبدأ بعض الوظائف الدماغية بالفشل وفقدان قدراتها في مكان ما في الدماغ. ليس هذا فقط، ولكن تبين أن الإنسان قادر حتى على تغيير الدماغ حسب الرغبة.
حياة دانيال كيش تشهد على هذه الظاهرة العلمية الغريبة، من خلال استخدامه لقدرة دماغه الجبارة على التكيف مع العمى، حتى أصبح “يرى” بشكل ممتاز مثل الخفافيش والدلافين. وهو ما يثبت حقيقة أن بعض القدرات ربما تكون كامنة لدى كل إنسان، الذي يمكنه أن يسخر طاقاته العقلية الخامدة ليطلق العنان للإمكانات البشرية الخفية التي يمتلكها دون وعي منه.
كيف بدأ دانيال كيش رحلته الرائعة؟
فقد دانيال كيش عينيه بسبب السرطان، عندما كان يبلغ من العمر 13 شهرًا فقط. ولحسن الحظ ، لم تنزعج والدته من أصوات النقر المميزة التي بدأ يصنعها وهو طفل صغير. إذ سرعان ما أدركت أنه كان يوجههم عمدًا إلى ذلك العالم من حوله. ليتضح فيما بعد أن تلك النقرات كانت تعيد توصيل دماغه حتى يتمكن من استخدام شيء يسمى “Flash Sonar” لإنشاء صور ذهنية لمحيطه.
يقول دانيال كيش إن القدرة على استخدام هذا الموقع بالصدى تأتي من جذورنا التطورية، وإن الدافع إلى تحديد الموقع بالصدى متأصل فينا لدرجة أن معظم الأطفال الصغار المكفوفين سيبدأون تلقائيًا في تحديد الموقع بالصدى عن طريق إصدار إشارات أو استخدام الأصوات في البيئة. لكن الآباء والمعلمين عادة ما يرون أن سلوكيات تحديد الموقع بالصدى مثل النقر أو التصفيق أو الدوس على الأقدام هي مصدر إزعاج، وسرعان ما ينهون الأطفال عن القيام بها بدلاً من إعادة توجيه أو تحسين السلوك ليكون أقل فوضاوية وأكثر فاعلية. لكن ما لا يدركون أنه من خلال القيام بذلك ، فقد منعوا الطفل من استخدام تكيف طبيعي قوي يمكن لمعظم المكفوفين تعلم استخدامه ليصبحوا مستقلين مثل دانيال كيش .
لماذا رفض دانيال كيش استعارة “عيني” شخص آخر؟
أرادت والدة دانيال كيش من ابنها أن يعيش متمتعا بأكبر قدر ممكن من الحرية والاستقلالية، وكانت تعلم أنه إذا كان يجب على دانيال كيش الاعتماد على أخذ ذراع رفيقه ، فعندئذٍ سيكون مجبرا أساسًا بـاستعارة “عيني” شخص آخر ليمارس حياته. لكنها في المقابل أرادت أن يكون دانيال قادرًا على اتخاذ هذه الخيارات بحرية بنفسه، بدلاً من فرضها عليه بالقيود والاجبار. فتخيلا مستقبلًا مختلفًا ، وكانت النتيجة هي تطوير دانيال كيش قدرة هائلة على الرؤية، وتنقله حول العالم بمفرده لتدريس تقنيات تحديد الموقع بالصدى، وتأسيسه لمنظمة World Access for the Blind ، عام 2000 مع برنامج يسمى Visioneers.
رؤية ثاقبة لكن دون عينين
هناك 3 فقط من يستطيعون الرؤية عن طريق تحديد الموقع بالصدى: الخفافيش والدلافين، ثم دانيال كيش . إنه بارع جدًا في تحديد الموقع بالصدى لدرجة أنه قادر على قيادة دراجته الجبلية عبر الشوارع المليئة بإشارات المرور، وعلى مسارات ترابية شديدة الانحدار. بل أيضا يتسلق الأشجار، ويخيم وحده في البرية. لقد عاش لأسابيع في أكواخ، وهو حاليا يسافر حول العالم، إنه طباخ ماهر ، وسباح متعطش ، وراقص مرن.
يدعو دانيال كيش إلى الاستقلال التام وغير المقيد ، حتى لو تسبب له ذلك في جرح دموي أو كسر في العظام، (حيث كسر مرة في كعب قدمه اليسرى بعد أن قفز من صخرة وكسر اثنين من أسنانه). حيث انقسمت الآراء حول قصة دانييال كيش، فقد نظر إليه البعض بتبجيل وتشجيع كبيرين. أما آخرون ، فقد انتقدوه بشدة لعدم تقبله مصيره وتعريض حياته للخطر.
يدير كيش وجماعة من زملائه في العمل منظمة غير ربحية تسمى World Access for the Blind ، وجعل مقرها في منزله. وتقدم World Access تدريبًا على كيفية التفاعل بأمان مع بيئة المكفوف، باستخدام تحديد الموقع بالصدى كأداة أساسية. حتى الآن، انضم للمنظمة أكثر من 500 طالب، وللاشارة فإن دانيال كيش ليس أول شخص أعمى يستخدم تحديد الموقع بالصدى ، لكنه الوحيد الذي قام بتوثيق الطريقة بدقة ، ودراستها ومعرفة كيفية تعليمها. أما عن حلمه، فهو مساعدة جميع ضعاف البصر على رؤية العالم بوضوح كما يراه.