لم تستحوذ أي حضارة أخرى على خيال العلماء والناس العاديين على حدٍ سواء مثلما فعلت الحضارة الفرعونية. يحيط الغموض بأصولها وعمارتها وكل ما يُخصها، المعابد الضخمة والأهرامات وأبو الهول والتوابيت وعلم التحنيط والعديد من الأسرار الأخرى التي ربما لن نكتشفها حتى وقت قيام الساعة.
الجدل مُثار بالفعل منذ 7 آلاف عام ولكنه هذه المرة يتمثل في ادعاء مثير بأن الفراعنة قاموا بنحت غطاء تابوت مصنوع من الجرانيت منذ 4 آلاف عام بحرفية شديدة وأن ذلك لم يكن مُمكنًا من الأساس لولا استخدام تقنية “الليزر” التي لم تُخترع سوى في عام 1960، إذًا ما القصة؟
منشور مُضلل يثير الجدل على مواقع التواصل
جدل كبير شهدته منصات التواصل الاجتماعي بدأ عندما تم تداول صورة لغطاء التابوت الحجري الخاص بالوزير جيمنفيرباك المصنوع من الجرافيت والذي ينتمي للأسرة السادسة والعشرين والتي تولّت مقاليد الحكم في مصر بين القرنين السادس والسابع قبل الميلاد، والمعروض حاليًا في المتحف المصري المُتواجد بمدينة تورينو الإيطالية. مع التأكيد على أن ذلك التابوت لا يُمكن أن يتم نقشه بتلك درجة من المثالية سوى باستخدام تقنية الليزر.
تفاعل عشرات الآلاف مع ذلك الخبر مُتسائلين عن كيفية توصل الفراعنة إلى تلك التقنية التي بالتأكيد لم تكن موجودة منذ 4 آلاف سنة حيث تم اختراعها منذ فترة ليست بالطويلة وتحديدًا في ستينات القرن الماضي.
عُمر التابوت الحقيقي
طبقًا للمتحف المصري في تورينو، يعود أصل هذا التابوت الجنائزي إلى الأسرة 26 والتي تولت حكم البلاد بين القرنين السادس والسابع كما هو مذكور بالأعلى، فيما يُعرف بـ العصر المُتأخر والذي انتهى رسميًا في القرن الرابع قبل الميلاد.
وبالتالي، فإن عُمر التابوت الحقيقي لا يُمكّن أن يتخطى بأي شكل من الأشكال 2700 عام وليس 4000 عام كما تم الترويج في تلك المنشورات.
حقيقة المادة التي استخدمت في صنع التابوت
وفقًا لوزير الآثار السابق والعالم الكبير زاهي حواس، صُنع ذلك التابوت من حجر الديرويت وليس الجرانيت نظرًا لأنه يمتاز بمُعدّل صلابة ومتانة أفضل، وهو ما يتماشى جيدًا مع رغبة المصريين القدماء المُتمثّلة في تخليد حضارتهم لآلاف السنين وهو ما يظهر جليًا في التحنيط والنقش على الجدران.
الجدير بالذكر أن حجر الديوريت هو نفس المادة المُستخدمة في صنع تمثال الملك خفرع أشهر ملوك الفراعنة والذي يقبع حاليًا في المتحف المصري بالقاهرة.
هل يُمكن نقش الجرانيت بدون استخدام الليزر؟
يُجمع العديد من الخبراء وعلماء الآثار أنه لا يلزم إطلاقًا وجود الليزر من أجل النقش على أي تابوت أو تمثال مصنوع من الجرانيت وهو ما يدحض جميع تلك الادعاءات المُضللة التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية.
لا يُمكن تجاهل براعة الفراعنة في النقش والرسم على جميع أنواع الأحجار وأثبتت الاكتشافات العبقرية أنه لا يوجد حجر يستعصي عليهم وجدران المعابد هي الدليل الأبرز على ذلك.
سيتواصل الجدل المُثار حول الحضارة الفرعونية وسيستمر الكثير في تداول أخبار مغلوطة عن تلك الحقبة الزمنية التي يكتنفها الغموض وسنظل نحاول فك طلاسم تلك الحضارة القديمة التي ما زالت تحتفظ بالعديد من أسرارها تحت الرمال المصرية.