يعود تاريخ أسلاف البشر الأوائل حسب العلماء إلى حوالي 6 ملايين عام حسب Smithonian، ويُرجح ظهور الإنسان العاقل منذ 300 ألف عام فقط. تغير الإنسان كثيراً وأصبح أكثر ذكاءً، وازدادت أعداده وازدادت معها مشاكله، ولطالما كان الشاغل الأكبر للإنسان فكرة الموت، وكيفية تجنبها بأي شكل من الأشكال. رغم ذلك، فالموت ما زال غامضاً في الكثير من جوانبه، وبالتالي فإن أسبابه وكيفية حدوثه وطريقة تجنبه ولو مؤقتاً لا زالوا محل نظر.
لدى الإنسان دائماً رغبة جامحة لأن يترك أثراً للأجيال القادمة ليستمر وجوده رغم فناء جسده عبر إحياء ذكراه، لذلك فإنه يحرص على ترك إرث يتداولونه بعد وفاته، ونيل الشهرة باختراع شيء مفيد للبشرية، أو بالحصول على شهادة علمية مرتفعة، أو بتكوين ثروة مالية هائلة. لكن كيف سيكون الموت بالنسبة للأجيال القادمة، هل ستتغير أسبابه؟ وهل ستقل وتيرته؟ والأهم هل سيزيد عمرهم؟ هذا ما سنقوم بسرده في مقالتنا.
الموت بالأمراض سيكون شيئاً من الماضي
قامت مراكز التحكم بالأمراض والوقاية الأمريكية بعمل إحصائيات للوفاة في الولايات المتحدة، وتوصلت في عام 2020 إلى أن أكثر مسببات الوفاة على الترتيب هي أمراض القلب والسرطان، ثم كورونا والحوادث، ويليهم السكتة الدماغية وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة، وبعدهم الزهايمر والسكري، وأخيراً الإنفلونزا والالتهاب الرئوي.
تحاول بعض المبادرات القضاء على أمراض القلب والسكتة الدماغية، ولكن ماذا عن باقي الأمراض؟ وفقاً لتقرير من CDC، فإن عدد كبار السن سيزداد بمقدار الضعف بحلول 2030، وهذا يعني أن أكثر الأمراض المسببة للموت في المستقبل تلك المزمنة والمرتبطة بكبر السن، ومنها السرطان والزهايمر والتهاب الكبد.
ما تأثير الاحتباس الحراري والتغير المناخي على أعداد البشر؟
نشرت National Geographic العام السابق تقريراً لبحث أُجري عن تغير المناخ الطبيعي في ست قارات و732 منطقةً حول العالم، وتوصل البحث إلى أن 37% من حالات الموت بارتفاع الحرارة مرتبطة بالتغير المناخي، وترتفع النسبة في بعض الدول مثل الإكوادور لتصل إلى 77%! كما أنه وفقاً لجامعة هاواي، فتوجد 27 طريقةً للموت بارتفاع الحرارة.
يتوقع علماء المناخ بجامعة شيكاغو أن معدل الوفيات المرتبطة بالحرارة سيستمر في الصعود ليتساوى مع معدل الوفيات بكورونا، وذلك نظراً لتوسع النشاط الصناعي الملوث للبيئة والمسبب للاحتباس الحراري، بالإضافة إلى عوادم السيارات، هذا إلى جانب اعتماد معظم دول العالم على توليد الكهرباء بالوقود الأحفوري، لذا فإن الوفيات بالحرارة ستكون أكثر شيوعاً مما هي عليه الآن.
يوجد تطبيق لكل شيء وليس الموت باستثناء!
من منا لا يعتمد على التطبيقات في شئونه الحياتية للتواصل وإدارة الحسابات البنكية والدفع الإلكتروني والعمل بل وتأدية العبادات؟ لا أحد تقريباً إلا ويستخدم بعضاً من هذه التطبيقات، ولكن هل استخدمت تطبيقات خاصة بالموت؟! ما قرأته صحيح، فقد نشرت The Guardian مقالةً عن أفضل تطبيقات الموت، منها Everest يساعد في التخطيط لجنازته ليقوم أحبابه بتنفيذها.
ليس هذا فحسب، فتوجد تطبيقات مثل SafeBeyond وظيفتها أيضاً ترتيب التركات وترك الوصايا، كما أنها تحدد ما الذي سيحدث لحسابات مواقع التواصل الاجتماعي، وإتاحة إنشاء نصب تذكارية خاصة بهم. حسب CNET، فإن تطبيقات الموت أصبحت أكثر عمقاً هذا العام، فتطبيق Breeve مثلاً يساعد المستخدمين في اتخاذ قرارات حول موتهم بالإجابة على أسئلة كمدى رغبتهم في أن يتذكرهم أحبابهم ومتى يكون شعورهم بحياتهم في ذروته.
سيتخطى متوسط عمر الإنسان المائة عام!
ازدادت الحالات المستثناة من متوسط الأعمار بشكل خرافي خلال الثلاثة عقود الأخيرة حسب منتدى الاقتصاد العالمي، حيث كان عدد الحالات عام 1990 حوالي 95 ألف حالة فقط، ومن المتوقع أن تبلغ 3.7 مليون بحلول عام 2050. إذاً كم سيبلغ عمر الإنسان؟ حسب Medical News Today فقد أجرت جامعة واشنطون بحثاً يتوقع أن يبلغ عمر الإنسان 130 عاماً بحلول عام 2100.
تحديد الحد الأقصى لعمر الإنسان، يعتمد على معدل تجدد الخلايا، فإذا استطاع العلماء إيجاد حل لتحلل الخلايا وتوقف تجددها، فإن المشاكل الصحية والأمراض الخاصة بكبار السن لن تكون سبباً لموت الإنسان. في محادثة مع عالم الأحياء Richard Faragher بجامعة برايتون، فإن أقصى عمر للإنسان هو 150 عاماً، وذلك اعتماداً على المؤشر الديناميكي لحالة الكائنات الحية.
سيقوم الأطباء بقتل المصابين بجروح قاتلة لكي يتمكنوا من علاجهم!
عندما يُصاب الشخص بجروح قاتلة، فغالباً ما تكون وفاته وشيكة حيث توجد عدة دقائق تفصل بين الحياة والموت يُتاح خلالها التدخل الجراحي لإنقاذه، وما الذي سيتغير في المستقبل؟ سوف يلجأ الأطباء لقتل المصاب مؤقتاً حتى يتمكنوا من علاجه!
وفقاً لمقالة نشرتها The New York Times، فإن الأطباء سيقومون بتخفيض درجة حرارة المصاب إلى 10 درجات مئوية، ثم سحب دمه واستبداله بمياه مالحة متجمدة بحيث يصبح المصاب كالدمية البشرية! هذه العملية تمنح الأطباء ساعة كاملة لإنقاذ المصاب قبل أن يحدث تلف للمخ مقارنةً بخمس دقائق فقط عند معدل أيض ودرجة حرارة الجسم الطبيعيين.
بعد الانتهاء من إنقاذ المريض وبدء تدفئته وسحب المياه المالحة وإعادة دمه، سيعود القلب للعمل ويبدأ المصاب في استعادة وعيه تدريجياً. يتم إجراء تجارب على الحيوانات مثل الكلاب والخنازير، وتشير الدلائل إلى إمكانية تطبيقها على البشر مستقبلاً، ورغم التساؤلات حول أخلاقية القيام بها وعن مدى وجود تشريعات تقننها، إلا أنها قد تكون إحدى أكثر الإنجازات الطبية نجاحاً.
الربط بين الجسم البشري والآلة: مرحلة ما بعد الإنسانية
صرح Ray Kurzweil رئيس قسم الهندسة بشركة Google أن الجسم البشري يشبه الآلة كثيراً، وفور أن يقوموا بفك شفرة عمل جسم الإنسان، سيكونون قادرين على صيانته من التلف. حسب Prevention، يقول Kurzweil بأننا سنصل عند نقطة ما إلى التفرد، بحيث يبقى وجودنا المادي على قيد الحياة إلى أجل غير مسمى.
يُعبر عما سبق بمصطلح ما بعد الإنسانية “Transhumanism”. وفقاً لما ورد عن Alexander Thomas في لقاءه مع The Conversation، فإن هذا المصطلح يشير إلى الرغبة في بناء إنسان أفضل بمساعدة التكنولوجيا، ويتمحور ذلك حول أربعة أشياء؛ تكنولوجيا النانو، التكنولوجيا الحيوية، تكنولوجيا المعلومات، والعلوم المعرفية. لكن ماذا يعني كل هذا؟
يدعي أنصار ما بعد الإنسانية أنه في المستقبل ستوجد روبوتات نانومترية تراقب صحة الإنسان وترصد أي مشكلة قبل أن تحدث، وأن أعضاءنا الحيوية ستندمج مع الحاسوب، وتلك البداية فحسب.
تناولت The Guardian في مقالة لها مصطلح ما بعد الإنسانية، وترى أن البشر قد يصلون لمرحلة الوجود الأبدي عبر تركيب الأطراف الاصطناعية المزودة بمستشعرات اللمس، وارتداء بذل تساعد على المشي والحركة، واسبتدال أجزاء الجسم التالفة مثل الأسنان والعظام والأعضاء الحيوية!
إن لم تستطع إبقاء الجسد حياً فدعه يموت ولنخلد ذكرى الشخص رقمياً
حسب ABC News، فإن Kurzweil يعمل على صنع صورة رمزية “Avatar” لأبيه المتوفى، وتزويدها بالمعلومات التي حصل عليها من الخطابات والصور والمستندات الخاصة بأبيه لإنشاء نسخة رقمية من وعيه تعرف تفاصيل حياته وتقوم بالتحدث مثله!
عام 2016، أشارت The Guardian في تقرير لها إلى شركة ناشئة تدعى Eternime، وتسمح الشركة للمستخدمين بتخزين بيانات عن أنفسهم بحيث تستخدم بعد وفاتهم في صنع روبوت دردشة “Chatbot” بحيث يقوم أحباء بالتحدث معه وكأنه نفس الشخص الذي توفى.
قد تظن أن ما تقوم به Eternime أشبه بالخيال العلمي، لكن يبدو أنك لا تعلم أن مؤسسة OpenAI المملوكة للعبقري Elon Musk طورت عام 2019 خوارزمية GPT-2 ثم GPT-3، هذه الخوازرميات تستخدم المعلومات المتاحة لديها لخلق مواضيع مكتوبة، وقد استخدمها المبرمج Jason Rohrer قام لصنع لروبوت دردشة تحت اسم Project December.
مجدداً تثير هذه الفكرة تساؤلات أخلاقية ودينية حول جوازها، فمهما تطور الذكاء الاصطناعي، فأنت في النهاية تتحدث إلى آلة مصمتة جامدة، فانية الروح، مزورة الوعي، لا تمت للميت بأي صلة إلا بمعلومات سطحية، كما أنها ستسبب ألماً نفسياً لأحبابه لتذكيرهم الدائم بوفاته.
تجميد الإنسان لسنوات.. هل يصبح الخيال العلمي واقعاً ملموسا؟
من منا لم ير فيلماً يستيقظ فيه شخص من آلة تجميد ليكتشف أنه في زمن آخر؟ ماذا إن قلت لك أن هناك شركات تحاول جعل ذلك حقيقة؟ عملية الحفظ بالتجميد “Cryopreservation” ببساطة هي تجميد جزء من الجسد أو الجسد بأكمله في كبسولات تجميد صنعت خصيصاً لهذا الغرض، وهي إحدى أكثر الأشياء تعقيداً وصعوبةً على الإطلاق.
في له حوار مع BBC، صرح Max More رئيس شركة Alcor -وهي إحدى الشركات الرائدة في مجالها- بأنه قام بالتسجيل المسبق لتجميد مخه بعملية حفظ الأعصاب “neuropreservation”، وهي عملية فائقة التعقيد تبدأ بموت الإنسان، ثم إعادة تنشيط تدفق الدم اصطناعياً، واستخدام العقاقير اللازمة لحفظ الجسم من التلف تمهيداً للتجميد العميق. يتوقع More أن هذه العملية ستكون آمنة خلال 50-100 عام من الآن.
بالطبع فإن More لديه تطلعات زائدة عن اللازم حول نجاح هذه العملية غير المنطقية، وذلك رغم ظهور العديد من الشركات المتخصصة في نفس مجال شركته. ما تحاول هذه الشركات فعله محل جدل كبير، فلنفترض أنها نجحت في تذويب الجسم وإعادته للحياة، فكيف ستقوم بإيقاظ المخ بعد 100 عام من السبات؟ وما نوع الآلات القادرة على فعل ذلك بالأساس؟ قد يستطيع الإنسان التحايل على الموت، ولكن ما الفائدة إن كان من غير الممكن إيقاظه؟!
هكذا قد جمعنا لكم أهم التوقعات لما سيبدو عليه الموت في المستقبل، واستعرضنا ما قد يطرأ من موضوعات فلسفية بشأنها، وقمنا بتفنيد بعضها. استعرضنا العديد من الأفكار، منها المجنونة وشبه المستحيلة للتحايل على مصير محتم، ومنها الطموحة الجريئة لإطالة عمر البشر. نؤكد أننا لا نتبنى أي من هذه الأفكار، وإنما طرحناها إليكم من باب العلم.