جوزيف جوبلز : وزير إعلام هتلر، وسيّد البروباغندا؛ أخطر أسلحة النازيّة

يجمع المؤرّخون المهتمون بشأن الحرب العالمية الثانية عموماً، والنازية وهتلر خصوصاً، أنّ الحزب النازيّ لم يكن ليصل لما وصل إليه من إحكام لسيطرته على ألمانيا بالكامل، وإشعال الحرب العالمية الثانية من بعدها، لولا استخدامهم الممتاز لسلاح الإعلام والبروباغندا، والذي استطاعوا من خلاله تسخير المشاكل التي كانت تعاني منها ألمانيا من كساد وانهيار للروح المعنوية لمصلحة حزبهم، ولم يكونوا ليتمكّنوا من ذلك لولا سيّد البروباغندا في القرن الماضي؛ جوزيف جوبلز، الرجل الذي استطاع ترويج أفكار الحزب النازي، ورفع أسهمه بشكل كبير بين الجموع الغاضبة. في مقالنا اليوم، سنتحدث عن رجل هتلر الأهمّ، ورفيق دربه الذي كان له التأثير الأكبر على مجرى الحرب العالمية الثانية؛ جوزيف جوبلز.

السنوات الأولى لـ جوزيف جوبلز:

ولد جوزيف جوبلز عام 1889 لعائلة ألمانية متوسطة الحال في ولاية الراين لاند غرب ألمانيا، تلقّى أثناء الحرب العالمية الأولى إعفاءً من الجيش لإصابته بالتهاب نقي العظم، ليستغلّ فترة الحرب في التنقّل بين جامعات ألمانية متعدّدة لخمس سنوات، درس خلالها الأدب والفلسفة ومواضيع أخرى، كما حاز على شهادة الدكتوراه في الأدب الألماني من جامعة هايدلبرغ الشهيرة. مع بداية العشرينيات من القرن الماضي، انخرط جوبلز في صفوف حزب العمّال القومي الاشتراكي (الحزب النّازي)، وتقرّب من القيادي الصاعد فيه حينها أدولف هتلر، حيث أعجب جوزيف جوبلنز بقدرة هتلر العالية على التأثير بمن حوله من خلال خطاباته الحماسية وأسلوبه ذو الكاريزما العالية، في حين كانت كتابات جوبلز المحفّزة محط إعجاب القائد النازي المستقبلي.

جوزيف جوبلز يرتقي في مراتب الحزب النازي:

بمرور السنوات، أخذ تأثير جوبلز يتنامى في الحزب النّازي، حيث تمّ تعيينه قائداً للحزب في منطقة برلين، كما أوكلت إليه مهمّة الإشراف على بروباغندا النازيّة. في عام 1928، تمّ انتخاب جوزيف جوبلز لعضوية الرايخستاغ (البرلمان الألماني) كممثّل عن الحزب النازيّ. خلال هذه السنوات عمل جوبلنز بشكل حثيث على بثّ الدعاية النّازية بين جموع الألمان، مستغلّاً الحالة النفسية السيئة التي كان الشعب يعاني منها حينها نتيجة الكساد الاقتصادي الكبير الذي ألقى بكاهله على الاقتصاد الألماني، بالإضافة إلى الإذلال الذي لحق بهم بسبب البنود القاسية التي فرضها المنتصرون في الحرب العالمية الأولى، حيث استخدم في ذلك أساليب دعائية لم تكن منتشرة حينها بعد، من استخدام للكاميرات السينمائية المتطورة لتصوير خطابات هتلر، ووضعها في زوايا معيّنة تعزز من موقفه وصورته كقائد مهيب.

جوبلز وزير الإعلام:

بعد وصول هتلر لمنصب المستشارية الألمانية بشهرين فقط، قام بتعيين صديقه جوزيف جوبلز كوزير للإعلام والبروباغندا في الحكومة النّازية، وما لبث أن بدأ في إجراءاته المتعددة بالسيطرة على وسائل الإعلام الألمانية المكتوبة والمسموعة، وإخضاعها للرقابة المشددة من الحزب النازي، حالها حال كلّ أشكال الكتابة والفنون، كما قام بحرق كتب الكثير من العلماء بحجّة أنّها “غير ألمانية”، ككتب ألبرت آينشتاين وسيغموند فرويد، وغيرهم الكثير، وقام بإطلاق العديد من الحملات الإعلانية ضد اليهود بشكل مخصوص، ومنعهم من المشاركة في أية فعاليات أدبية أو صحفية خلال السنوات التي سبقت الحرب.

مع اشتعال الحرب العالمية الثانية، وسّع جوبلز مجال عمله، حيث سعى بشكل دائم لتصوير المعارك الحربية بشكل يظهر انتصار الألمان فيها مهما كانت النتيجة، واستمرّ في ذلك حتى أشهر الحرب الأخيرة حينما كانت القوات النازيّة تتعرّض لخسائر فادحة من الحلفاء الزاحفين في الأراضي الألمانية، بالإضافة إلى إنتاجه عدداً من الأفلام التي تروّج للأفكار النازية، وتهاجم الأعراق الأخرى (واليهود بشكل مخصوص).

الثبات حتى اللحظات الأخيرة:

في الأشهر الأخيرة من الحرب، سعى العديد من الضباط الكبار في الجيش النازي للبحث عن سبل تواصل مع الحلفاء، ليحظوا من خلالها على مفاوضات تخفف ولو قليلاً من سوء نهايتهم المحتومة، على النقيض من جوبلز الذي بقي حتى يومه الأخير يروّج للبروباغندا النازية بكلّ ما يملك من عزيمة. بعد موت هتلر في الثلاثين من أبريل عام 1945، حلّ جوبلز محلّه كمستشار للرايخ، لكنّ عهده لم يستمرّ طويلاً، حيث قام في اليوم التالي بتسميم أولاده الستّة، ثم الإقدام على الانتحار برفقة زوجته ماجدا، ليكتب بذلك السطر الأخير من سطور حياة سيّد البروباغندا النازية، وأحد أهمّ أعمدة الرايخ الثالث.

Exit mobile version