ملحمة جلجامش؛ قصة أول بطل خارق في التاريخ البشري

عام 1849، وأثناء تنقيب علماء الآثار الحثيث في آثار مدينة نينوى العراقية بحثاً عن تفاصيل في تاريخ المدينة الضارب في القدم، عثر أحد العلماء على ألواح طينية قديمة تعود لـ 4000 آلاف عام؛ ألواح جعلت مترجمها يقفز من البهجة والحماس حين قرائتها لما حوته من إرث قيّم، كان محتوى ذلك الألواح قيّماً بدرجة كبيرة، حمل واحدة من أقدم قصص الخيال القديمة، ألا وهي ملحمة جلجامش الشهيرة.

جلجامش ملك أوروك

حكم الملك جلجامش مدينة أوروك (الوركاء) والتي تقع في العراق حالياً، وكان حكمه هذا يتصف بالظلم والجور، ولذلك فقد قررت الآلهة عقاب جلجامش بإرسال منافس له يدعى إنكيدو، والذي عاش خارج جدران المدينة، بين الحيوانات المفترسة والمجرمين والأرواح الشريرة، قبل أن تغريه كاهنة من كهنة معبد عشتار، لتنبذه من بعدها الحيوانات الضارية خارج جدران المدينة، فيدخل المدينة ويرى تصرّفات ملكها جلجامش الشائنة.

تحدّى إنكيدو حينها جلجامش لقتال ليصدّه عما كان يفعله من ظلم وجور، فتقاتل الاثنان في شوارع المدينة، وكانا على قدر متقارب من القوة، ولكنّ جلجامش تفوّق على إنكيدو بشيء بسيط جعله يكسب القتال لصالحه.

تحوّلت هذه المنافسة ما بين إنكيدو وجلجامش إلى صداقة أقرب للأخوة، صرفت جلجامش عما كان يفعله بأهل المدينة، وتحول جلّ اهتمامه إلى المنافسة واستعراض القوة مع صديقه الجديد.

غضب الآلهة يقلب حياة جلجامش جحيماً

مع مرور الأيام، يحدث خلاف بين جلجامش والآلهة بعد رفضه اهتمام عشتار به وإعراضه عنها، لتقوم الأخيرة بلعن مدينة أوروك وإرسال ثور عملاق ليدمر المدينة ويقتل أهلها ويعيث فساداً في محاصيلها. ينجح جلجامش وإنكيدو في قتل الثور الكبير، لكنّ الآلهة تنزل غضبها عليهما، وتقتل إنكيدو، لينتقل من بعدها إلى “منزل الغبار”، وهو شكل العالم السفلي في معتقدات بلاد ما بين الرافدين القديمة، حيث يجثو القابعون فيه على ركبهم، يأكلون التراب ويشربون الصخور.

رحلة جلجامش للبحث عن الخلود

حزناً على رحيل رفيقه، ورغبة منه في الهرب من مصيره ذاته، يترك جلجامش موطنه بحثاً عن سرّ الخلود، فيمضي خلف جبال الكون بحثاً عن هدفه.

يقطع جلجامش مسافات شاسعة في رحلته، فيقابل أناساً أشبه بالعقارب، ويرى شجيرات من الجواهر، حتى يقترب من بحيرة الأبدية، والتي يقابل على ضفتها حانة، ليدخلها وتخبره الساقية فيها أنّ بحثه لا طائل منه، وأنّ الموت مكتوب على كل الفانين، وأنّ عليه الاستمتاع بكل لحظة طالما هو على قيد الحياة بدلاً عن التفكير بالخلود.

يترك جلجامش الحانة، ويعبر بحيرة الخلود ليصل إلى الرجل الخالد إتنابيشتو، والذي يخبره الكلام ذاته الذي أخبرته به الساقية، بأن الموت قادم للجميع، ولكنّ جلجامش يصرّ على موقفه، فيطلب منه إتنابيشتو أن يقهر النوم حتى تمنحه الآلهة الخلود، فيفشل جلجامش في ذلك، ثم يخبره عن نبتة عجيبة تمنح لحاملها الخلود، فيفشل جلجامش مرة أخرى في الحصول عليها، ليدرك أخيراً أنّ بحثه عن الخلود لا طائل منه، ويقتنع بكلام الساقية والرجل الحكيم، ويكتب قصّته على ألواح من الطين ويدفنها تحت أسوار مدينته حتى تقرأها الأجيال اللاحقة وتتعلّم من تجربته.

تقول كتب التاريخ أنّ جلجامش كان ملكاً فعلياً حكم مدينة أوروك قبل 4000 آلاف عام أو أكثر، ورغم أنّ القصة خيالية، إلا أنهّا تعتبر واحدة من أقدم الروايات في التاريخ، كما أنّ العبرة التي ترويها جعلت منها مصدراً لإلهام العديد من الأدباء والأفلام التي جاءت في العصور التي تلت.

Exit mobile version